عادت أفلام المخرجة المصرية إيناس الدغيدي لتثير الجدل حول حرية التعبير في مصر، وحدود تلك الحرية، والحد الفاصل بين الخوض في قضايا شائكة في حدود الأخلاق العامة وبين تخطي كل حدود الأدب وصولاً إلى تطرف أخلاقي يعتبر البعض أنه لا يقل خطورة عن التطرف الفكري والديني. ويبدو أن المصريين على موعد كل سنة مع قضية خلافية من تلك النوعية. بعد وقائع مصادرة فيلم "المهاجر" للمخرج يوسف شاهين، والجدل حول رواية "أولاد حارتنا" لنجيب محفوظ ثم رواية الأديب السوري حيدر حيدر "وليمة لأعشاب البحر" الذي تطور إلى صدامات بين طلاب الأزهر والشرطة، ثم معركة وزير الثقافة فاروق حسني مع بعض معارضيه ممن انتقدوا إقدامه العام الماضي على مصادرة ثلاث روايات اصدرتها "هيئة قصور الثقافة" بناء على طلب قدمه النائب عن جماعة "الإخوان المسلمين" في البرلمان الدكتور جمال حشمت... جاء فيلم ايناس الدغيدي الجديد "مذكرات مراهقة" إلى ساحة القضاء ليفصل في امره بعدما سارع المحامي نبيه الوحش الذي كان لجأ أيضاً إلى القضاء العام الماضي لمحاولة استصدار حكم يقضي بتكفير الكاتبة نوال السعداوي. هذه المرة اختصم الوحش الدغيدي باعتبارها "مخرجة أعمال فاضحة" ومعها الأمين العام للمجلس الأعلى للثقافة الدكتور جابر عصفور، ورئيس جهاز الرقابة على المصنفات الفنية الدكتور مدكور ثابت، مطالباً بمعاقبة الثلاثة وسحب الفيلم من صالات العرض لپ"مخالفته للدستور والقانون والنظام العام والعادات والتقاليد المستمدة من الشرائع السماوية". ووصف الوحش نفسه، كما ورد في الدعوى التي اطلعت عليها "الحياة"، "وكيلاً عن الشعب المصري"، وأقر بأن السينما "أفضل الوسائل لتربية العقول ونشر الثقافة والمعرفة"، لكنه عاد واعتبر أن المدعى عليهم الثلاثة "حولوا السينما إلى مكمن للخطر"، وأورد مواد القانون التي تحظر "بث أو عرض ما يسيء إلى الأديان ويخالف التقاليد والآداب العامة". واعتبر أن الدغيدي "دأبت على إخراج أفلام العُري والخلاعة والجنس التي تؤذي شعور العامة وتنطوي في الوقت نفسه على الخروج والتطاول على المقومات الأساسية للمجتمع والآداب العامة والتقاليد المصرية العريقة"، معتبراً أن السكوت عنها "فتح شهيتها على تجاوز المحظورات"، وأشار إلى فيلم سابق أخرجته الدغيدي بعنوان "كلام الليل"، ورأى "إنها اقترفت في سابقة غير معهودة في السينما جريمة حين أخرجت فيلماً جنسياً لرجل سمته بطل الفيلم يرتكب الفحشاء علناً على الشاشة في أوضاع مختلفة مع امرأة سمتها بطلة الفيلم، ما مثل إخلالاً خطيراً بالحياء العام وخروجاً سافراً على كل ما نادت به الشرائع السماوية". ووصف الدغيدي بأنها "مخرجة اثبتت بالدليل القاطع والبرهان أنها ماضية في طريق الشيطان"، ثم عرض رأيه في أفلام "دانتيلا" و"الوردة الحمراء" و"لحم رخيص" التي اخرجتها الدغيدي، فاعتبر أنها "تصرّ على عرض الفسق والفجور والدعارة بعينها"، وتساءل "هل السيدة المخرجة أقوى من جميع الرقباء والمسؤولين؟"، معتبراً أن "أيادي أخرى تساعد الدغيدي وتسهّل عرض أفلامها". وبدا الأمر غير مفاجئ بالنسبة الى الدغيدي التي أشارت إلى وجود محامين "يسعون إلى تحقيق الشهرة من خلال إقامة مثل تلك القضايا". وهاجمت "العقول المنغلقة"، ونفت أن تكون "خالفت الشرائع السماوية أو خرجت على الأداب والأخلاق". وقالت الدغيدي لپ"الحياة": "حتى الآن لم يتم إبلاغي من المحكمة في شأن هذه الدعوى"، متوقعة سقوط الدعوى ورفضها من جانب المحكمة بعدما أشارت إلى أن القضاء المصري "لم يصدر حكماً واحداً ضد فنان لمجرد أن شخصاً عارض فيلماً". وأوضحت أن فيلمها مرّ برقابة جهاز حكومي مسؤول وهو جهاز الرقابة على المصنفات الفنية برئاسة الدكتور مدكور ثابت، وخلصت إلى أنه "في ظل وجود جهاز حكومي لا يجوز أن يقوم أي شخص بوضع نفسه وصياً على العقول المصرية".