في بداية الستينات، وبعد ان حصلت وجيهة عبدالحق على شهادة "الليسانس" في العلوم الموسيقية من القاهرة انتقلت الى أكاديمية روما للموسيقى "سانتا شيشيليا" لتتابع تحصيلها العالي وتتخصص في أصعب فروع الموسيقى وهو "علم الموسيقى". في هذه الاكاديمية وبعد الاتصال بالمجتمع الغربي، فوجئت الفتاة العربية بأن الموسيقى العربية على رغم أصالتها وعراقتها مهملة ومجهولة، وأن عليها ان تسهم في دفعها علمياً الى مكانها اللائق في العالم. وكانت خطواتها الأولى البحث عن أصول هذه الموسيقى في أقطار الوطن العربي، وبدأت رحلة طويلة بين أربعة عشر قطراً عربياً. زارت المدن والأرياف والجبال والسواحل والمراكز والمؤسسات والمتاحف الأثرية والمعارض الفنية. واستطاعت جمع وتسجيل ثلاثة آلاف وثيقة علمية منها تسجيلات للألحان والأغاني إضافة الى مجموعة من الحلي والأزياء وآلات الموسيقى. وتحتوي على أغاني المناسبات: الولادة، الختان، الحب الزواج والأغاني الدينية والجنائزية وأغاني العمال والفلاحين والصيادين والرعاة والأغاني البدوية والموسيقى الآلية للرقصات والموسيقى التقليدية القديمة. وجمعت هذه الثروة في أربعمئة شريط مدتها مئتا ساعة صوتية مختارة. أما الوثائق الأخرى فهي مجموعة من أشرطة سينمائية فوتوغرافية صورتها بنفسها ويمكن اعتبارها أساساً مرئياً لتفهم البيئة التي أحاطت بالموسيقى التقليدية العربية منذ القدم حتى الآن، كما جمعت خمساً وعشرين آلة موسيقية عربية متميزة ونادرة ومجموعة كبيرة من الحلي وعدداً كبيراً من المؤلفات التاريخية والفنية العربية تصل الى سبعين مؤلفاً. وقد أودعت هذه الوثائق المهمة أكاديمية روما الموسيقية. ولدى العالم الموسيقي دييغ كريتلا مدير المعهد تاريخ التقاليد الشعبية في روما الذي قال عن العمل أنه مساهمة كبيرة للتوثيق والمعرفة العلمية بالموسيقى العربية ويشكل مادة ثمينة للمقارنة بين الموسيقى الشرقية والموسيقى الغربية. وكانت الخطوة التالية لهذه العالمة اختراعها الموسيقي الكبير الذي صنعت النسخة الاولى منه على نفقتها الخاصة وهو البيانو العربي الذي أطلقت عليه اسم "قيثارة دمشق" الذي يحل مشكلة "ربع الصوت" في الموسيقى العربية ويفتح أمامها آفاقاً علمية واسعة. واعتُرف بالآلة الموسيقية في المؤتمرات الموسيقية العربية والعالمية. كما أنها استقطبت معظم الموسيقيين أمثال الراحل عاصي الرحباني ومنصور وزياد الرحباني مع فيروز الذين زاروها في دمشق للإطلاع على تلك الآلة الموسيقية التي تحدثت عنها الصحافة العالمية والعربية باسهاب وإعجاب. وعزف زياد الرحباني على "قيثارة دمشق" لحن "سألوني الناس"، وعزف الياس ومنصور "شيء مدهش" وقال الياس "انها حدث مهم من الأحداث الكبيرة في تاريخ الموسيقى العربية". وقال منصور "نحن على استعداد لشراء أول نسخة تصنع من هذه القيثارة بعد نسخة التجربة لأن هذه الآلة تخدم ألحاننا كثيراً. وعقّب الياس "للمرة الأولى في تاريخ الموسيقى نجد آلة موسيقية ثابتة مثل هذا البيانو تحمل أرباع الصوت". كما جاء في أحد التقارير العلمية التي وضعت عن "قيثارة دمشق": "لا شك في ان هذه الآلة ستحدث ثورة في عالم الموسيقى وستخلق طابعاً جديداً أكثر غنى وأدق تعبيراً من الموسيقى العالمية الماضية، وعلى سبيل المثال: إذا كان زرياب الذي زاد وتراً في العود جعل الموسيقى العربية تتقدّم خطوات سريعة ومهمة في الأندلس فكيف وقيثارة دمشق التي تملك من إمكانات عشرات أضعاف وتر زرياب". والمعروف ان قيثارة دمشق تعطي 24 صوتاً من أرباع، في حين فشلت التجارب السابقة في تحقيق آله تعطي هذه الأصوات، والمعروف ان آلة البيانو التي كانت من الأسباب الأساسية لازدهار الموسيقى الغربية لا تخدم الموسيقى العربية لأن السلم الموسيقي العربي مكوّن من 24 ربعاً من الأصوات والبيانو لا يعطي أكثر من 12 صوتاً من الأنصاف... ومنذ نحو قرن ونصف القرن والمحاولات تبذل لايجاد ربع الصوت على البيانو وفشلت المحاولات. في عام 1974 وخلال حفلة رسمية أقيمت في مقر اليونسكو في باريس أعلن رسمياً عن الاختراع أمام وفود العالم. وخضعت القيثارة لأول تجربة علنية وعزفت عليها العازفة اللبنانية نادية تقي الدين ألحاناً عربية متطورة وألحاناً بدوية وشعبية وتقاسيم. وفي عام 1975 أقيمت حفلة أخرى في مقر اليونسكو لمناسبة إهداء الحكومة العربية السورية قيثارة دمشق الى اليونسكو حضرها عازفون عالميون من أميركا واليابان وإسبانيا قدموا عليها معزوفاتهم بحضور الأمين العام للأمم المتحدة آنذاك كورت فالدهايم وتحدثت الصحف وشبكات التلفزيون آنذاك بإسهاب عن هذه الآلة. ونأتي بعد هذا الى الاختراع الجديد الى "أورغ اليونسكو" العالمي الذي حققته الدكتورة عبدالحق بعد "قيثارة دمشق" وذلك انطلاقاً من المبدأ الذي حققت به القيثارة وهو يضم ميزات "قيثارة دمشق" إضافة الى مميزات اخرى مثل: عزف السلالم الغربية والمقامات العربية والشرقية وإعطاء توافق "اكورد" غربي أو عربي في يد واحدة وفي آن واحد ومكوّن من نغمات عدة.