انتقد عدد من قدامى الممثلين اللبنانيين ممن بلغوا السبعين من العمر وما فوق الحكومة اللبنانية واتهموها بالتقصير حيالهم بعد ان خدموا الفن اللبناني قرابة نصف قرن. وعلى رغم بلوغهم هذه السن لم تقدم لهم الدولة شيئاً في شيخوختهم، حتى حبة الدواء... وبعضهم يعيش حال فقر مدقع. وهؤلاء الفنانون هم: ماجد أفيوني، علي دياب، علياء نمري، ليلى كرم، عماد فريد، ميشال ثابت وسليمان الباشا. "الحياة" التقت ثلاثة من هذه المجموعة هم: أفيوني وكرم والباشا وسألتهم عن حياتهم وعملهم الفني ونظرتهم الى دور الدولة. يقول ماجد أفيوني: "النشاط الفني محدد في القانون المفروض على شركات التلفزيون بالنسبة الى عدد ساعات عرض المسلسلات المحلية، لكن كل تلفزيون له أنصار وجماعة يتعامل معهم دون غيرهم في عملية اصرار متعمد من دون مراعاة خصوصية بقية الممثلين، وما يمثله هذا الفنان أو ذاك من قيمة أدبية وفكرية وثقافية، أقصد ممثلي الكوميديا لأن ما نراه اليوم هو فن ساقط، وقد اتخمنا البعض تقليداً للسياسيين. فالذين نشاهدهم على شاشات التلفزيون ليسوا أبطال الكوميديا الحقيقيين والذي يقدمونه هو اسقاط فني حقيقي، والاسقاط يقع عندما لا يساوي العمل في العرف الفني شيئاً. تحمل مثل هذه الهواجس، فلماذا لا تلجأ الى نقابة الممثلين؟ - وهل توجد نقابة بالمعنى الصحيح؟ انها نقابة عشائرية... النقابة المهنية تجبر الدولة بشروط وقوانين على حفظ حقوق الفنانين، فأين النقابة الحالية من هذه القضايا؟ نحن مثلاً سبعة فنانين تجاوزت أعمارنا السبعين، فهل باستطاعة الدولة تأمين الضمان الصحي لنا؟ وهل باستطاعة النقابة ان تجبر الدولة على تحقيق هذا المطلب... فقط يكتفون بالقول إننا كنا أول من خدم المسيرة الفنية ورفعنا اسم لبنان عالياً، فبمَ ينفع ذلك؟ لم ندع وسيلة إلا واعتمدناها وحاولنا جهدنا من أجل عمل شيء ما وكل ما حصلنا عليه كان وعوداً فقط. الفنان اللبناني مكرم في كل العالم ما عدا في لبنان ولا أحد يعرف الأسباب. الدولة غير مهتمة بالفن، هذا شيء مؤكد، نحن نقول ذلك من وجعنا... بعض الممثلين الجدد يعتقدون أنهم تخرجوا في الجامعات ونالوا الشهادات وأصبحوا نجوماً وهذا غرور كبير لا يساعد على النجاح بل يؤدي الى السقوط، لأن مهنة التمثيل تتطلب علماً اسمه "انلوتيكا"، بمعنى كيف تجذب الناس اليك؟ نصف الممثلين اليوم تنقصهم هذه الخبرة! الفن تلقائية... الفن طبيعة... الفن هو السهل الممتنع، فلماذا التعالي والتكبر والتعجرف؟... كل ما يقدم من أعمال تلفزيونية بعد سنة 1975 يعتبر أعمالاً سطحية تعمل أفقياً وليس عمودياً والمسؤولية تقع على كتاب السيناريو الذين أصبحوا تجاراً همهم المادة فقط. أما الممثلة ليلى كرم فتقول: "نعم الدولة مقصرة بحقنا كفنانين من الرعيل الأول، فنحن من أعطى التمثيل هذا الوهج الذي هو عليه، أعطيناه كل ما عندنا من خبرة، ومعرفة، ومعلومة صادقة، اعطيناه عمرنا وعيوننا وشبابنا... ما أعطيناه يساوي أكثر بكثير مما قدم لنا طوال سنوات عملنا. فلا ضمان صحياً، ولا ضمان شيخوخة، ولا تقديمات اجتماعية وانسانية ولا خدمات عامة. فإذا ما مرض أحدنا نقيم له حملة تبرعات كي ندخله الى المستشفى. عيب كبير ان يحصل في لبنان مثل هذا، نتحدث عن ذلك مكرهين... لماذا لم يقر ضمان الشيخوخة حتى الآن؟ هل أنت راضية عما يقدم من أعمال اليوم؟ - أنا لا أريد محاسبة أحد. بعض الأعمال جيدة وبعضها الآخر دون المستوى. وهذا مرده الى قلة الانتاج. وبالنسبة الى المثلين الجدد بعضهم نجح ويبشر بشهرة واسعة والبعض الآخر تنقصه الخبرة والدارسة، وقد يكتسبها مع الوقت إذا ما تنبه لهذا الموضوع، ما يهمني أن أتحدث عنه هو الاهمال المقصود من الحكومة نحونا... بين الحين والآخر نسمع بمبادرات، لكن من يحول هذه المبادرات الى أفعال؟ حتى الآن لم يتحقق شيء. أما في موضوع النقابة، فأنا أشك بقيام نقابة يكون في وسعها فعل شيء في ظل الظروف التي نعيشها الآن... بالنسبة الى العمل بعضنا يلجأ الى العمل في دبلجة المسلسلات المكسيكية وهناك جدل قائم على هذا الموضوع. ناس مع وناس ضد، لكن في النهاية يجب تأمين لقمة العيش في غياب الانتاج المحلي الملبي للطموحات، فحرام ان يجوع الفنان. ويقول الممثل سليمان الباشا: حدث ولا حرج عن تقصير الحكومة، لم يبق كلام إلا وقلناه في هذا الصدد، ولم يبق باب الا وطرقناه، ماذا كانت النتيجة؟ مكانك راوح. ولو لم يتخذ البعض منا مبادرات شخصية لوصلنا الى الطريق المسدود. وأنا اعتقد ان التقديمات الاجتماعية هي التكريم الحقيقي للفنان، إذ ماذا ينفع تعليق الأوسمة والفنان جائع ولا يستطيع أن يأكل... والفنان مريض ولا يستطيع ان يدخل الى المستشفى أو أن يشتري حبة الدواء... وهناك حادثة لا بد من اعادة التذكير بها لأخذ العبرة فقط كما حصل مع زميلنا المرحوم فيليب عقيقي. وهي قصة مشهورة يجب ألا تغيب عن بالنا "عندما كان فيليب عقيقي طريح الفراش بسبب مرض ألمّ به طالب ذووه الدولة ووزارة الثقافة بإقامة حفلة تكريمية له قبل وفاته، لكن المعنيين مع الأسف لم يهتموا بالأمر وحدث ان توفي فيليب وكذلك لم يحضر أحد من الحكومة أو من يمثلها. وفي الحفلة التكريمية التي اقيمت بمناسبة مرور أربعين يوماً على وفاته منعت أسرته مشاركة الوفد الرسمي الذي جاء ليعلق وساماً على صورة فيليب وليس على نعشه... هذه القصة تبقى شاهداً حياً على عدم اهتمام الحكومة بالفن، وما على الفنانين إلا ان يقلعوا أشواكهم بأيديهم.