من الملفات الساخنة التي تشغل الوسط الفني في سورية هذه الايام ملف الأجور. هل الفنان السوري يحصل على الأجر الذي يستحق؟ وكيف السبيل الى ايجاد صيغة تخرج الانتاج السوري سواء في الدراما التلفزيونية او المسرح او في السينما من متاهة الأجور التي لم تجد الى الآن حلاً ناجحاً مع انه ملف متجدد كل عام، وملف يُراهن عليه قبل اي انتخابات لنقابة الفنانين. في هذا التحقيق تحاول "الحياة" الوقوف عند وجهات النظر المختلفة للفنانين السوريين. عبدالرحمن ابو القاسم… "اعادة التصنيف بصيغة جديدة". - الفنان السوري يتقاضى اجوراً لا تتناسب نهائياً مع مستواه الفني او الاكاديمي او حتى تاريخه. لأن المنتج يسعى دائماً الى استقدام اكبر عدد من الفنانين ويستغلهم لحاجتهم للعمل ويفرض عليهم شروطاً غاية في الصعوبة في ما يتعلق بالأجر. لذلك أرى انه على نقابة الفنانين ان تلعب دوراً رئيسياً في هذه المسألة، بتحديدها لأجر الفنانين، وتمنع نهائياً أجراء اي عقد بين فنان وأية جهة انتاجية، سواء كانت خاصة أم عامة الا بمعرفة نقابة الفنانين. هل ينطبق هذا الكلام على الممثل النجم؟ - نسبياً وعلى الفنانين عموماً.. حتى النجم لا يتقاضى الأجر الذي يستحق - أنا أعرف هذا جيداً - لذلك تجب اعادة صياغة هذه المسألة من جديد ووضع النقاط على الحروف. ولا اعتقد ان أحداً يستطيع ذلك سوى نقابة الفنانين، ونحن بحثنا الامر في مجلس الادارة الجديد وتمنينا فيه ان يلعب دوراً مهماً في هذه المسؤولية وان يكون على مستوى المسؤولية التي تمنيناها. وفي خصوصية التصنيف.. ألا يمكن ان يلعب عليها؟ - يجب ان تكون هناك حرب لا تبقي ولا تذر مع اي جهة مسؤولة من اجل اعادة التصنيف الذي اصبح بالياً، فالتسعيرة الموجودة الآن في الاذاعة والتلفزيون عفا عليها الزمن وتجب اعادة الاعتبار الى الفنانين. بسام كوسا: "التصنيف مرفوض.. وهذه ضريبة المهنة الحضارية" - مسألة الأجور لها علاقة بالوضع الاقتصادي العام، المشكلة انه تتم الحسابات بإجراء مقارنة بين دخل الفنان ودخل الموظف، وطبعاً هذا غير منطقي.. على كل حال الامور تخرج من دائرة القانون القسري، ويصبح العرض والطلب هو الاساس، وهو موجود في كل مكان.. ودور نقابة الفنانين والتصنيف الذي يتحدثون عنه؟ - انا ضد التصنيف بشكل قطعي.. ضده بكل اشكاله، لان الناس لا توضع "بالدروج".. ثم من يصنّف..؟ ما هو مستوى اللجان؟ لجان تصنف نفسها - كما يرغبون - ثم يقيسون الآخرين على انفسهم. واللجان تعتبر نفسها كونها أُختيرت كلجان انها الاهم، والامر ليس كذلك التصنيف مسألة ساذجة، وهذا النظام كان معمولاً به بالدول الاشتراكية التي انهارت هي وانظمتها كما انهار النظام الذي يقوم بتصنيف الناس في الادراج وملفات - درج للممتازين ودرج للعاديين!!! لذلك ربما يفاجئ المرء بأن مخرجاً مثل كوزنتسيف وهو من اهم مخرجي العالم، جاء بممثل من الدرجة الثالثة من سيبيريا واعطاه دور الملك لير، فدخل هذا الممثل التاريخ من خلال هذا الدور، فكيف تصنفه ممثلاً من الدرجة الثالثة ام ممثلاً ممتازاً. انه ممثل مغمور لكنه من خلال هذا الدور، نافس بيتر بروك وغيره من عمالقة الفن الذين قدموا الشكسبيريات، فما مقياس الممتاز والعادي ومن قال ان الموهبة توزن..؟ ربما يأتي ممثل جديد يتفوق على كل الموجودين، وانا رفضت ان اصنّف وأرفض ان يقيّمني احد، طبعاً اقبل الرأي النقدي. ولكن لا اقبل ان اوضع في درج. اذاً فالفنانون السوريون ينالون أجراً اقل مما يستحقون؟ - اقل بكثير.. بكثير، لأن التمثيل يعتبر ثالث اصعب مهنة في العالم "وفي بعض التصنيفات تأتي الدراما ثاني اصعب مهنة" حسب تصنيف اليونيسكو: عمال المناجم، التعليم.. ثم الدراما بقسوتها وتعبها النفسي والجسدي ناهيك عن الضرائب الاجتماعية التي يدفعها الفنان في المجتمع لانه من الصعب جداً ان تقوم بمهنة حضارية في مجتمع متخلف. فراس ابراهيم: "نحتاج الى آلية انتاج جديدة" - الفنان السوري يأخذ أقل من أجره الحقيقي بكثير.. اعتقد ان المشكلة لها علاقة بآلية الانتاج في سورية، هناك غياب او تغييب للتقاليد الفنية، ومن المشاكل المهمة المتعلقة بالأجور وبسرعة الانتاج وضخامة او ضآلة الانتاج والتسويق.. هناك مشكلة حقيقية في التسويق - انا اعمل منذ عشر سنوات في التوزيع، واعرف صعوبة الامر. المنتج حجته الدائمة التسويق، وهذا الامر يحتاج الى آلية جديدة. مسألة الأجور اذا لا تعالج بمفردها، اذ ان العملية الفنية في سورية برمتها بحاجة الى برمجة ومع ذلك فان الفنان وحتى ضمن شروط الانتاج هذه لا يأخذ ما يستحق قياساً بجهده وتميزه ومستواه المعرفي والثقافي او بساعات عمله وتاريخه.. اما الحل فاعتقد ان المسألة ستبقى خاضعة للعرض والطلب وهذا موجود في كل مكان، ربما ان بعض الاجراءات التي قد تقوم بها نقابة الفنانين يمكنها ان تضبط الامور قليلاً - لا بل قليلاً جداً - المشكلة في الآلية العامة في آلية الانتاج والتوزيع والتسويق والاعلام والعمل النقابي والابداعي. هل تعاني شخصياً من مسألة الأجور على رغم كونك من نجوم سورية؟ - بالطبع.. انا منذ اربع سنوات لم استطع ان ارفع أجري مليماً واحداً، والسبب ان ظرف الانتاج العام لا يسمح بذلك.. انا اعرف اني آخذ اقل من أجري ولكن عليّ ان اكون متصالحاً مع نفسي والوسط.. الوضع القائم مرفوض ولكنه لا يحل بقرار.. نجاح العبدالله: "المشكلة اكبر بكثير من مشكلة الأجور" - ربما كنت من اكثر الفنانات اللاتي يعتذرن كثيراً. ولديّ دائماً سببان رئيسيان: مستوى العمل وهذا لا نقاش فيه، والأجر، غالباً اشعر انني أغبن. لذلك ارفض العمل، وحتى عندما اقبل اعرف انه اقل بكثير مما استحق - وكذلك وضع زملائي. ولكن لا بد من العمل. فما هو الحل؟ لا اعرف تماماً، ولكنه في كل الاحوال هو الحل نفسه الذي سيمنع الاعمال الروائية من الظهور ، لان اصحاب الاعمال المميزة يقدمون اجوراً معقولة ولو الى حدّ ما. الفن.. صناعة وتجارة وفن. ويجب ان نعترف انه لدينا مشكلة على الصعد الثلاثة، هناك نوع من التقليد غائب، ربما بسبب فوضى الانتاج، ربما يتم الفرز في المستقبل.. وان كنت غير متفائلة. نقابة الفنانين نسمع عن مشاريعها الكثير، في هذا الصدد ومنذ سنوات طويلة ولكن لا شيء على ارض الواقع، المشكلة في الفنان الذي يقبل دوراً اعتذر عنه زميله بسبب الأجر. المشكلة في نقابة الفنانين التي لا تحرك ساكنا، وفي وزارة الاعلام التي تعتمد صنع اجور قديمة جداً - لا سيما في الاذاعة - المشكلة في المنتج الذي يريد اكبر قدر من الربح بأقل قدر من الرأسمال. المشكلة في المحطات التي تضع آلية صعبة لدخول الاعمال اليها وصرف مبالغها …الخ. المشكلة اكبر من قضية اجور.. سوزان الصالح: "نقابة الفنانين مسؤولة اولاً" - الفنان السوري لا يأخذ ما يستحقه، بل انه يأخذ اقل بكثير جداً.. جداً، والمسؤولية الكبرى على نقابة الفنانين، لأن الفنان الفرد لا يحل المشكلة. فأنا اعتذر عن دور بسبب الأجر، تأتي زميلة اخرى وتقبل لانها مضطرة بسبب الحاجة، الحل المثالي ان لا يقبل الفنان بأجر رخيص لكن الكثيرين مضطرون لأنهم بحاجة فعلاً. على نقابة الفنانين ان تمنع الشركات من تشغيل الفنانين بأجور رخيصة، طبعاً ممكن ان يحدث تلاعب كما يمكن ان يحدث ذلك في مسألة التصنيف، لكن النقابة تستطيع ان تحافظ على الحدود الدنيا واي قانون قابل للتلاعب.. ماهر صليبي: "المشكلة: منتجو قطع اليد والشحذ عليها" - طبعا الفنان يأخذ اقل بكثير، ومع ذلك فالأجور تتفاوت من شركة الى اخرى، البعض يدفع للفنان بشكل معقول نسبياً، والبعض "يقطع يده ويشحذ عليها" احياناً يتم استثناء بعض الاسماء من قائمة "قطع اليد".. ويوما بعد آخر.. تنزل الأجور اكثر، لا سيما الاعمال التي يتضاعف فيها جهد الفنان والتي تصور خارج العاصمة، وقياساً لحجم الفنان السوري هو عملياً لا يأخذ شيئاً. النقابة تستطيع ان تضبط الامور نسبياً وان كنت لا اؤمن بالتصنيف لانه عموماً كل شيء لدينا ارتجالي، الامر يحتاج الى تقاليد فنية حقيقية سيما وان دخلاء كثيرين اصبحوا في وسطنا ممثلين ومنتجين.. وآخرين.. جورج حداد ممثل ومدير انتاج: "الأجور مسألة معلّقة". عموماً اعتقد ان الفنان السوري قياساً لما يقدمه من جهد وتفان في العمل يأخذ اقل مما يستحق.. الحل هو في تعزيز الشركات القوية وتأسيس بنية توزيع وتسويق صحيحة ما يجعل بالتالي دخلاء الانتاج يتفرقون. اما والوضع على ما هو عليه، فستبقى مسألة الأجور معلّقة.. ونقابة الفنانين لم تنجح في ايجاد حل. يارا صبري: "التركيبة الفنية العامة بحجة لتغيير" - المسألة لا تحتاج الى نقاش.. الفنان لا يأخذ قياساً لما يقدم، نصف ما يستحقه، وهذا ربما في احسن الاحوال، والقضية ستبقى معلّقة على ذمة الفنان الذي يقبل - ان لم يكن مضطراً - ومع الاسف معظمهم يقبلون باجور اقل لحاجتهم وعلى ذمة نقابة الفنانين التي لا تفعل شيئاً في هذا الصدد.. والمؤسسات الرسمية وقوائم اجور الفنانين فيها كالمسرح القومي والاذاعة والتلفزيون، وشركات الانتاج والمحطات ووو… الامر ليس بسيطاً، المشكلة في التركيبة التي باتت تحتاج الى تقاليد جديدة. زهير عبدالكريم: "أجر الفنان لا يكلف ميزانية العمل شيئاً" ويقول الفنان عبدالكريم الذي كان مديراً سابقاً لشركة "هيا" التي انتجت اكثر من عمل: "الفنان يأخذ اقل بكثير… بكثير، والمسؤولية تقع على عاتق الفنانين الذين يقبلون بالأجور الضئيلة، مع الاسف احياناً يكونون مضطرين.. جزء من الحل ان تكون هناك شركات تؤمن بأجر الفنان وحقه. عندما كنت في مؤسسة "هيا" منحت الفنانين ما يستحقون، وهم احياء يرزقون، مع ذلك فان ميزانية العمل لم تكن مكلفة، في اي عمل عندما تمنح الفنانين المشاركين ما يستحقون لا تزيد الميزانية الا بحدود مليون ليرة سورية في اقصى الحالات، واذا اردت المبالغة فمليونين. وهذا يعتبر رقماً صغيراً في ميزانية مسلسل.. اما نقابة الفنانين!!! فإنها تقوم بشطب اسم فنان من النقابة اذا لم يدفع ضريبة مثلاً، لكنها لم تتدخل ابداً لصالح الفنان وهي تستطيع ان تفعل الكثير اذا وجدت صيغة تعاون بين الفنان والنقابة.. تخيل النقابة تستطيع ان تطرح اسم "100" موسيقى ليعملوا، لكنها لا تستطيع طرح ممثل واحد لا يجد عملاً!! سليم كلاس نائب نقيب الفنانين: "النقابة جادة" - مع الاسف الفنان السوري لا يأخذ ما يستحق، وهذه حقيقة، لكن المسألة في العالم كله مسألة عرض وطلب، ومع ذلك نحن نعمل الآن على مسألة تصنيف الفنانين واعتقد انه يحل جزء مهم من المسألة ولكنه قطعاً لا يحل نهائياً. ليلى سمور: "كرة الأجور في ملعب نقابة الفنانين" - بلا شك الفنان السوري يأخذ اقل بكثير من أجره الذي يستحقه، لا بل اقل بكثير قياساً بأجور الفنانين في باقي الدول العربية، الفنان صاحب رسالة حضارية وعليه ان يتفرغ لأداء مهنته والا تجبره ظروفه المعيشية على تقديم عمل هابط لان الفن سلاح اقوى من الدبابة.. اعتقد ان كرة الأجور في ملعب نقابة الفنانين والشركات المنتجة.