"الصورة" التي حملتها الى طوكيو رسمتها في ذهني وسائل الاعلام من صحف وتلفزيون وسينما والحوارات مع الديبلوماسيين الاجانب عن اليابان. فالصورة تثير الكثير من الفضول والرغبة في الاكتشاف والاستمتاع بالتجربة الاولى في هذا البلد الآسيوي. تختلف الصورة هذا البلد عن اوروبا الحاضرة ثقافياً وتاريخياً وجغرافياً على الضفة الاخرى للبحر الابيض المتوسط، وعن اميركا الحاضرة سياسياً في الصراع العربي - الاسرائيلي وثقافياً في الانتاج السينمائي وحياتياً في اطار العولمة. صورة اليابان لم تكن معقدة ومتداخلة. انها بسيطة ببساطة الحضور الياباني سياسياً وثقافياً واقتصادياً وتاريخياً في منطقتنا. فهي تتضمن تعاطفاً مع معاناة اليابانيين من قنبلتي هيروشيما وناغازاكي، وتقديراً لمتانة التكنولوجيا ولسينما اكيرا كيروساوا، وتذوقاً للمطبخ الياباني. انها صورة مختصرة. لكنها تثير الاسئلة الباحثة عن اجابة في الجزر اليابانية: هل نجح هذا البلد الآسيوي في تأكيد تمايزه الاجتماعي والثقافي والاقتصادي والسياسي؟ وما هي علاقة اليابانيين ال120 مليوناً مع الوجود الاميركي ممثلاً بالقواعد العسكرية بعد هزيمتهم في الحرب العالمية الثانية عقاباً على القصف الكاميكازي لبيرل هاربر؟ ما مدى صحة الانطباع من ان اليابانيين الذين اختاروا العزلة مئات السنين، رضخوا للهزيمة وقبلوا تماماً شروط الاميركيين بالانسحاب من العمل السياسي والعسكري في الساحة الدولية؟ وما هي صلة الرغبة بالعمل والكد في العقود الخمسة الاخيرة بتقاليد الشنتو؟ لحسن الحظ تصادف الموعد المقرر منذ اشهر لزيارة اليابان بدعوة من الحكومة اليابانية بين 21 و31 الشهر الماضي، مع استضافة طوكيو لمؤتمر اعادة اعمار افغانستان في 21 و22 كانون الثاني يناير الماضي و"عزل" رئيس الوزراء كونشيرو كويزومي وزيرة خارجيته ماكيكو تاناكا. الحدثان افسحا المجال للاطلالة على الجدل السياسي حول السياسة الخارجية لهذا البلد الذي عانى ركوداً اقتصادياً في العقد الاخير. زيارة اي بلد للمرة الاولى، تتطلب استعداداً ثقافياً وسياسياً. لكن الاستعداد يجب ان يكون مضاعفاً طالما ان قصد الزيارة هو اليابان البعيدة منّا ثقافياً واجتماعياً وجغرافياً والمرسومة بالذهن على ان أهلها منظمون ومنطقيون في محاكمتهم للأشياء وان لا مجال لاضاعة الوقت أو التقاعس عن المواعيد التي شملت مسؤولين رسميين وأساتذة في جامعة طوكيو و"معهد اليابان للشرق الاوسط" و"معهد الدراسات الاقتصادية" ومسؤولي الشرق الاوسط في "وكالة التعاون الدولي" جايكا و"بنك اليابان للتعاون الدولي"، وزيارات لمؤسسة الاتصالات الحكومية وشركة التلفزيون والاذاعة العامة وجولات على شركتي "شارب" للتكنولوجيا و"تويوتا" للسيارات. في ظرف كهذا يكون الوقوع على اي معلومة في تقرير صحافي مفاجأة سارة، لكن سعادتي كانت لا تقاس عندما وجدت في مجلة "نيوزويك" الاميركية ثلاثة مواضيع عن قصدي: الاول، مقال رأي بقلم رئيس الوزراء بعنوان "البدء من الخربشة ... ثانية" عن مؤتمر دعم افغانستان. الثاني، "جلب سوشي الى اليابان" الذي يتحدث عن عودة هذا الاكلة التقليدية بزي غربي الى طوكيو الامر الذي اثار حفيظة المحافظين في المطبخ الياباني. الثالث، بعنوان "اليابان على خطا الارجنتين" واحتمال انهيار هذا البلد. أسهمت هذه المقالات في تبديد قسط من الملل الذي تفرضه ساعات السفر ال13 بين لندنوطوكيو، وتعهدت الافلام الاميركية التي توفرها "الخطوط الجوية البريطانية" والسرير الذي يمده كرسي الطائرة بما تبقى من الساعات. ولدى الوصول الى مطار "ناريتا" وجدت نفسي منضبطاً في صف طويل يسير بانتظام للمرور عبر اجهزة الامن والهجرة وسط صمت بارد لم تقطعه سوى استفسارات امنية باعتبار ملامحي الشرق اوسطية زادت حساسايتها بعد 11 ايلول سبتمبر. عندما استقبلتني المرافقة اليابانية يوكيكو نيونو في قاعة المطار التي تغص بآلاف اليابانيين الذين يشبهون بعضهم بعضاً، ربما كنت الاجنبي الوحيد في الطريق من قاعة المطار الى السيارة. بعد السلام والتحية، استغلت نيونو الساعة والنصف بين المطار وفندق "امبريال" في مقابل القصر الامبراطوري الياباني وسط طوكيو لتستعرض بدقة محسوبة بالدقائق برنامج الزيارة واللقاءات التي تتضمنها مع خلفية وشرح لكل مسؤول ومؤسسة. بعدها "سلمتني" نيونو غرفة الفندق وبدأت بحل مشكلتي لضبط فارق التوقيت البالغ ثماني ساعات. وفي الليل، وبعد خيبة الامل من عدم وجود اي محطة فضائية عربية في الفندق، وجدت الحل في "بي بي سي" و"سي ان ان" ... الى ان يجيء الصباح الياباني. في طوكيو لا مجال لتضييع الوقت، فكان الدرس الأول، عندما قام ديبلوماسي صديق ترك الوزارة قبل سنة، كي يتسلم ادارة شركة العائلة بعد وفاة والده، بجولة سريعة في المدينة شارحاً أسلوب بناء جزيرة من وسخ اهل المدينة بجر اطنان الاوساخ الى المحيط وفق نظام هندسي مدروس شيدت عليه جزيرة سياحية مأهولة بشوارع واسعة وحدائق. والاندهاش الاكبر كان صباح اليوم الثاني، عندما كنت في قاعة انتظار تعج باليابانيين، عيونهم لوزية، شعرهم اسود، ويرتدون البدلات الرسمية. فجأة سمعت صوتاً عربياً. شعرت بالاطمئنان، لأن شخصاً ما يشبهني. هذا الشعور انتابني كلما شاهدت شرق اوسطياً او حتى اوروبياً. "اكتشفت" اننا العرب من الخليج الى المحيط ومن "الشام لبغداد" نحمل الملامح نفسها وان الاوروبيين اقرب بكثير لنا. وقالت نيونو معلقة على اندهاشي: "نحن اليابانيين نجد صعوبة بالتمييز بين العرب والمسلمين لأنكم تشبهون بعضكم بعضاً". هي لا ترى فارقاً بين الهندي والباكستاني والايراني والعربي. كلهم سواسية، لكنها تميز بسهولة بين سحنة الياباني والكوري والصيني، بملاحظة فروقات الملامح ومدى "لوزية" العيون ولون البشرة وتفاصيل الوجه والمقام. المترو والهاتف النقال توجهت الى وزارة الخارجية التي انتقلت موقتاً الى بنائها الجديد لتحصين القديم ضد الهزات الارضية. وفي الرحلة بدأت اعيش أجواء التنقل بالمترو في الصباح. كان الناس يسيرون باتجاه واحد، بسرعة متناسقة، بهندام موحد: بدلات كحلية او رمادية وقمصان بيض او سماوية وربطات عنق ملونة. فايقاع "سفر" قوافل البشر داخل محطة المترو هو ايقاع الساقين وكأنهم جيش منتظم يقدم عرضاً عسكرياً. وعندما يصل المترو في الوقت المحدد، يأخذ الخارجون يمينهم والداخلون يسارهم بانتظام تربوي موروث، اضيف اليه "محرم" آخر هو عدم التحدث في الهاتف النقال في المترو. بامكانك ارسال رسائل الكترونية وتسلمها، لكن ان يرن جرس النقال او ان يتحدث احد فيه، فهذا لم يحصل طوال عشرة ايام. ليس هناك قانون يمنع ذلك، لكن الأعراف الاجتماعية تفرض اخلاقياتها واحترامها لطلبات منظمات الدفاع عن البيئة ومناهضة التلوث الصوتي. فالقلق يزداد بسبب الضجيج الناجم عن مع التطور التكنولوجي. كانت الدقائق الفاصلة بين الفندق والوزارة مناسبة لتأمل ملامح اليابانيين في القطار: هناك الاشقر والاسمر، عيون لوزية ونصف لوزية، ملونة وبنية. بعضهم طويل وآخر قصير، بعضهم يرتدي الزي الاميركي وآخر موضة وآخرون يرتدون زياً عملياً. فأنت تستطيع ملاحظة الفروق بين هذه الآلاف. بناء الخارجية المستأجر بملايين الدولارات شهرياً، ضخم وفخم وعال، والمدهش هو ذاك الصغر الرهيب للمكاتب. لست سميناً ولا ضخماً غير اني وجدت صعوبة في الجلوس في كراسي "قاعة" الاجتماعات: الطاولة صغيرة، الكراسي منخفضة وضيقة. يختصر اليابانيون كلمات المجاملة الى ثوان. بعد السلام على الطريقة اليابانية، اي انحناء والنظر الى الارض ثم المصافحة، يسحب الياباني بطاقته من جيبه ويقدمها باليمين منتظراً بطاقتك باليسار. ثم يبدأ الحديث بسرعة بذكر نقاط محددة ترفق بصفحة او صفحتين عن الموضوع المقصود. ولا تتوقع الحصول على فنجان قهوة او شاي مع موعد مفتوح بحسب مسار النقاش. كل شيء مكثف ومحدد. الشرق الاوسط؟ تسعى طوكيو الى صوغ سياسة شرق اوسطية، وهي تريد الاستقرار لاستمرار تدفق النفط العربي، والتسوية السلمية في الشرق الاوسط يخدم مصالحها. فالشرق الاوسط عموماً قليل الوجود بين اليابانين. انشغالهم الخارجي منصب على آسيا والجوار. واذا كانت مشكلات الشرق الاوسط محدودة الاهتمام في طوكيو، فإنها معدومة في كيوتو العاصمة التاريخية بين 794 و1867 التي تبعد نحو 500 كيلومتراً من العاصمة الجديدة ونحو 40 كيلومتراً من العاصمة الاقدم. فهناك يقع اعظم تمثال لبوذا بارتفاع يبلغ نحو 15 متراً محاطاً بالغزلان التي يحترمها البوذيون لأنها بعرفهم نقلت الرسالة من بوذا الى الناس. وجود الغزلان مألوف، هي اعتادت الناس، والناس اعتادوا على وجودها و"مشكلاتها" التي يجب ان لا تقابل بالنهر والاهانة تحت اي ظرف. اياك ونهر اي من الغزلان لان ذلك بمثابة اهانة للبوذيين يشكل البوذيون 8،44 في المئة والشنتو 4،49 في المئة في مقابل اقل من واحد في المئة من المسيحيين وبضعة آلاف مسلم. ولم يعتد اهالي نارا على مشكلات الغزلان وحسب، بل ان اشهر انواع الشوكولا لديهم "مستوحاة" من وسخ هذا الحيوان الجميل. قضيت 48 ساعة في غرب البلاد لم اشاهد أي "شرق اوسطي". فحاولت التعرف الى هذه المدينة وعاداتها والمشاركة في "حفل الشاي" على الطريقة التقليدية. حجزت موعداً في فندق "غراند فيو" الواقع على تلة جبل ويطل على تلة اخرى "حيث تقع الحكمة والشفافية" كما يعتقد اليابانيون. عندما وصلت الى غرفة الشاي كانت تنتظرني السيدة هودوي هاسي بالزي التقليدي فتحدثت بلغة انكليزية عن تقليد هذا المشروب الاهلي وكيفية تحضيره بدءاً من الانحناءة التقيلدية ثم غلي تذويب المسحوق الاخضر في الماء المغلي وانتهاء بمسح الكوب والملعقة بالمحرمة الحمراء. المشكلة الوحيدة كانت صغر المكان. تحسبت لصغر الغرفة منذ "زحفي" عبر الباب اليها، ثم تحسبت لانخفاض السقف، اذ ارتطم رأسي مرات عدة بخشب. اهالي كيوتو يعتبرون سكان طوكيو "متخلفين" ومن دون تقاليد. يعتبرون انفسهم اصل الثقافة اليابانية وصناعاتها التقيلدية من الشاي الى النسيج ويفخرون بمدى تمسكهم بهوية المدينة الى حد ان شركة "ماكدولاند" الاميركية غيرت ألوانها في هذه المدينة. فكيوتو لا تستخدم الاحمر والاصفر كي لا تصدم عيون اهلها و"تزايد" على معابد الشنتو، بل تستخدم البني والرمادي. وفرض المسؤولون المحليون على المستثمرين الاجانب شروط البناء، فهم لم يسمحوا ل"كيوتو هوتل" الارتفاع عن عشرة طوابق قبل عشر سنوات الاّ بعدما تنازل عن 40 في المئة الى القطاع العام. واذا كانت اللغة الانكليزية قليلة التداول في طوكيو، حتى في صالة السينما القريبة من "امبريال هوتيل" او في محلات التسوق في "كينزا" ارقى المناطق، فإنها ربما معدومة في كيوتو وخصوصاً في فصل الشتاء. فأهالي كيوتو يفخرون بمحافظتهم على التقاليد وغنى مفرداتهم اللغوية على عكس اهالي العاصمة الجديدة. فأهل كيوتو يسمون الشخص القليل المفردات "مستر دومو" لأنه في طوكيو تستخدم كلمة "دومو" في اي مناسبة: شكراً، مرحبا، نعم، لا، وتصبح بخير خصوصاً اذا ارفقت بالتحية التقليدية. دفع اهل كيوتو سبعة ملايين دولار في العام 1997 لاعادة طلي معبد "كينكاكو" بالذهب وردوا المبلغ في غضون اشهر لأنه يستقطب 50 ألف شخص يومياً لزيارته ورؤية قدم شجرة تعود الى 600 سنة. ويفتخر أهل العاصمة القديمة بوجود القصر التاريخي في قلعة "نوجي" الذي حكم منه "الشوغن"، اي القائد العسكري، البلاد بتكتيك سياسي يقوم على اساس الحفاظ على الامبراطور وسلطته الدينية وابعاده عن الصراع السياسي الى ان نجح الامبراطور في استعادة قسطاً من سلطاته في العام 1868. مهر العريس في اليابان كغيرها، يتبادل الناس الطرف على بعضهم بعضا. الاعتقاد العام ان اهل كيوتو يصرفون فلوسهم على الملابس ثم يفلسون. وأهل اوساكا يفلسون من كثرة الاكل، ومدينة كويا من شراء الاحذية، لكن الاطرف هم اهالي ناغويا. ويعيرهم اهالي كيوتو بأنهم يصرفون فلوسهم على الاعراس والتباهي الى حد ان سيارات نقل فرش العروس تكون مكشوفة كي يراها الجيران. والجديد ان اهل العروس هم الذين يشترون المهر للعريس. هذا يشجع على الزواج من يابانية اذا وافق اهلها. هم ليسوا شاطرين في صيد السمك، لكنهم يستعينون بطائر شعبي يغطس بضعة امتار في نهر ناغارا كي يصطاد السمك من دون ان يبلعها لأن حبل "الناغوويين" مربوط حول عنقه، لكنهم شاطرون في قلي القريدس. بينما يفتخر اهالي كيوتو في طبخ "اكومنياكي" واهالي طوكيو ب"سوشي". الدخول الى مصنع "سوشي" في العاصمة الجديدة متعة: ثلاثة من الطباخين يقفون في الوسط وتلتف حولهم طاولة مستديرة يدور قربها شريط يحمل صحون من "سوشي" مختلفة. هناك خمسة ألوان للصحون بخمسة اسعار، وتستطيع اختيار ما شئت بحسب موازنتك. وعندما تنتهي سيأتي المحاسب ليعد الالوان والصحون من دون نطق كلمة انكليزية او يابانية. تدفع الحساب وتخرج بتحية يابانية جماعية وعالية الصوت مشابهة لتحية الاستقبال التي يعلنها الجميع بصوت واحد. وفي العاصمة التاريخية تزداد المتعة بتجريب طبخ "اكومنياكي" من البيض والملفوف والطحين، خصوصاً عندما تكون واسطة التواصل الاشارات والايادي وكلمتي "دوكونو" و"اليكاتو" ... اي شكراً. بينما أكل ب"تشوب ستيكس" في طوكيو يحتاج الى الانتظار وقوفاً وفي الدور لمدة ساعة ذلك ان معظم اهالي طوكيو 12 مليوناً يسكنون خارج المنطقة التجارية، فتكتظ الاحياء نهاراً وتهدأ ليلاً. كان اليابانيون يشعرون في العقود السابقة في حاجة الى تعلم الانكليزية بفضل ذهاب 15 مليوناً منهم الى السياحة في اوروبا وأميركا في كل سنة. وخففت الجولة الثالثة للركود الذي يعانيه الاقتصاد في السنوات العشر الاخيرة من هذه القناعة. ولعل احد المؤشرات هي ان صحيفتين تصدران باللغة الانكليزية هما "مينشي" و"اساهي ايفننغ نيوز" اغلقتا بعد تراجع السوق من 150 ألف نسخة الى 20 ألفاً تحتكرهم "جابان تايميز". بينا توزع "يوري تشمبون" 14 مليوناً في خمس طبعات، إضافة الى وصيفتها اليابانية "اساهي تشمبون" التي وقعت اخيراً اتفاقاً مع "هيرالد تربيون" 12 مليوناً. كل شيء باليابانية من دون ترجمة باللغة الانكليزية. الاعلانات التجارية، اسماء المحلات والفنادق والمطاعم، حتى اسماء الافلام غير مترجمة. والاستثناءات الوحيدة هي: سلسلة ملابس "غاب" ومطاعم "ماكدونالد" ومقاهي "ستار بوكس". طبعاً كلها اميركية لأن العالم الخارجي للياباني العادي هو اميركا. لا يزال اليابانيون يعيشون حياة العزلة التي فرضوها على انفسهم ولم تفك قبل 200 سنة سوى بضغط اميركي لفتح السوق، لكن لديهم هاجساً كبيراً ب"جابانايزنغ" كل شيء، اي تحويل كل مستورد الى محلي. استوردوا السيارات ثم برعوا في صناعتها. اخذوا التكنولوجيا الاميركية والاوروبية ثم كانوا السباقيين، بل انهم يفاخرون الآن بأن عدد مشتركي الهاتف المحمول المرئي تجاوز ال40 ألفاً وهم الآن يخططون لتحويل هذه الخدمة لتكون تجارية في شكل واسع بفضل براعة مهندسي كبرى الشركات ودعم شركة "ان تي تي" التي توفر البنية التحتية للشركات الخاصة العاملة. فشركة "شارب" تتصور العالم الياباني بعد خمس سنوات انك - كياباني- تستطيع التحدث مع حسابك المصرفي والمستشفى ودكان الخضار والملابس والفرش من بيتك. وتستطيع ان تشاهد البضائع وتجربها افتراضياً في منزلك بصورة رقمية وثلاثية الابعاد قبل ان تتخذ قراراً بالشراء استناداً الى "آي سي كارد" الصغيرة التي تتضمن كل المعلومات عنك: صحياً، مالياً، منزلياً، مطبخياً وعائلياً. امام هذا التصور فإن التجول في سوق طوكيو التكنولوجية يكون نسبياً مثل التسوق في سوق "الهال" لشراء الخضار واللحم المنتشرة في بلادنا. وشاشات التلفزيون وهواتف النقال والكاميرات والمسجلات منتشرة على قارعات الطرق مثل البطيخ والبندورة والخيار. مثلاً جهاز النقال يباع بالمجان لأن الشركة تتنافس لاجتذاب الزبائن البالغين 60 مليوناً. يؤمن اليابانيون بالاكتفاء الذاتي، والعالم بالنسبة الى معظمهم هو اميركا التي "فتحتهم" ثم هزمتهم بقصف هيروشيما وناغازاكي ولا يفرض اليابانيون زيارتهما كي لا تكون دعاية سهلة ضد الاميركيين. فهوسهم بالأميركيين وجهلهم بالعرب، دفع عدداً منهم للاعتقاد بأنني أميركي لمجرد تحدثي الانكليزية. حلقة ثانية: بعد غد الاربعاء.