أربعة أيام من المداخلات المطولة لم تكن كافية لإسدال الستار على مناقشة مشروع موازنة العام الجاري في المجلس النيابي اللبناني، وتناوب اكثر من 60 نائباً على الكلام في ثماني جلسات حفلت بمعظمها بانتقادات سياسية للحكومة لم تخلُ من الحدة، لكنها لم تلامس الموازنة إلا بخجل، خصوصاً وأن وقائع هذه الجلسات كانت تُنقل مباشرة على الهواء. وكان البارز أمس اطلاق الدعوات الى تغيير الحكومة، تصدّر مطلقيها النائب سامي الخطيب حين دعا رئيس الحكومة رفيق الحريري باسم كتلة نواب البقاع الغربي صراحة الى اعلان براءته من الحكومة قبل فوات الأوان، وتأكيد النائب ناصر قنديل ان جلسات الموازنة تحولت الى جلسات لإسقاط الحكومة. في وقت واصل نواب معارضون هجماتهم على السياسة المالية والاقتصادية للحكومة، فإن نواباً موالين لم يوفروها من سهامهم، وهذا ما دفع الرئىس الحريري لليوم الثاني على التوالي الى فتح النار على المشككين من النواب من دون ان يوفر بعض نواب كتلته قائلاً: "ان الموالين باتوا يتعرضون للحكومة، فقد استذوقوا الموضوع ظناً منهم انهم سيزيدون من شعبيتهم". وامتعض الحريري من انتقادات لاذعة وجّهها رئيس كتلة الوفاء للمقاومة النائب محمد رعد الى الحكومة وقال ان هناك ظلماً بحق الحكومة ومن غير الممكن انتظار اربعة ايام للردّ على النواب فوعده رئيس المجلس النيابي نبيه بري بإعطائه يوماً كاملاً للردّ عليهم. وفي موقف لافت، وصف بري توقيع اتفاق الشراكة الأوروبية بالخطوة المهمة، لكنها تبقى خطوة سياسية ومعنوية اكثر منها اقتصادية، مبدياً ارتياحه لبعض القرارات الصادرة عن الحكومة امس بإلغاء بعض الرسوم عن الضريبة على القيمة المضافة. وعلى رغم استمرار المداخلات حتى العاشرة ليلاً لم يتسن للحكومة الرد. وأكدت مصادر نيابية ل"الحياة" ان الجلسة ستمتد يوماً خامساً ربما الى الاثنين المقبل لا جلسات اليوم وغداً وبعده للاستماع الى ردّ الحكومة قبل التصويت على الموازنة وتصديقها". وكانت الجلسة استؤنفت بمداخلة للنائب غطاس خوري رأى فيها ان التقاتل على المناصب والمطالبة بتغيير الحكومة لن يؤديا الى حل. وعندما دعا الى اجتراح الحلول للقطاع الصحي وتأمين الدواء بأسعار مناسبة، قاطعه بري قائلاً: "ان كل الاحصاءات تؤكد ان المكتب الوطني للدواء يوفّر على الشعب 42 في المئة من ثمن الدواء". وأضاف: "انها حزورة من حزازير لبنان الكبرى. فقد استطاعت شركات كبرى احتكارية ان توقف هذا المكتب طوال عقدين". أما النائب محمد رعد حزب الله فقد أكد "ان المنطقة اجتاحتها لغة اميركية طائشة وشعارات عدوانية استحضرت حروباً بائدة، ومع اصرار الادارة الأميركية على مصادرة هذا الحق من الشعبين اللبناني والفلسطيني، وعلى رغم استمرار التجاذب وتوالي الضغوط على لبنان الذي يعاني ما يعانيه، فإن تماسك الموقف الرسمي والشعبي حول هذا الحق الثابت لا يزال الحصن المنيع الذي ترتد عنده كل محاولات الارهاب الاميركي والصهيوني المنظّم". وأشار الى "ان الصهاينة وحماتهم الدوليين يئسوا من امكان احداث شرخ يفكك تماسك موقفنا الوطني ومن امكان فك الارتباط بيننا وبين سورية". ودعا الرئىس الاميركي جورج بوش باسمه وباسم المقاومة الى "الهدوء وضبط النفس والكف عن اعلان الحروب واستعداء شعوب العالم، لأن ذلك بالتأكيد لن يخدم مصالح الأميركيين على الاطلاق وأن هذه التهديدات لن ترهبنا". وسأل رعد "هل تترجم الحكومة موقفها الوطني عبر برنامجها وأدائها الشامل في داخل البلاد، وهل ترسم الحكومة سياستها المالية والاقتصادية والاعلامية والاجتماعية في ضوء القضية الوطنية، وهل علاقات لبنان الاقليمية والدولية فاعلة وناشطة بالقدر الذي تستوجبه منا الظروف الراهنة؟". وأضاف: "ان الثغرات القائمة التي عكستها المداخلات تؤثر في أزمة أداء تضاف الى ازمة الأوضاع والظروف والوقائع الصعبة". وقال: "منذ العام 1993 نتكلم فلا الحكومة تقنعنا بأرقامها ولا نحن نقنعها بفساد سياستها". واعتبر "ان ازمة الأداء الحكومي ليست ازمة حكومة وحسب، انما ازمة صيغة بائسة لنظام مركّب تركيباً عجيباً لا ينتج إلا الأزمات. وهذه الصيغة التي تدار بها شؤون البلاد لا تبني وطناً ولا تحقق مشاركة للطوائف في بناء وطني إنما تصادر الطوائف لبناء مواقع نفوذ على حساب كل المواطنين". وقال: "ان مشروع الموازنة هو ارتداد على الوعود التي أطلقها البيان الوزاري للحكومة، وهو مشروع تقليدي ليس فيه جديد استثنائي إلا الايرادات المتوقفة جراء الضريبة على القيمة المضافة". وسأل: "هل يجوز ان تفرض الضرائب لمجرد حاجة الخزينة الى إيرادات اضافية؟ وهل يجوز ان يصل الأمر الى مطاردة المخاتير لنفرض عليهم رسماً بقيمة ثلاثة ملايين ليرة سنوياً". وردّ الحريري على مداخلة رعد قائلاً: "الأخ محمد أخ عزيز ونحترم كلامه. لكن، هناك ظلم بحق الحكومة، فالنواب يتكلمون طوال النهار، منهم الموالي ومنهم المعارض، وحتى الموالين باتوا يتعرضون للحكومة، فقد استذوقوا الموضوع، وربما هؤلاء يسعون للبحث عن شعبية اضافية، لكن الشعبية تأتي من مكان آخر". ولدى محاولة الرئىس عمر كرامي التعليق، قاطعه الحريري بالقول: "تكلمت البارحة ساعة ونصف الساعة وما حدا قاطعك". ليضيف: "من غير الممكن ان ننتظر اربعة ايام حتى نردّ على كلمات النواب". وردّ بري قائلاً: "هذه المرة سنعطي الحكومة يوماً كاملاً للردّ لتحكي ويحكي الوزراء، لكن بعد انتهاء المداخلات". وتابع الحريري ردّه على النائب رعد "في الشأن الداخلي نحن قادرون ان نجيب على كل نقطة أثارها النواب". وسأل النائب سليم سعادة الحكومة: "ماذا تفعل الآن وما هي الحلول المرجوة في ظل هذا النظام الذي يبتكر العُقد والأزمات والفضائح؟". ونوّه النائب عاطف مجدلاني بعمل الحكومة من اجل معالجة الوضع الاقتصادي على رغم العراقيل التي تتعرض لها. وتخوّف النائب قيصر معوض من ان تكون الموازنة عملية تجميلية لسياسة الحكومة المالية. وقال: "من الصعب ان يثق المواطن بأرقام الموازنة إذا لم تتحول الى معادلة مفهومة مرتبطة بالواقع ومتطلباته". وسأل: "عما إذا كانت عبقرية الوزير السنيورة لا تستطيع سوى ابتكار الضرائب؟". وعلّق بري قائلاً: "الحكومة أقدمت اليوم على خطوة إيجابية في موضوع الضريبة على القيمة المضافة، ويوجد بعد خطوة اخرى". وتحدث النائب سامي الخطيب باسم "كتلة نواب البقاع الغربي" فرأى "ان الثقة بتدابير الدولة الاصلاحية تتراجع بعد موجة الاشاعات الخبيثة عن الأوضاع الاقتصادية والمالية من جهة والتهديدات الاميركية المتصاعدة منذ 11 ايلول سبتمبر حتى اليوم". وقال ان الرئيس الحريري اصبح في وضع لا يُحسد عليه، ودعا الى الإتيان بحكومة تدعمها كل القوى الحية. ولفت الى ان الحكومة أدّت قسطها وخيراً فعل رئيس الجمهورية اميل لحود عندما أعلن حياده تجاهها منذ أيام في تصريح شجاع عن أدائها الضعيف وغير المتناسب مع المرحلة. وخاطب الحريري قائلاً: "نتمنى عليك بإلحاح اعلان براءتك من هذه الحكومة قبل فوات الأوان، فهذه الحكومة سقطت عملياً من الوجدان الشعبي الذي هو أهم شرعية للحاكم، ولكن يبقى الرهان عليك وعلى دورك المستقبلي وطاقاتك وقدراتك". وسأل النائب مصباح الأحدب "لماذا تتشابه الخطط المختلفة في الحكومات عندما يأتي التنفيذ؟". وقال: "ان الحل يأتي من الداخل لا من الخارج، ولفت الى انه لا يوجد وفاق وطني حقيقي إنما وفاق مصالح". وحين قال: "عندما ندعو الى تجاوز الأخطاء من اجل علاقات مميزة اكثر تطوراً مع سورية يقال ان المعارضة ضد سورية"، قاطعه بري قائلاً: "لا تحفظوا جملة واحدة". وختم الأحدب: "نحن لن نصوّت على موازنة تقشفية وضريبية". وسأل النائب ناصر قنديل: "هل طبّقنا الدستور حتى ندعو الى تغييره؟ وهل التجاذب الذي يؤدي الى جعل الحكومة يتيمة والدعوة الى التبرؤ منها سيجعل الجميع في موقف موحد تجاه دعم الحكومة البديلة؟". وأكد انه "بسبب التجاذبات تعطل كل شيء". وقال: "ان المشكلة سياسية، وحتى في لعبتنا السياسية نستخدم المحرّمات، ولم يعد جائزاً ان نتقاذف كرة النار لأنها قد تدمر البلد. والأخطر من ذلك ان هذا التجاذب وهذا التقاذف يجريان في وقت يُستهدف لبنان بعد احداث ايلول". واعتبر "ان المواقف السياسية السلبية تؤدي الى نتائج نلمسها يومياً في حياتنا الاقتصادية". ودعا الى لقاء موسع برئاسة بري تحت قبة البرلمان يجمع كل القوى ورؤساء الكتل النيابية الممثلة لكل الشرائح لصوغ الخطوط العريضة لمعالجة الوضع الاقتصادي والأزمات التي نواجهها.