سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
اسبانيا تتولى رسمياً القضية بعد احتجاجات والاتحاد الأوروبي يمنع رسو السفن المشابهة حتى 2010 : غرق ناقلة النفط "بريستيج": السياسة تتلقف الاحتجاجات البيئية والمطالب الاقتصادية بنجاح
تتفاعل قضية غرق ناقلة النفط "بريستيج" في صورة متصاعدة خصوصاً بعدما كشفت غواصة فرنسية عن تسرب قوي من الباخرة الغارقة. والارجح ان السواحل الاسبانية والبرتغالية والفرنسية مرشحة لمواجهة تلوث قوي. وربما ادى ذلك الى "شتاء سياسي حار" في تلك البلدان. فقد تصاعدت صيحات الصيادين واصحاب الفنادق والمطاعم والمصالح الخاصة تطالب الحكومات بالتعويض. ووقع العلماء، على رغم اختلاف آرائهم في مدى خطورة التلوث بالنفط واضراره القريبة والبعيدة، على تقرير يدين تصرف السلطات الرسمية في تلك البلدان بشأن الناقلة. ويعطي رأي العلماء دعماً لمطالب الصيادين. ويتذكر الجميع ما جرى قبل عشر سنوات عند غرق الناقلة "ايجين سي" إذ طالب سكان السواحل البرتغالية المتضررة بتعويضات وسرعان ما دخلت مطالبهم في "بازار" السياسة ولم ينالوا شيئاً. واذا تكرر هذا الامر، في الوضع الاقتصادي الصعب الذي تعانيه اوروبا والعالم، فالارجح ان يؤدي عدم دفع التعويضات الى اضطرابات سياسية واجتماعية، اضافة الى الضرر الذي ستعانيه البيئة. وفي الصيف الماضي، هطلت على اوروبا امطار هائلة وغرقت بلدات ومدن في مياه الفيضانات وسيولها، وتفاعل الامر بسرعة مع المعطيات السياسية. وعلى سبيل المثال، التقط حزب "الخضر" في المانيا الخيط. وسار في نبرة التحريض على اميركا في السياسة من مدخل البيئة. ولعب الامر دوره في صعود "الخضر" مجدداً. واستطاعوا انقاذ المستشار الالماني غيرهارد شرودر الذي نجح في الانتخابات، بعد ان كانت استطلاعات الرأي تعطي منافسه اليميني شتويبر تقدماً كبيراً عليه. يبدو انه من الصعب التنبؤ بالمدى الذي ستصل اليه تفاعلات غرق حاملة النفط "بريستيج" قبالة السواحل الاسبانية في وقت سابق من الشهر الماضي. وكمؤشر له دلالة مناسبة، اعلن رئيس الوزراء الاسباني جوزيه ماريا ازنار انه سيتولى بنفسه هذه القضية الشائكة. واعقبت القرار موجة انتقادات للطريقة التي تعاملت بها حكومته مع الناقلة الغارقة. وكذلك، جاء القرار بعد يوم واحد من اعلان الاتحاد الاوروبي عن منع الناقلات التي تخضع لنظام الصيانة مرة واحدة فقط، على ما كانت عليه حال ناقلة النفط "بريستيج"، من الرسو في السواحل الاوروبية. وكدعم للحظر، اتفق وزراء البيئة في الاتحاد نفسه على عدم السماح برسو اي ناقلة مشابهة حتى العام 2010. تفاصيل صغيرة لمأزق وفي استعادة سريعة، فان المشكلة ابتدأت في الثالث عشر من شهر تشرين الثاني نوفمبر الماضي، حين طلبت ناقلة النفط "بريستيج" اذناً بالرسو المفاجئ في مرفأ "لا كورونا" الاسباني، الذي يقع في منطقة "غالاسيا" الساحلية. واعلن طاقم السفينة ان العواصف والامواج تسببت في مشكلات عدة للسفينة التي كانت تحمل اربعين الف طن من البترول الخام، موزعة على اربع حاويات في باطنها. ولم تعط السلطات اذناً بالرسو. فابتعدت السفينة مسافة مئتين وخمسين كيلومتراً داخل المحيط الاطلسي. وسرعان ما اتضح ان شرخاً طولياً تسبب في خلخلة هيكل الناقلة التي اخذت بالغرق تدريجاً. ومال القسم الاثقل من "بريستيج" الى الاسفل، ولم تتحمل بقية الهيكل هذا الثقل، فانشطرت الناقلة الى قسمين وغرقت بسرعة الى قعر المحيط. واستقرت على بعد ثلاثة كيلومترات ونصف من سطح البحر، وذلك في التاسع عشر من الشهر نفسه، اي بعد ستة ايام من ابعادها عن الساحل الاسباني. ولفترة قصيرة، ساد تفاؤل بان المياه الشديدة البرودة في قعر المحيط، ستتعاون مع ضغط الكتلة الهائلة من المياه، فتجمد النفط الخام. وسرعان ما ارسلت فرنسا الغواصة المتطورة "اتلانت"، التي تحتوي على روبوت بحري اسمه "روبن". وبينت صور "نوتيل" وجود تسرب من اربعة اماكن في "بريستيج". أنظر غرافيك "غواصة فرنسية ترصد التلوث من "بريستيج" الغارقة". وما لبث ان ساد القلق، وتوقع العلماء كارثة بيئية ضخمة. ففي هذه الحال، يؤدي الضغط الكبير الى توسيع الفتحات وزيادة تسرب النفط. ولان المنطقة معروفة لعلماء البيئة، توقع هؤلاء ان تتكفل التيارات العميقة في المحيط الاطلسي بنشر النفط على السواحل الاطلسية لاسبانياوالبرتغال المجاورتين، وكذلك ان تحمل التيارات المائية عينها النفط من قعر الاطلسي الى الشواطئ الغربية والجنوبية لكل من فرنسا وايطاليا. وثمة احتمال بانتقال التلوث الى المياه البريطانية ايضاً. ويبني العلماء هذه التوقعات على مزيج من العلم والخبرة. والمعلوم ان حادث الناقلة "بريستيج" جاء بعد عشر سنوات من غرق ناقلة النفط الضخمة "ايجين سي" التي غرقت في المكان عينه، اي قبالة سواحل "لا كورونا" الاسبانية. وحينها، احتوت السفينة على ثمانين الف طن من النفط الخام. وسببت "ايجين سي" تلوثاً واسعاً طاول السواحل الاطلسية لاسبانياوالبرتغال. هل اخطأت اسبانيا في التصرف؟ وسار تلوث النفط من "بريستيج" الى مسارات السياسة في خطى سريعة جداً. وتباحثت مجموعة مكونة من 650 عالماً اسبانياً واوروبياً وعالمياً في قضية الناقلة الغارقة. وخلص العلماء الى القول ان السلطات البحرية الاسبانية اخطأت في التصرف حيال المشكلة، على رغم خبرتها القريبة في هذا الموضوع، كما الحال في قضية الناقلة "ايجين سي" الآنفة الذكر. وذكر العلماء انه كان من المتوجب اختيار بقعة اخرى لغرق الناقلة، نظراً لمعرفة الجميع ان المنطقة التي غرقت فيها عرضة لتيارات بحرية شديدة القوة. ولاحظ هؤلاء ان السلطات الاسبانية لم تبذل جهداً كافياً لدرء التسرب المتوقع للنفط من الناقلة. ومن الناحية العلمية، يمكن التصرف باكثر من طريقة لمنع تدفق النفط من ناقلة متوقع غرقها. وعلى سبيل المثال، يمكن اضافة مواد كيماوية Oilcoagulants تؤدي الى تحويل النفط هلاماً يشبه قالب الحلوى. ولم تسبر السلطات الاسبانية هذا الاحتمال ابداً. وهذا مجرد نموذج للانتقادات الكثيرة التي تواجهها الحكومة الاسبانية. وتشكل التعويضات مسألة قابلة للتفاعل في اكثر من بلد اوروبي، وخصوصاً اسبانياوالبرتغال. وفي حادث غرق الناقلة "ايجين سي"، في ذلك الوقت، طالب صيادو البرتغال بتعويضات عن الاضرار التي اصابتهم نتيجة تضرر مصائد الاسماك التي يعيشون عليها. ولم توصل المطالبة الى اي شيء. وفي هذه المرة، تبدو الامور اكثر حدة. وبعد صدور تقرير العلماء عن حادث غرق "بريستيج"، تداعى الصيادون واصحاب المطاعم والفنادق البحرية والمصالح الصغيرة في مدن السواحل الاطلسية لاسبانياوالبرتغال، لتنسيق الجهود في حملة المطالبة بالتعويضات. ويبدو ان امراً مشابهاً يمكن ان يحصل في فرنسا وايطاليا. ومن غير المعروف كيف ستتصرف الحكومات الاوروبية المعنية حيال التعويضات، خصوصاً في ظل الاوضاع الصعبة لاقتصاداتها، وهي جزء من ازمة كبرى تلف اقتصادات العالم واسواقه. فهل تتحول التعويضات الى موضوع سياسي ملتهب؟ البيئة في لعبة السياسة وهكذا تبدو اوروبا مجدداً في مواجهة الابعاد الاقتصادية والسياسية والاجتماعية للبيئة. وتحمل المشكلة هذه المرة عنوان التلوث النفطي بعدما كانت في الصيف الماضي الفيضانات عندما اغرقت امطار غزيرة وغير متوقعة مدناً وعواصم في اوروبا. وسرعان ما تحولت الامطار من كارثة بيئية الى صراع سياسي. فقد القت جماعات البيئة مسؤولية الامطار على المتغيرات في بيئة الارض، مثل التلوث وارتفاع حرارة الارض وذوبان ثلوج القطبين وما الى ذلك. ومعلوم ان الموقف من البيئة هو موضع خلاف بين اوروبا وادارة الرئيس الأميركي جورج بوش، وخصوصاً بعد ان سحب الاخير موافقة سابقه الرئيس بيل كلينتون على ميثاق "كيوتو" للحد من انبعاث التلوث، ومحاولة الحد من الارتفاع في حرارة الارض. وهكذا ساد مزاج اوروبي عام قوامه القاء الملامة على اميركا في ما يتعلق بتقلبات المناخ. وانتهز حزب "الخضر" الألماني السانحة التي جاءته كهبة من السماء. ولطالما عانى من خفض شعبيته. بسبب اضطراره الى قبول تسويات متوالية في شأن البيئة ارضاء لشريكه في الائتلاف الحكومي. ومجدداً، حمل الخضر راية البيئة، بعد ان مزجوها بنبرة سياسية قاسية تجاه اميركا. ونجح المزيج في انقاذ الخضر واعادتهم الى المشاركة في السلطة مجدداً. بعدما استطاعوا انقاذ حليفهم "اليساري" المستشار غيرهارد شرودر. وبعد ان سادت توقعات بانه سيحزم حقائبه ليغادر المستشارية ويتركها الى اليميني غيرهارد شتويبر، عاد الى الموقع الاول منتصراً. واجمع الرأي على ان سرعة تصرفه تجاه نكبة الفيضانات، وكذلك نبرة التحدي لاميركا، لعبت دوراً في الانتصار السياسي. خلاف علمي في البيئة وفي السياق نفسه، غذت الامطار خلافاً اميركياً-اوروبياً ظهر في مجريات "قمة الارض الثانية" التي عقدت في جوهانسبورغجنوب افريقيا. ووقف الرئيس الفرنسي جاك شيراك ليتحدث عن "المسؤولية المشتركة عن بيئة الارض"، غامزاً من قناة الادارة الاميركية التي تمثلت بوزير الخارجية كولن باول. ولم يبد شأن البيئة بعيداً من صورة الخلاف عينه حيال ازمة العراق ومشكلة الشرق الاوسط وغيرهما. ترى الى اي سواحل في السياسة ستصل مشكلة تلوث النفط من الناقلة "بريستيج"؟ وفي المقابل، لا تبدو اراء العلماء متفقة على المدى الذي سيصل اليه التلوث. ويرى البعض ان النفط الخام هو مادة مضرة بالمخلوقات البحرية، وكذلك بالطيور التي تعيش على الماء، وكذلك تلك التي تقتات من الاسماك. ويعني الامر توقع فناء كبير في انواع حية متعددة. وفي المقابل، لا توافق مجموعة من العلماء على هذه الرؤية المتشائمة. ومثلاً، يرى بول كينغستون، وهو اختصاصي في البيئة من جامعة ادنبره، ان البترول الخام هو مادة تبقى طويلاً في مياه البحار، ولكنه غير سام تماماً. وبالتالي، لا يتوقع رؤية فناءات جماعية للكائنات البحرية والاسماك نتيجة للتلوث النفطي. ترى أي الرؤيتين تصح؟