بالإشارة الى مقالة السيد حسن شامي "ايران الحائرة بين الدولة والثورة أمام الامتحان العراقي" التي نشرتها صحيفتكم في 1 كانون الأول ديسمبر 2002، فإني رأيت - بعد قراءة المقالة - أن من الواجب عليّ أن أُبدي رأيي في هذه القضية التي قد لا تكون واضحة في أذهان كثير من الناس من العرب والمسلمين. في الحقيقة، ان الناظر بعمق والمتابع لمواقف ايران تجاه قضايا كثيرة، سيجد ان مواقف طهران في حقيقتها كثيراً ما تناقض المبادئ والتصريحات الرسمية الى درجة الميوعة وعدم الاستقرار على رأي أو موقف معين تجاه القضايا المختلفة. فلو بدأنا بغزو السوفيات لأفغانستان عام 1979 وما بعدها، فسنجد ان ايران لم تقدم شيئاً ملموساً للمجاهدين في جهادهم ضد السوفيات، إلا استقبال اللاجئين الأفغان على أراضيها. مع ان الجهاد الأفغاني وأهدافه تنسجم مع ما يسمى ب"الثورة الإسلامية الإيرانية". وبعد انسحاب السوفيات وهزيمتهم، إذ بالحكومة الايرانية تساهم في اذكاء نار الحرب بين المجاهدين، وذلك بدعم بعضهم في مواجهة الآخر، بالمال والسلاح وغيرهما. وفي النهاية، آثرت الوجود الأميركي على حدودها الشرقية، على حكومة "طالبان" الإسلامية. ليس هذا فحسب، بلا ساهمت في الحالة التي وصلت اليها أفغانستان اليوم، جراء دعمها لتحالف الشمال ضد طالبان. ان ايران من أكثر الدول اصداراً للتصريحات ضد الولاياتالمتحدة. ولكن، ماذا فعلت ايران لمواجهة أميركا؟ لا شيء! فهي لم تدخل مع الولاياتالمتحدة في أية مواجهة عسكرية ولو بشكل محدود، مع ان الولاياتالمتحدة أسقطت احدى طائرات الخطوط الجوية الايرانية بواسطة صاروخ أطلق من احدى السفن الحربية الأميركية في الخليج العربي، في 3 تموز يوليو 1988، راح ضحيتها جميع ركاب الطائرة البالغ عددهم 290 شخصاً. لقد سئمنا التصريحات النارية الايرانية ضد أميركا، ولكن من دون أية نتائج وحتى من دون مواقف ايرانية قوية وصلبة وحازمة في الأوقات الصعبة. وكما يقول المثل "ان الرعد لا يُنبتُ عشباً"، والمثل المصري العامي يقول: "أسمع كلامك يعجبني، أشوف عمايلك أستعجب". وعندما بدأت الحرب الأميركية على العراق عام 1991، لم نجد أي موقف من ايران مضاد لتلك الحرب التي دمرت هذا البلد، بل العكس هو ما حدث. فعندما لجأت طائرات حربية ومدنية عراقية الى ايران اثر اتفاق سري بين الطرفين العراقوايران، وجدنا ان ايران رفضت اعادة تلك الطائرات الى العراق، بذريعة وعذر انها تحتاج الى إذن بذلك من الأممالمتحدة، مع أنها أي ايران تعلم علماً يقيناً أن الولاياتالمتحدة تسيطر على هذه المنظمة الأممالمتحدة وأنها لن تسمح بذلك. ولم تكتف ايران بذلك فقط، بل رفضت الاعتراف بالعدد الحقيقي للطائرات العراقية التي لجأت اليها. لو كانت ايران صادقة فعلاً في ادعائها معارضتها الحرب على العراق فهناك خطوات استراتيجية عدة يمكنها ان تخطوها. أولاً: يمكنها فتح حدودها مع العراق بلا قيود على السلع والتبادل التجاري. ثانياً: تقديم الدعم الضروري الذي يحتاج اليه العراق، خصوصاً على الصعيد العسكري، كبعض أنواع الأسلحة مثل الصواريخ المضادة للطائرات والرادارات وغيرها وقطع الغيار ونحو ذلك. ثالثاً: منع أي تحرك ضد العراق يضعفه في مواجهة الولاياتالمتحدة إذا بدأت الحرب فعلاً، وليس الاكتفاء بعدم دعم المعارضة. لأن أي تحرك عسكري ضد العراق سيصب في النهاية في جعبة الولاياتالمتحدة ويسهل عليها مهمتها كثيراً. رابعاً: التوقف عن مهاجمتها العراق إعلامياً على الأقل في هذه الظروف وتركيز خطابها السياسي المعارض لأميركا واسرائيل، لأن اسرائيل أولى بأن تجبر على نزع أسلحتها النووية والجرثومية والكيماوية. فعلى ايران التوقف عن هذه الميوعة في مواقفها وعدم ايقاع نفسها في تناقض بين ما تعلنه في وسائل الإعلام وبين ما يدور في الخفاء ومن وراء الكواليس والمواقف الغريبة التي تتخذها، خصوصاً في ما يتعلق بالعراق. وعليهم أن يتذكروا المثل القائل: "أكلت يوم أكل الثور الأبيض". والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: "ذو الوجهين، لا يكون وجيهاً عند الله يوم القيامة". الولاياتالمتحدة - محمد أمين سلامة سجن إيه.دي.إكس الفيديرالي الانفرادي وحدة إي E/ فلورنس - كولورادو