لم تمضِ بضع دقائق على دعوته إلى التصدي لثقافة العنف في خطاب ألقاه نيابة عن أحزاب المعارضة المتحالفة مع "التجمع اليمني للإصلاح"، في جلسة افتتاح مؤتمره العام الثالث صباح أمس حتى كان جارالله عمر الكهالي، الأمين العام المساعد للحزب الاشتراكي اليمني، أحد أبرز الشخصيات الحزبية والسياسية وأهمها في اليمن، أول ضحايا العنف، إذ عاجله المدعو علي جارالله 25 عاماً بطلقتين من مسدسه، وسط دهشة وذهول أكثر من خمسة آلاف من أعضاء المؤتمر والعشرات من قيادات الأحزاب السياسية في الحكم والمعارضة ورجال الصحافة. وتعطلت جلسات المؤتمر بعد نقل جارالله عمر إلى المستشفى حيث فارق الحياة، فيما توالت عناصر من حرس الشيخ عبدالله بن حسين الأحمر، زعيم "التجمع" رئيس مجلس النواب، اعتقال القاتل من محافظة عمران 50 كيلومتراً شمال صنعاء ونقلته إلى منزل الشيخ الأحمر الذي رفض تسليمه إلى وزارة الداخلية قبل استجوابه من زعماء أحزاب المعارضة أحزاب اللقاء المشترك لمعرفة دوافع ارتكابه الجريمة ومبرراتها. وفي هذا السياق أكدت مصادر متطابقة ل"الحياة" أن الرئيس علي عبدالله صالح، الذي عاد أمس من محافظة الحديدة قبل وقوع الحادث، اتصل بالشيخ الأحمر وطلب منه تسليم القاتل إلى أجهزة الأمن، غير أن الشيخ الأحمر رفض الطلب وأصر على استجواب القاتل قبل تسليمه "لتكون الحقيقة أمام الجميع". ونقلت هذه المصادر عن الشيخ الأحمر أنه وعد علي صالح بتسليم القاتل بعد التشاور مع زعماء المعارضة، خصوصاً أن الحادث وقع داخل المؤتمر العام والمغدور زعيم في الحزب الاشتراكي الحليف ل"الإصلاح" في جبهة المعارضة. والقاتل من المتشددين الإسلاميين، ينتمي إلى التيار السلفي، وعُرف عنه أنه لا يتورع عن تكفير الناس واتهامهم بالباطل. وسبق أن اعتقله جهاز الأمن السياسي الاستخبارات في أيار مايو 2000 بعد خطبة ألقاها في أحد مساجد العاصمة، طالب فيها بمحاكمة الرئيس صالح والشيخ الأحمر لأنهما على رأس الفساد ولتخليهما عن العقيدة الإسلامية وتعطيل الدين والاساءة إلى جوهره، وله في الأسواق 17 شريط كاسيت تقريباً كلها تحرض على الحكومة وتدينها ولا تبرئ "تجمع الإصلاح" من تهم الخروج عن الدين والتخلي عن دوره في حماية العقيدة. وكان القاتل طالباً في جامعة الإيمان التي يرأسها الشيخ عبدالمجيد الزنداني. ومن المفارقات أن جارالله عمر وجه انتقادات إلى السلطات الأمنية بسبب اعتقال علي جارالله، وسعى مع أحزاب اللقاء المشترك تحالف المعارضة للإفراج عنه حتى تم ذلك في كانون الأول ديسمبر 2000 ليصبح قاتله. قبل اغتياله بدقائق، كان جارالله عمر أنهى لتوه من إلقاء خطابه، ولأنه معروف عنه أنه معارض جسور في مواجهة الحكم ومتشدد حيال القضايا والمواقف التي يتبناها حزبه الاشتراكي فقد كان له دور بارز في تقريب وجهات النظر بين حزبه والخصم اللدود "تجمع الإصلاح" الإسلامي النقيض بدافع برغماتي لمواجهة الحكم، أو ما كان جارالله عمر يقول عنه "البطش السلطوي". وكان جارالله خصماً مزعجاً إذا خاصم، وحليفاً ذكياً إذا دعت الضرورة للتحالف، غير أنه لم يكن يوماً مستعداً لمخحلفة السلطة على حساب المبادئ التي كان مقتنعاً بها. في خطابه قبل اغتياله، دعا جارالله إلى إعادة الروح للتجربة الديموقراطية اليمنية بعدما شاخت مبكراً، وإلى صون الحريات والحقوق الإنسانية من دون تمييز والقبول بالتعددية الفكرية والسياسية وعدم الاكتفاء من الديموقراطية بالتسمية ومظاهر الزينة الخارجية. ودعا إلى اصلاح سياسي شامل في البلد يبدأ بمجلس للنواب البرلمان يمثل اليمن بكل فئاته الاجتماعية ومصالحه المختلفة ويضم خيرة العناصر والقيادات الاجتماعية والسياسية والعلمية في البلاد. ودعا إلى التصدي لثقافة العنف والاسراع في اصدار قانون ينظم حيازة السلاح، ومنع المتاجرة به بدلاً من قانون منع التظاهرات الذي أقرته الحكومة أخيراً، واعتبره مناهضاً للديموقراطية وروح العصر. ثم كان الرد سريعاً… وكان القاتل مستعداً في الصباح ذاته أمس يحشو مسدسه ليغتال به من سعى إلى اخراجه من السجن. نبذة عن حياته - لقبه القهالي آت من قريته قهال الواقعة على بعد 15 كلم من مدينة يريم في القسم الشمالي من اليمن. - ولد عام 1942. توفي والده مبكراً وكفلته والدته مع اخته. - تعليمه الأساسي ديني في زوايا الجوامع اليمنية، وكان يدرس للتخرج كقاضٍ يحكم وفق الشرع الإسلامي. شارك في الثورة اليمنية في صنعاء كطالب ودافع عنها في حصار السبعين يوماً الشهير، وفي 1962 التحق بحركة القوميين العرب. - طلبت منه الحركة الالتحاق بكلية الشرطة اليمنية فتخرج ضابطاً، وفي الكلية حصل على دبلوم في الحقوق عام 1966. - الجيش المصري في اليمن أراد تطهير الجيش اليمني من الحزبيين، ففصل جارالله مع رفاق له في الحركة. - عند اندلاع الخلاف بين المصريين والجبهة القومية في الجنوب، انحاز جارالله ورفاقه إلى جانب الجبهة القومية. - عارض الانقلاب على المشير السلال. - عارض المفاوضات بين الملكيين والجمهوريين ودخل السجن بين 1968 و1971. وفي عام 1968 أصبح ماركسياً وتعززت ماركسيته في السجن بعد استيلاء الجبهة القومية على السلطة في جنوب اليمن عام 1967. - تم حل حركة القوميين العرب في الشمال اليمني وتأسس الحزب الديموقراطي الثوري اليمني واعتبر معارضاً في الشمال وجزءاً من الحزب الحاكم في الجنوب، وانتخب جارالله عضواً في اللجنة المركزية في الحزب وعمره 23 عاماً. - تزوج عام 1972 بعد خروجه من السجن في قريته قهال. - هرب إلى عدن في العام 1973 وهناك انتخب عضواً في المكتب السياسي للحزب الديموقراطي الثوري. - في هذه الفترة شارك وحزبه في حرب العصابات ضد النظام في المناطق الوسطى في شمال اليمن. - ظل في عدن معارضاً للنظام الشمالي حتى 1981 وعاد إلى صنعاء لفترة قصيرة عام 1982 ثم رجع إلى عدن ولم يغادرها إلا بعد تحقيق الوحدة عام 1990. - في 1979 اختير عضواً في المكتب السياسي للحزب الاشتراكي اليمني الموحد، ولم يعلن عن عضويته مع غيره من القادة الشماليين وظلت العضوية سرية إلى تاريخ متقدم. وتم اخراج القضية على الشكل التالي: شكّل الشماليون في عدن حزب الوحدة الشعبية على أن يكون منفصلاً عن الحزب الاشتراكي شكلاً، ومرتبطاً به عملياً، واختير جارالله عمر سكرتيراً عاماً. - في مجزرة 1986 في عدن، كان جارالله مدعواً لحضور اجتماع المكتب السياسي لكنه تأخر دقائق بسبب زيارة مفاجئة من أحد أصدقائه إلى منزله. كان معارضاً لعلي ناصر محمد ورأس فريقاً من الجيش اليمني لمطاردة أنصاره في محافظة أبين. - كان متحمساً للوحدة الاندماجية، لم يعين وزيراً في الحكومة الوحدوية الأولى. - عين وزيراً للثقافة في الحكومة الوحدوية الثانية عام 1993 وسمح بدخول كل الكتب والمنشورات الممنوعة. - رفض في 1992 دمج الحزبين الاشتراكي والمؤتمر الشعبي العام، لأن الدمج برأيه يلحق أذى بالتعددية اليمنية. - كان موجوداً في عدن عام 1994 أثناء المحاولة الانفصالية، لكنه رفض الانفصال، وغادر عدن إلى القاهرة ولم يرجع إلى صنعاء إلا في العام 1995، وعين مساعداً للأمين العام للحزب الاشتراكي اليمني في مؤتمر الحزب الأخير، وعمل على دمج الحزب في الحياة السياسية اليمنية ورفض مقاطعة الانتخابات النيابية عام 1997.