باشرت حكومة شارون هذا الأسبوع في توزيع أقنعة الوقاية على المواطنين خوفاً من تكرار الهجمات الصاروخية التي أطلقها العراق باتجاه المدن الإسرائيلية في حرب 1991. كذلك أمرت باجراء مناورات مشتركة مع البحرية الأميركية بهدف تنسيق عمليات التدريب على تدمير الصواريخ العراقية قبل دخولها في المجال الجوي الإسرائيلي. ويذكّر دائماً وزير خارجية إسرائيل بنيامين نتانياهو بالرعب الجماعي الذي اجتاح المدن الإسرائيلية أثناء حرب الخليج الثانية عندما اطلقت بغداد من منصات مخفية 39 صاروخاً من طراز "سكود". ولكي يحافظ الرئيس الأميركي السابق جورج بوش الأب على بقاء الدول العربية داخل التحالف الدولي، طلب من إسرائيل عدم القيام بأي رد فعل انتقامي. وتولت في حينه القوات الأميركية مسؤولية حماية الأجواء الإسرائيلية، مستخدمة في سبيل ذلك صواريخ معترضة من طراز "باتريوت". وثبت بالاختبار عدم فاعلية تلك الصواريخ المخصصة في الأصل لاعتراض الطائرات، الأمر الذي اضطر واشنطن إلى مشاركة إسرائيل في تطوير نظام "أرو" - أي السهم. وهو نظام معدّل لصاروخ "باتريوت" يمكنه تدمير صاروخ "سكود" بعد ثلاث دقائق من انطلاقته. علماً بأن الصاروخ الموجه يحتاج إلى ست دقائق لكي يقطع المسافة بين بغداد وتل أبيب. التعهد الذي أعطاه شارون للرئيس بوش لا يؤكد عدم مشاركة إسرائيل في الحرب إذا هي تعرضت لهجوم صاروخي من قبل العراق. وفي رأيه أن دور الدول العربية هذه المرة مختلف عن دورها في سنة 1991، على اعتبار أنها لم تخف نيتها في الوقوف على الحياد. ويقول نتانياهو إن مخاوف الولاياتالمتحدة غير مبررة، وان بلاده ارتكبت خطأ تاريخياً لكونها اعتمدت على القوات الأميركية لحماية سيادتها الوطنية. وهذا ما شدد عليه في كتابه "مكان بين الأمم"، إذ رأى أن حراسة الدولة العبرية يجب أن تبقى حكراً على ابنائها، وان الخروج على هذه القاعدة قد يعطي واشنطن الفرصة للمساومة على أمن إسرائيل. وهو يعتقد بأن الرئيس العراقي سيستخدم في حال اليأس، كل الوسائل المتاحة بما في ذلك الأسلحة الكيماوية وعمليات تفجير آبار النفط. كل هذه المسائل الأمنية كانت موضع مباحثات مستفيضة خلال الزيارة الأخيرة التي قام بها وزير الدفاع الإسرائيلي شاؤول موفاز لواشنطن. لقد اتفق الطرفان على التعاون الوثيق في المجالات المتعلقة بسلامة الدولة العبرية. وتعهد البنتاغون بأن يزود القيادة الإسرائيلية بالصور الجوية لمنطقة غرب العراق، أي موقع اطلاق الصواريخ سنة 1991. وبالفعل، تسلمت إسرائيل منذ أسبوعين أجهزة انذار مبكر ورادارات خاصة بالتقاط صور تبثها الأقمار الاصطناعية وطائرات التجسس. ومن المتوقع أن ترسل واشنطن منتصف الشهر المقبل، مجموعة من كبار الضباط إلى إسرائيل بهدف انشاء قيادة منفصلة تنحصر مهمتها في مراقبة منطقة غرب العراق. والثابت أن زيارة نائب وزير الدفاع الأميركي دوغلاس فايث لإسرائيل قد نجحت في ازالة تحفظ واشنطن حول ضرورة اطلاع دولة غير أطلسية على المعلومات السرية المتعلقة بتوقيت الحرب والخطط العسكرية. ويبدو أن هذا التحفظ ناتج عن حرص الرئيس بوش على عدم الاساءة إلى المشاعر العربية وذلك عن طريق الايحاء بأن إسرائيل ليست مشتركة عملياً في الحملة العسكرية ضد العراق. إثر عودة وزير الدفاع الإسرائيلي موفاز من واشنطن، ذكرت الصحف أن قيادة المنطقة الوسطى في الجيش الأميركي قد أنهت ثلثي الاستعدادات لشن الحرب. وهذا يقتضي تجهيز منظومة جوية ضخمة ستنطلق من قواعد تركيا وحاملات الطائرات وبعض دول الخليج. وستقوم هذه المنظومة بتدمير مراكز القوى العراقية تمهيداً لتحرك القوات البرية المؤلفة في الأساس من قوات خاصة مدربة على حرب الصحراء. كذلك تبلغ موفاز بأن تاريخ العد التنازلي للحرب الأميركية على العراق يبدأ في الخامس عشر من كانون الثاني يناير المقبل. وربما اختار الرئيس بوش هذا التاريخ لمساعدة شارون على ربح معركته الانتخابية بسهولة، خصوصاً أن واشنطن أعلنت تجميد مبادرة "خريطة الطريق" بعد اجراء تعديلات أساسية عليها تؤيد عزل ياسر عرفات ومنع تجميد الاستيطان. لهذا ارجأ أبو عمار موعد الانتخابات المحددة في 20 كانون الثاني مشترطاً ازالة الاحتلال قبل تنفيذ المطالب التعجيزية التي تقدمت بها الإدارة الأميركية. وتعتبر السلطة الفلسطينية ان المسودة المعدلة ل"خريطة الطريق" لا تخدم سوى شارون وأنصاره، لكونها تربط مواصفات الدولة المقترحة بشروط حزب ليكود. وتقول المسودة المعدلة: "إن إقامة الدولة الفلسطينية رهن باختيار قيادة قادرة على انشاء نظام ديموقراطي غير موبوء بآفة الإرهاب". وكان شارون قد جدد خطة الاحتلال مشترطاً وقف الانتفاضة لسحب الدبابات من المدن الفلسطينية، وردّ عليه عرفات مطالباً بإنهاء الاحتلال كمقدمة لوقف العمليات الانتحارية. وهكذا اصطدمت مطالب الفريقين بالتعديل الأميركي الذي نصح به أحد الصقور الجدد في إدارة بوش هو اليوت ابرامز. وكان اليوت قد تعرض للتهميش والعزل إثر الهجوم الإعلامي الذي تعرض له سنة 1992 يوم اُتهم بتمويل عصابات اليمين في نيكاراغوا. وفجأة اختاره بوش الابن منذ أقل من شهر رئيساً لقسم الشرق الأوسط في مجلس الأمن القومي. وكان أول عمل دشن به مهمته الجديدة هو تجميد مبادرة "خريطة الطريق" وتعديلها على نحو يخدم شارون ويؤمن له الفوز في الانتخابات المقبلة. ويتوقع المراقبون في واشنطن أن يعلن الرئيس بوش ساعة الصفر للحرب على العراق بعد انتهاء الانتخابات الإسرائيلية وصدور مراسم الحكومة الجديدة. الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يسعى إلى منع حدوث الحرب لاقتناعه بأن نتائجها السلبية ستعزز التيارات المتطرفة داخل الدول الإسلامية والعربية. وهذا ما نقله وزير خارجيته ايغور ايفانوف إلى وزير خارجية إسرائيل بنيامين نتانياهو أثناء زيارته الأخيرة لموسكو. قال له إن القيام بعملية عسكرية تتجاهل مجلس الأمن من شأنها أن تؤدي إلى تعقيد الأوضاع في المنطقة، خصوصاً أن صدام حسين التزم التقيد بالقرار 1441. وبما أن المفتشين لم يعثروا على أدلة دامغة تؤكد وجود أسلحة الدمار الشامل في العراق، فإن الحرب لن تكون مبررة. ويتردد في موسكو ان زيارة نتانياهو ارتبطت بعوامل عدة، أهمها كسب أصوات الناخبين من أصل روسي باعتبارهم يدينون بالولاء للوطن الذي ولدوا فيه... ومن ثم محاولة اقناع الرئيس بوتين بأن العراق يدعم ثوار الشيشان ويؤمن لهم المال والسلاح. ويبدو أن الحكومة الروسية انكرت هذه الاشاعات واعتبرتها مادة تشويش وتضليل وتحريض لا أساس لها من الصحة. الدافع الآخر لزيارة نتانياهو يتمثل في محاولة نسف الصفقة التي عرضها الرئيس بوتين من أجل بقاء صدام حسين في الحكم مقابل تخفيض عدد قواته، وتجريدها من الأسلحة الهجومية والقبول بمشروع السلام مع اسرائيل. والثابت ان الرئيس جون كينيدي عقد صفقة مماثلة مع الرئيس نيكيتا خروتشيف سنة 1962. وتقول المعلومات الصادرة عن الاستخبارات السوفياتية ان الولاياتالمتحدة قررت تغيير نظام كاسترو بسبب الثورات التي شجعت عليها كوبا في دول أميركا اللاتينية. ورصدت من أجل تحقيق هذه الغاية ملايين الدولارات، كما جندت آلاف المرتزقة واللاجئين الكوبيين الى ميامي في هجومين فاشلين، وكان من الطبيعي ان يسعى خروتشيف الى المحافظة على أول نظام اشتراكي يتمكن من الثبات أمام تحديات الولاياتالمتحدة. ولم تكن عملية نشر الصواريخ مقابل الشواطئ الاميركية سوى خدعة بارعة سقط كينيدي في مطباتها، ذلك انه تصرف كما توقع جهاز ال"كي جي بي"، مهدداً باعلان حرب نووية اذا لم تنقل الصواريخ الموجهة نحو المدن الاميركية، وتظاهر خروتشيف بالتراجع أمام التهديد الأميركي، ولكنه اشترط مقابل ذلك ان توقف واشنطن تآمرها ضد نظام كاسترو، ولقد استجاب كينيدي لطلب موسكو معتبراً أن ازالة خطر الصواريخ يبقى الهدف المباشر. وبفضل تلك الخدعة التاريخية استمر كاسترو في الحكم حتى اليوم لأنه ضمن حياد الجارة الكبرى. ولقد اعترف السوفيات - بعدما كشفوا أوراقهم - بأنهم كانوا يعرفون ان طائرات التجسس ستلتقط صور الصواريخ، وبأن أميركا لن تقبل بوجودها قبالة شواطئهم. ولكنهم غامروا في سبيل الحصول على تعهد اميركي بعدم مهاجمة كوبا عسكرياً. الرئيس الروسي بوتين يحاول اقناع الاميركيين بالعدول عن خطة اسقاط نظام صدام حسين مقابل منحهم المكاسب النفطية والسياسية التي ستجنى بواسطة الحرب. ولقد عرض الفكرة على القيادتين الفرنسية والصينية طالباً تأييده لدى الرئيس جورج بوش. ويبدو أن صقور الادارة الاميركية الكثر لم يقنعوا بأن الطرق السلمية ستؤدي الى تغيير مسار النظام العراقي، وبأن صدام حسين سيتراجع عن خطه السياسي السابق. ومع انهم يتشددون في موضوع أسلحة الدمار الشامل، إلا أن الغاية القصوى تكمن في موضوع آخر. أي موضوع سلامة اسرائيل وضمان أمنها عن طريق ازالة كل المخاطر المحدقة بها. وآخر الاقتراحات التي تقدمت بها واشنطن لحل مسألة العراق سلمياً، كان اقتراح خيالي يقضي بلجوء صدام حسين الى روسيا يرافقه أعضاء مجلس قيادة الثورة. ويبدو ان اسرائيل عارضت هذا الاقتراح لأنها تريد حل المشكلة الفلسطينية في اطار حل شامل لنزاعاتها مع الدول العربية. وهي ترى ان أميركا ستحقق انتصاراً سريعاً، وأن الحاكم العسكري الذي سينصب مكان صدام حسين سيتولى مهمات عدة بينها محاكمة علنية لرموز النظام السابق، ونقل السلطة الى المدنيين إثر انتخابات عامة. ويقول شارون ان الانتصار الحربي سيجدد تدفق النفط العراقي للعالم، ويؤمن انخفاضاً ملموساً في أسعار الطاقة، ويرفع من مستوى الاقتصاد الاميركي، ويضمن تجديد رئاسة جورج بوش لولاية ثانية. ولكن جورج بوش الأب لا يطمئن الى الاغراءات الاسرائيلية لأن انتصاره العسكري لم يؤمن له تجديد الولاية... ولأن "اللوبي اليهودي" يراهن على حصانه المفضل جوزيف ليبرمان بعدما يحرق بوش الابن في أتون حرب الخليج الثالثة! * كاتب وصحافي لبناني.