تنمية جازان تشارك في مهرجان الحريد ال21 بجزيرة فرسان    أمير حائل يعلن إقامة "منتدى حائل للاستثمار".. 17 مايو    هالة الشمس تتوهج في سماء عسير وترسم منظرًا بديعًا    الصندوق الثقافي يشارك في مهرجان بكين السينمائي الدولي    جراحة نوعية ودقيقة تنقذ مريضًا من ورم سرطاني متشعب في "تخصصي بريدة"    جيسوس: ينقصني الفوز بهذا اللقب    السياحة تشدّد على منع الحجز والتسكين في مكة المكرمة لحاملي جميع التأشيرات باستثناء تأشيرة الحج ابتداءً من 1 ذي القعدة    أسعار الذهب ترتفع وسط شكوك حول خفض تصعيد الحرب التجارية    رحلة "بنج" تمتد من الرياض وصولاً إلى الشرقية    بناءً على توجيهات ولي العهد..دعم توسعات جامعة الفيصل المستقبلية لتكون ضمن المشاريع الوطنية في الرياض    مستوطنون يقتحمون المسجد الأقصى مجددًا    المملكة والبيئة.. من الوعي إلى الإنجاز في خدمة كوكب الأرض    الطيران المدني تُصدر تصنيف مقدِّمي خدمات النقل الجوي والمطارات لشهر مارس الماضي    صدور موافقة خادم الحرمين على منح ميدالية الاستحقاق من الدرجة الثانية ل 102 مواطنٍ ومقيمٍ لتبرعهم بالدم 50 مرة    جامعة بيشة تدخل لأول مرة تصنيف التايمز الآسيوي 2025    ختام مسابقة القرآن الوزارية بالمسجد الحرام    رالي جميل 2025 ينطلق رسمياً من الأردن    1024 فعالية في مهرجان الشارقة القرائي    ولي العهد وملك الأردن يناقشان مستجدات أوضاع المنطقة    النصر يستضيف بطولة المربع الذهبي لكرة السلة للرجال والسيدات    ملك الأردن يصل جدة    الرجيب يحتفل بزواج «إبراهيم وعبدالعزيز»    المالكي يحصد الماجستير    تكريم متقاعدي المختبر في جدة    أكدا على أهمية العمل البرلماني المشترك .. رئيس «الشورى»ونائبه يبحثان تعزيز العلاقات مع قطر وألمانيا    لبنان.. الانتخابات البلدية في الجنوب والنبطية 24 مايو    الشرع: لا تهديد من أراضينا وواشنطن مطالبة برفع العقوبات    جامعة الفيصل تحتفي بتخريج طلاب "الدراسات العليا"    ناقش مع الدوسري تعزيز الخطاب الإعلامي المسؤول .. أمير المدينة: مهتمون بتبني مشاريع إعلامية تنموية تبرز تطور المنطقة    فصول مبكرة من الثقافة والترفيه.. قصة راديو وتلفزيون أرامكو    خارطة طموحة للاستدامة.."أرامكو": صفقات محلية وعالمية في صناعة وتسويق الطاقة    منصة توفّر خدمات الإبلاغ عن الأوقاف المجهولة والنظار المخالفين    الجدعان مؤكداً خلال "الطاولة المستديرة" بواشنطن: المملكة بيئة محفزة للمستثمرين وشراكة القطاع الخاص    أعادت الإثارة إلى منافسات الجولف العالمي: أرامكو.. شراكة إستراتيجية مع فريق آستون مارتن للسباقات    كشمير: هجوم مسلح على سياح يردي 26 قتيلاً    من يلو إلى روشن.. نيوم يكتب التاريخ    الدمام تستضيف تصفيات غرب آسيا لكرة الطاولة    جيسوس يواجه الإعلام.. اليوم    منجزاتنا ضد النسيان    وادي حنيفة.. تنمية مستدامة    «الأدب» تدشن جناح الرياض بمعرض بوينس آيرس الدولي للكتاب    الجائزة تحمل رسالة عظيمة    إطلاق 33 كائنًا فطريًا في محمية الملك خالد    إيران تندد بالعقوبات الأميركية قبيل جولة المحادثات الثالثة    تَذكُّرُ النِّعم    لا مواقع لأئمة الحرمين والخطباء في التواصل الاجتماعي    جائزة محمد بن صالح بن سلطان تنظم ملتقى خدمات ذوي الإعاقة    غرامة (50,000) ريال والسجن للمتأخرين عن الإبلاغ عمن انتهت تأشيرتهم    التصلب الحدبي.. فهم واحتواء    نحو فتاة واعية بدينها، معتزة بوطنها: لقاء تربوي وطني لفرع الإفتاء بجازان في مؤسسة رعاية الفتيات    كشمير: تعزيزات أمنية واسعة ومطاردة منفذي هجوم بيساران    "واعي جازان" يحتفي بروّاد العطاء ويُكرّم شركاء النجاح        أمير المنطقة الشرقية يرعى حفل تخريج الدفعة ال55 من طلاب وطالبات جامعة الملك فهد للبترول والمعادن    بعد أن يرحل الحريد.. ماذا تبقى من المهرجان؟ وماذا ينتظر فرسان؟    بخبرة وكفاءة.. أطباء دله نمار ينقذون حياة سيدة خمسينية بعد توقف مفاجئ للقلب    الأمير محمد بن ناصر يرعى انطلاق ملتقى "المواطَنة الواعية" بتعليم جازان    موجبات الولادة القيصرية وعلاقتها بالحكم الروماني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



11 أيلول يقنع الولايات المتحدة بالخطاب الرسمي العربي إزاء عنف الإسلام السياسي
نشر في الحياة يوم 23 - 12 - 2002

أصاب التحول في فهم الولايات المتحدة للعالم طبيعة العلاقة الجديدة لواشنطن مع الجزائر. فمنطقة المغرب العربي التي طالما كانت حقل نفوذ فرنسي تهب عليها رياح أميركية أملتها وقائع ما بعد 11 أيلول سبتمبر. والجزائر التي أطلقت خطابًا معزولاً في صراعها مع إسلامييها أضحت بحكم تبدل الطبائع الأميركية والدولية "مدرسة" في حقل مكافحة الإرهاب. وجاهر وليام بيرنز، مساعد وزير الخارجية الأميركي لشؤون الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، الذي زار المغرب العربي أخيرًا، بالاعتراف بأحقية السلوك الجزائري في التعامل مع العنف الاسلاموي وذلك من خلال الإعلان عن موافقة واشنطن على تزويد الجزائر معدات متطورة لمكافحة الإرهاب.
ولم تعترف واشنطن، على عكس الموقف الفرنسي، للسلطة الجزائرية سابقًا بشرعية مجابهتها لمعارضة إسلامية مسلحة اندلعت منذ أوائل التسعينات. فالولايات المتحدة دانت "النكسة" الديموقراطية التي نتجت عن إلغاء الدورة الثانية للانتخابات التشريعية عام 1991 والتي كان من المفترض أن تحمل غالبية إسلامية إلى الحكم، ولم تتفهم واشنطن "الإجراء" الجزائري، فيما أثنت باريس عليه واعتبرته ضروريًا لوقف المد الإسلامي الأصولي الزاحف.
والمقارنة بين موقفي العاصمتين الأميركية والفرنسية لا تساق صدفة. فبين واشنطن وباريس حكايتان، إحداهما تتعلق بعلاقة البلدين الجزائر والولايات المتحدة بأبعادها التاريخية والسياسية والاقتصادية، وأخرى تتعلق بعلاقة الجزائر بالصديق اللدود فرنسا. وحال المماحكة التقليدية بين باريس وواشنطن ربما تفسر مسعى البيت الأبيض إلى اختراق حديقة خاصة بالمستعمر الفرنسي القديم.
على أن الاندفاع الأميركي في اتجاه دول المغرب عمومًا والجزائر خصوصًا لا يمكن أن ينال من مركز باريس لدى الدول الثلاث. فالعلاقة ليست محصورة بتاريخ فرنسا الاستعماري في المنطقة، بل هي عملية تتصل بالتبادلات الاقتصادية والبشرية والثقافية التي تربط الجزائر بفرنسا. وما الزيارة الأخيرة لوزير الخارجية الفرنسي دومينيك دو فيلبان الذي هرع إلى العاصمة الجزائرية بعد أسبوع من زيارة بيرنز إلا تأكيد باريسي على "فرنسية" المنطقة المغاربية عمومًا والجزائرية خصوصًا. فإذا تحدث بيرنز عن اتفاقات مع الجزائر ذات طابع عسكري لوحت باريس من خلال دوفيلبان بعلم الاقتصاد، فوقّع وزير الخارجية الفرنسي بالأحرف الأولى اتفاقًا يحوّل ديونًا فرنسية بقيمة 61 مليون يورو إلى استثمارات. ولا تنحصر اتصالات البلدين بموظفي الدرجة الأولى، فخلال أسابيع يزور رئيس الحكومة الجزائرية علي بن فليس العاصمة الفرنسية قبل زيارة يقوم بها الرئيس الفرنسي إلى الجزائر في الربيع المقبل.
وتخلت الولايات المتحدة عن سياسة الحياد السلبي إزاء الجزائر، وتناست موقفها المنتقد لسياسة الحكومة الجزائرية إزاء إسلامييها، وابتلعت تحفظاتها المبدئية وغضت الطرف عن انتقاداتها للاستئصاليين الجزائريين في السلطة. فسياسة الاستئصال أضحت سياسة واشنطن منذ 11 أيلول، وصارت عنوانًا في حرب واشنطن ضد الإرهاب.
وفي هذا الاطار أنهت الولايات المتحدة قطيعتها العسكرية مع الجزائر. وأبلغ بيرنز القيادة الجزائرية موافقة بلاده على منح الجزائر معدات عسكرية تساعدها في "مكافحة الإرهاب" التي باتت في الولايات المتحدة قاعدة لتطوير علاقات الدول وليس الاقتصاد أو السياسة، إذ إن العدو أضحى مشتركًا والخطر يداهم الجميع من مشرق العالم إلى مغربه.
إذًا، اقتنعت واشنطن، تحت قوس حربها ضد الإرهاب، برؤى الخطاب الرسمي العربي إزاء عنف الإسلام السياسي، بعدما كان الناشطون الإسلاميون المنفيون الإرهابيون في عرف حكوماتهم وجدوا ملاجئ في عواصم الغرب من باريس إلى لندن إلى بروكسيل إلى واشنطن، ومنحوا اللجوء السياسي باسم الدفاع عن حقوق الإنسان، واعتبروا ضحايا انتهاكات مورست ضدهم في بلادهم.
وعلاقة الولايات المتحدة بالإسلام السياسي تاريخية تقليدية، مصدرها توسلٌ مشترك في الحد من امتداد التيارات الإصلاحية اليسارية لمصلحة حماية الواقع السياسي المحافظ، وتأسست على قاعدة المواجهة الصامتة بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي ومملكته الشيوعية الحليفة الملحدة إبان الحرب الباردة.
غير أن الأمور تطورت، مع انقشاع الوجود الشيوعي العالمي بعد انهيار الاتحاد السوفياتي، وانتصار الخيار الغربي، فبشّر البعض ب"نهاية التاريخ" وحذّر آخرون من "صراع الحضارات"، وتبدلت الأمور ولم تعد واشنطن تعتبر الناشطين الإسلاميين دعاة حرية ضد أنظمة مستبدة.
الولايات المتحدة في تعاطيها الشمال الأفريقي توجه رسالة إلى فرنسا الحليف المشاكس تذكرها فيها باحتمالات تبدل في الستاتيكو المعتمد منذ نهاية الحرب الثانية في شأن مناطق النفوذ الموروثة من حقب الاستعمار، فطالما أن العصر عصر صدام حضارات يجوز اختراق المحرمات ومماحكة الأصدقاء في تحري ضرب الأعداء.
وفي سلوك واشنطن إزاء الجزائر كشف لطبيعة الإطار الأيديولوجي والبراغماتي الذي سيحكم علاقة الأميركيين بالكيانات الإسلامية. فواشنطن ترعى أنظمة تتصارع مع التطرف الإسلامي من دون كثير انزعاج من انتهاكات لمبادئ لطالما كانت سببًا لتوتر مصطنع بينها وبين تلك الكيانات. والولايات المتحدة معنية بإعادة اختراع إسلام يتوافق مع معاييرها باللين مشروع تمويل مدارس لتعليم الإسلام المعتدل في بعض الدول الإسلامية، أو التدخل لتبديل مناهج تربوية تعتبرها الروح الأميركية الجديدة عدائية أو بالقوة. على أن اللغة الأميركية على رغم ريادتها الراهنة قد تصطدم بحقائق التاريخ ومحددات الجغرافيا وشروط الثقافة وهي عناصر يبدو أنها ما برحت غائبة عن تلابيب الارتجال السياسي الأميركي الشديد الصلة بالظرف الخارج عن السياق.
كاتب وصحافي لبناني.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.