أنكبت واشنطن منذ ليل الأحد على التدقيق في النسخة الوحيدة الكاملة التي تسلمتها من إعلانات عن برامج اسلحتها الحكومة العراقية إلى الأممالمتحدة، بحثاً عن تزييف أو اغفال أو انتقاص. وتلقت عواصم الدول الأربع الأخرى الدائمة العضوية في مجلس الأمن لاحقاً نسخاً عن الوثائق، وستتسلم الدول العشرة المنتخبة في مجلس الأمن نسخاً "مُنظفة" لا تتضمن الشق النووي من الإعلانات، باعتبارها دولاً غير نووية، خشية أن تتعرّف الى إمكانات تصنيع الأسلحة النووية. وهو تمييز أثار خلافاً داخل مجلس الامن وأعلنت واشنطن امس أنها لن تصدر حكمها النهائي على اقرار العراق عن اسلحة الدمار الشامل الا بعد الانتهاء من مراجعة متأنية للوثائق. وقال آري فلايشر الناطق باسم البيت الابيض انه "مما يدعو الى القلق ان احد كبار مستشاري الرئيس العراقي صدام حسين لمح أول من امس الاحد الى أن العراق كان أوشك على صنع قنبلة نووية, وهذا هو السبب الذي يدفع الولاياتالمتحدة الى التشكيك في النيات العراقية". كذلك انتقد فلايشر الاعتذارات العراقية عن اجتياح الكويت في 1990 فقال انها "جاءت متاخرة 11 سنة، وبعد الخسارة في الارواح، واعتبر ان "السبب الوحيد للحديث عن اعتذارات هو ان صدام حسين يشعر بتعرضه لضغوط". وفي الدوحة بدأت القوات الاميركية امس مناورة ضخمة تستمر اسبوعاً لاختبار الطاقات التقنية لمقر قيادة في قطر قد يدير حرباً محتملة على العراق. ويشرف قائد القوات الاميركية في الخليج الجنرال تومي فرانكس على المناورات التي يشارك فيها نحو الف عسكري 700 اميركي و300 بريطاني بشكل مباشر وتشمل ايضاً آلاف الجنود في المنطقة وخارجها. الى ذلك ا ف ب، اكد احمد الجلبي، رئيس المؤتمر الوطني العراقي، امس في طهران ان الضربة الاميركية للعراق قد تحدث خلال "فترة قريبة جداً". وقال ان "سياسة الاميركيين تقوم على قلب نظام صدام حسين. لكن ما اعدوا له هو لفترة قريبة جداً"، ولم يحدد موعداً. وكان مجلس الامن قرر يوم الجمعة الماضي أن كامل أعضائه سيتسلمون نسخاً "منظّفة" من وثائق التسلح النووي، إلا ان الإدارة الأميركية استدركت أثناء العطلة الأسبوعية ما اعتبرته خطأ فادحاً بالموافقة على تسلم نسخة غير كاملة. وقالت مصادر إن مستشارة الأمن القومي كوندوليزا رايس أصرّت على ايجاد وسيلة لتسلم كامل الوثائق. ودخلت روسيا والصين وفرنسا وبريطانيا في مفاوضات أثناء العطلة الأسبوعية مع الولاياتالمتحدة لضمان حصولها على النسخ الكاملة. واقنع رئيس المجلس للشهر الجاري سفير كولومبيا الفونسو فالديسييفو بايجاد صيغة بموافقة هانس بليكس رئيس هيئة المفتشين. وبالفعل أمكن التوصل إلى صيغة تسلم الدول الخمس فقط الإعلانات الكاملة على أساس أنها جميعاً دول نووية. وأحتج مندوب سورية، العضو العربي الوحيد في مجلس الأمن، السفير ميخائيل وهبة لدى مجلس الأمن في جلسة مغلقة أمس على اصدار رئيس المجلس، سفير كولومبيا، بياناً جاء فيه: "بعد التشاور مع أعضاء المجلس، قررت الرئاسة السماح بالوصول الفوري للإعلانات العراقية إلى الدول الأعضاء ذات الخبرة لتقويم مخاطر انتشار الأسلحة والمعلومات الحساسة". وقال وهبة إن البيان الصحافي "الذي أعلنه رئيس المجلس على مسؤوليته الشخصية مرفوض من قبلنا، ولا يمكن لسورية أن تكون طرفاً في هذا البيان. وهو يتنافى مع القرار 1441". وأشار إلى التمييز بين الدول الدائمة العضوية والدول المنتخبة، وقال ل"الحياة" إن "هذا خرق للقرار. وأنا اعتبره خرقاً مادياً للقرار"، مشيراً إلى الفقرة الثالثة من القرار 1441 الذي نص على تسليم الإعلانات إلى المجلس "وليس إلى أعضاء قلة في المجلس". وقال إن ما حدث هو "ضد وحدة المجلس". وأشار إلى أن جميع أعضاء المجلس منضمين إلى معاهدة منع انتشار الأسلحة النووية "فلا داعي للتمييز". وأكد مسؤول أميركي اشترط عدم ذكر اسمه إلى "الحياة" ان "بليكس سيتسلم قريباً معلومات استخبارية من الولاياتالمتحدة" في شأن المواقع ذات الأولوية والتي تقول الإدارة الأميركية ان لديها أدلة على تورط العراق في تصنيع أسلحة محظورة فيها. وقال الأمين العام كوفي أنان أمس إن "بليكس عبر عن تقديره لتقاسم المعلومات الاستخبارية، ويود من الحكومات التي لديها مثل هذه المعلومات أن توفرها له وللمفتشين لا سيما تلك المتعلقة بالمواقع حيث قد يعثرون على مواد مخفية فيها". وشدد أنان على ضرورة "السماح للمفتشي بالقيام بمهماتهم بمهنية... واعطائهم المساحة الزمنية لاتمامها، وسأنتظر حتى انتهاء المفتشين من تحليلاتهم للإعلانات وتقديم تقرير إلى المجلس". وأكد مجدداً أن "الحرب ليست حتمية، والأمر عائد إلى الرئيس صدام حسين للقيام بتجريده العراق من الأسلحة، والتعاون كاملاً مع المفتشين واحترام التزاماته نحو الأممالمتحدة، فإذا تم ذلك، لا أرى داعياً لحرب". السفير العراقي الدكتور محمد الدوري قال ل "الحياة" إن حجب الإدارة الأميركية ما تزعم أنها تملكه من أدلة عن لجنة الرصد والتحقق والتفتيش انموفيك التي يترأسها بليكس والوكالة الدولية للطاقة الذرية التي يترأسها الدكتور محمد البرادعي "دليل على أنهم لا يملكون شيئاً ويريدون توظيف كل شيء ليخدم توقيتاتهم وخططهم ضد العراق والمنطقة". وزاد ان الأميركيين سيسربون تقارير عدة عن وجود أسلحة دمار شاملة في مواقع زارتها فرق التفتيش ولم تجد فيها شيئاً". واعتبر ذلك "ضربة لصدقيتهم". وبعث وزير الخارجية العراقي السيد ناجي صبري رسالة الى رئيس مجلس الأمن تضمنت دليل محتويات الاعلانات البالغة 12 ألف صفحة.