أنقرة، الناصرة، بروكسيل - "الحياة" سارع زعيم حزب العدالة والتنمية التركي رجب طيب اردوغان الى طمأنة الغرب الى ان بلاده لن تشهد تحولاً جذرياً في اتجاه اعتماد سياسات مبنية على دوافع دينية، وذلك بعدما حقق حزبه ذو الجذور الاسلامية انجازاً هو الاول من نوعه منذ 15 عاماً، بفوزه بغالبية تمكنه من تشكيل حكومة بمفرده. وفي الوقت نفسه، قدم رئيس الوزراء التركي بولند اجاويد استقالة حكومته التي ستتولى تصريف الاعمال الى حين تشكيل "العدالة والتنمية" حكومة جديدة. وقال اجاويد انه سيعتزل السياسة بعد عام. راجع ص 8 غير ان اقطاب الاحزاب التقليدية كافة، اعلنوا اعتزال العمل السياسي فوراً والتخلي عن قيادة احزابهم، بعدما فشلت في الحصول على نسبة عشرة في المئة من اصوات المقترعين المطلوبة لدخول البرلمان. ومن ابرز هؤلاء مسعود يلماظ ودولت باهشلي ورجائي قوطان وتانسو تشيلر. ولم ينج من "الزلزال السياسي" سوى حزب الشعب الجمهوري الذي اسسه مصطفى كمال اتاتورك ويتزعمه اليساري دنيز بايكال. وحصل هذا الحزب على نسبة 19 في المئة وضمن بذلك 179 مقعداً في البرلمان، وحل بعد "العدالة والتنمية" الذي فاز بنسبة 34 في المئة وضمن بذلك 363 مقعداً من اصل 550 في البرلمان. والمفارقة ان الناخبين الذين ادلوا بأصواتهم ضد الفساد حملوا الى البرلمان 8 نواب مستقلين، بينهم فاضل اجوندوز رجل الاعمال الهارب خارج البلاد والمطلوب لدى الانتربول الدولي، ومحمد اغار وزير الداخلية السابق والمتهم بالضلوع في اكبر قضية فساد سياسي في بلاده. وفي وقت اتجهت الانظار في اوروبا الى التطورات التركية، عقد اردوغان مؤتمراً صحافياً، اكد فيه ان حزبه "لا تحركه الدوافع الدينية"، وان "ممارساته المستقبلية ستظهر ذلك بوضوح". واعرب عن وجهة نظر متطابقة مع الحكومة الحالية في وجوب اللجوء الى مجلس الامن لاتخاذ قرار بضرب العراق، فيما تفادى الخوض في مستقبل العلاقات مع اسرائيل، واكتفى بالقول رداً على سؤال في هذا الشأن: "ليس لدينا اي انحياز ضد اي دولة في العالم". لكن الصحف العبرية الصادرة امس، نقلت عن مصادر امنية رفيعة المستوى في تل ابيب اعتبارها فوز حزب العدالة والتنمية "كارثة من وجهة النظر الاسرائىلية"، وخشيتها من انعكاسات هذه التطورات على صفقات الاسلحة والتعاون العسكري الذي تعزز منذ التسعينات. وفي اول تعليق رسمي في تل ابيب، قال الرئىس الاسرائىلي موشيه كتساف انه ليس قلقاً من صعود حزب العدالة والتنمية الى الحكم لأن "المصالح الوطنية للدولتين تقتضي ان تبقى العلاقات بينهما جيدة". وتابع ان تركيا كانت دائماً دولة اسلامية "وعلى رغم ذلك كانت علاقاتنا طيبة"، مضيفاً انه يحترم ما قررته الديموقراطية التركية. واعربت الولاياتالمتحدة عن رغبتها في مواصلة تعاونها مع تركيا، مشيرة الى انها تنتظر من الاتحاد الاوروبي ان يشجع أنقرة "على ان تبقى مرتبطة بالغرب". وقال مساعد وزير الخارجية الاميركي للشؤون السياسية مارك غروسمان في ختام لقائه مع وزير الخارجية اليوناني جورج باباندريو: "نحن، مثلنا مثل اليونان، نرغب في العمل مع الحكومة التركية الجديدة". ولزم الاتحاد الأوروبي الحذر في التعليق على نتائج الانتخابات في تركيا ورفض اعتبار الخلفية الدينية ضمن معايير الانخراط في عضوية الاتحاد الأوروبي. وقال الناطق باسم المفوضية الاوروبية جوناثان فول إن الشعب التركي اختار ممثليه "عبر وسائل الاقتراع الديموقراطي" وستنتظر المفوضية تشكيل الحكومة والحكم عليها من خلال سياساتها. وأكد الناطق ان معايير الانخراط في الاتحاد الأوروبي لا تشمل الهوية الثقافية والعقيدة الدينية وانما "تقتضي احترام الحريات الاساسية وحرية المعتقد". ورأت مصادر ديبلوماسية في بروكسيل أن فوز الإسلاميين في تركيا "لا يشكل مبرراً لرفع سقف المعايير لانخراط تركيا في الاتحاد، بقدر ما سيدفع الأوروبيين الى مزيد من التعمق في النظر الى سياسات انقرة".