من حق فلاديمير بوتين ان يشعر بشيء من المرارة. فحين استقبل الرئيس جورج بوش امس، قرب بطرسبرغ، كان ما كتب قد كتب. والزائر الذي جاء يشدد على أهمية العلاقات وفد من براغ التي شهدت الإعلان رسمياً عن توسيع حدود حلف الاطلسي الى حد ملامسة الحدود الروسية نفسها. ويعرف بوتين معنى الخطوة وصداها المؤلم لدى الجنرالات الروس الذين دخلوا الجيش الأحمر يوم كانت موسكو عاصمة الامبراطورية السوفياتية. كان بوتين يشتهي بالتأكيد ان يمتلك هيبة القياصرة السابقين. كأن يضرب الطاولة بقبضته على غرار ما فعل ليونيد بريجنيف مع ريتشارد نيكسون مثيراً مخاوف سيد البيت الأبيض. أو ان يضرب طاولة الأممالمتحدة بحذائه على غرار ما فعل نيكيتا خروشوف. أو ان يأتي الرئيس الاميركي الى القمة مع الزعيم السوفياتي عارضاً تقديم الرشاوى في مقابل توقف الكرملين عن تقديم بيادقه في العالم الثالث والتوقف عن اضرام النار في أطراف الرداء الاميركي. يعرف فلاديمير بوتين ان بلاده لا تزال تملك ترسانة تكفي لدفع العالم الى رماده. لكنه يعرف ايضاً ان روسيا لا تملك المبالغ اللازمة لصيانة فعلية للصواريخ والغواصات. وان الفجوة التكنولوجية مع الولاياتالمتحدة مستمرة في الاتساع. وان الاقتصاد الروسي على رغم التحسن الذي طرأ لا يزال مريضاً بعدما تعرضت البلاد لأوسع عملية نهب في التاريخ إبان المرحلة الانتقالية الى الديموقراطية واقتصاد السوق. كان يتمنى ان يخاطب زائره من موقع الند للند، لكن تعوزه الأوراق للتطلع الى شراكة متكافئة. وخير دليل ان النار تشتعل حالياً داخل البيت الروسي وان الرئيس الاميركي يحضه على تسوية سياسية في الشيشان وان يكن أيد اسلوبه في مواجهة الامتحان "الارهابي" في مسرح موسكو. يعرف بوتين حدود الأوراق التي في حوزته. بعض المشاكسة في أروقة مجلس الأمن لتذكير الجنرال الاميركي بدفع ثمن التنازل الروسي عن ممارسة حق النقض ولو في صورة مساعدات وتطمينات وضمادات. ولم تغب قواعد اللعبة عن ذهن بوش. طمأن موسكو الى ان مصالحها الاقتصادية في العراق ستؤخذ في الاعتبار. وكانت النتيجة البيان الاميركي - الروسي الذي طالب العراق بالامتثال الكامل لقرار مجلس الأمن لتفادي "العواقب الوخيمة". كانت الزيارة القصيرة بالغة الدلالات. تجرع سيد الكرملين سم قرارات براغ ساعياً الى ضبط الخسائر. ولم يبخل الزائر بالهدايا والوعود لتخفيف مرارات القيصر الذي يتحتم عليه القبول بالتعايش مع الاطلسي على حدود بلاده ومع دور أقل لبلاده في العالم الاميركي.