1 هناك اليوم قلق عميق لدى الكثير من الفلسطينيين من أن النكبة التي وقعت بالشعب الفلسطيني عام 1947-1948 قد تعيد نفسها قريباً. فالوضع الفلسطيني اليوم يشبه الى حد كبير ما كان عليه الوضع عشية 1947-1948، والاخطار التي تحيق بهم اليوم شبيهة بالتي أدّت الى نكبة 1948. إن وقوع الحرب ضد العراق هو بداية الوضع الجديد. لنقارن بين الوضعين. خلفية النكبة، أي المرحلة التي بدأت بقيام "الثورة الكبرى" التي أعلنها عزالدين القسّام سنة 1936 واستشهد في بدايتها والتي انتهت بمؤتمر لندن سنة 1939 وصدور "الكتاب الأبيض" الذي وعدت به بريطانيا بإيقاف الهجرة اليهودية وإجراء انتخابات عامة في فلسطين. امتدت مرحلة "الثورة الكبرى" على ثلاثة صعد متطابقة: على صعيد الاضراب الذي صاحب انطلاق الثورة المسلحة، على صعيد القمع البريطاني، على صعيد النزاع الداخلي الاغتيالات داخل الثورة. على الصعيد الأول شارك الشعب الفلسطيني بدعم الثورة بكل ما يملك من مال ورجال. وعلى صعيد القمع البريطاني تمّ ما يتم اليوم من اجتياح المدن والقرى واعتقال آلاف الشباب الفلسطيني، وإعدام العشرات من المقاتلين وتدمير بيوت المتهمين بالمشاركة في الثورة، ونفي المئات من القياديين والمقاتلين والسياسيين الى معتقلات أقيمت في جزر سيشيل في المحيط الهندي، أو زجّهم في السجون والمعتقلات الفلسطينية، فيما هرب المئات من بينهم الحاج أمين الحسيني وزملاؤه الى البلدان المجاورة وأوروبا. وعلى صعيد الاغتيالات، تحوّلت الثورة الى قتال داخلي بين القيادات المختلفة واستعمل فيه أسلوب الاغتيالات الفردية. في فترة الحرب العالمية الثانية وحتى 1948، تمكنت الوكالة اليهودية ومؤسساتها العسكرية السرية الهاغانا، الأرغون، عصابة ستيرن من بناء جيش يهودي متكامل لشن حرب "التحرير" ضد الفلسطينيين الذين كانوا في حال شلل كاملة، بلا قيادة وبلا مقاتلين، فريسة سهلة للجيش اليهودي المنظم. قد يختلف الوضع اليوم عما كان عليه في 1947-1948 بأمر واحد، وهو قيام الانتفاضة الشعبية، الا ان اعتماد اسرائيل أسلوب الاجتياح والتدمير والاعتقال والاغتيال الذي اعتمدته بريطانيا، أدى الى النتيجة ذاتها التي تبعت انهيار ثورة 1936 - 1939، أي الى تفوق تام لإسرائيل في موازين القوى. 2 تجربة الفلسطينيين المريرة علّمتهم الدرس القاسي: ان الاعتماد على الخارج عربياً أو دولياً خطأ مميت، وأن ليس الا الاعتماد على النفس يمكنهم من مجابهة مخاطر المرحلة المصيرية المقبلة. عدد الفلسطينيين اليوم يقارب 8 ملايين، 4 ملايين منهم داخل فلسطين، و4 ملايين اخرى في المهاجر العربية والاجنبية. في الداخل، وحتى هذه اللحظة، عجز الفلسطينيون عن تحقيق الحد الأدنى من جمع قواهم ومن تجاوز الفوضى والعجز الذي يعانونه في ظل سلطتهم الوطنية الفاشلة. كذلك فشل الفلسطينيون في الخارج في اتخاذ الخطوات اللازمة لتنظيم أمورهم لتمكينهم من تقديم الدعم الذي يحتاج اليه شعبهم في الداخل. في هذه المرحلة تسعى اسرائيل بدعم من الولاياتالمتحدة الى تصفية القضية الفلسطينية بواسطة اجراءات نهائية تقيمها على أجزاء متقطعة من الضفة الغربية وقطاع غزة، تهدف جميعها لا الى التوصل الى حل عادل للصراع الفلسطيني - الاسرائىلي، بل الى تثبيت الهيمنة الاسرائىلية على فلسطين كافة، وتهدئة الوضع لتمكين الولاياتالمتحدة من التركيز على حربها ضد العراق. ان الحل القائم على دولتين لم يعد ممكناً، فمن المستحيل اقامة دولة فلسطينية فعلية في الضفة وقطاع غزة، حيث مزّق الاحتلال الاراضي الفلسطينية وزرعها مستعمرات صهيونية. المطلب الآني والملح هو اعادة بناء المجتمع الفلسطيني الاقتصاد، الصحة، التعليم، الإسكان وإصلاح البيت الفلسطيني سياسياً، ادارياً، مالياً. تحقيق هذا المطلب يتطلب دوراً رئيساً ومساهمة مباشرة لفلسطينيي الشتات الخارج. في السنوات الماضية أدى فشل المحاولات لإنشاء كيان اداري فلسطيني في المهجر لتعبئة الطاقات الفلسطينية الى بقاء دعم الداخل محدوداً ومتقطعاً ووقفاً على تبرعات الجمعيات الأوروبية غير الحكومية. يجب علينا الآن اعادة المحاولة لبناء هذا الكيان بجدية وتصميم ليربط بين الجمعيات والمؤسسات وفئات النشطاء في أميركا وأوروبا والعالم العربي، لتفعيل القوى والإمكانات المادية والبشرية الكبيرة التي يملكها الفلسطينيون لتنفيذ مشاريع الإعمار والاصلاح وحماية الأمن الفلسطيني، وتمكين الشعب الفلسطيني من استرجاع حقوقه الوطنية والسياسية والانسانية فوق أرضه الوطنية. إن فشل الجيل السابق جيل المثقفين والأكاديميين والناشطين ورجال الاعمال الملتزمين الذي أنتمي اليه في حماية حركة التحرر الفلسطينية ومنع قيام قيادة أبوية فردية وعشوائية، وبالتالي حال الفوضى والعجز التي نحن فيها اليوم - هذا الفشل يجب ألاّ يستمر ويجب ان يوضع له حد. هناك اليوم جيل جديد من الفلسطينيين والفلسطينيات ممن يمتلكون قدرات كبيرة في مختلف الحقول والتخصصات، جيل قادر على تسلم المسؤوليات القيادية والتنظيمية في المرحلة المقبلة. لقد آن الأوان لتسليم المسؤوليات القيادية في الداخل والخارج الى الجيل الجديد. لتحقيق ذلك يجب عقد مؤتمر فلسطيني عام تشارك فيه كل القوى الفلسطينية في المخيمات والمدن وأماكن الهجرة في الخليج وأوروبا وأميركا لبناء هذا الكيان الفلسطيني الجامع لا الدامج أو الموحّد الذي يربط بين الفلسطينيين على أنواعهم وأينما وجدوا، من خلال ناشطين وقيادات جديدة من نساء ورجال، ينتخبون ديموقراطياً ويعملون ضمن شبكات تواصل وتعاون من خلال نظم بأساليب عقلانية هادفة. هذا هو المطلب الآني الملحّ الذي يجب ان نعمل لتحقيقه الآن، الا إذا فضّلنا الاستمرار في لعن الزمن السيئ والعدمية والاستسلام للواقع المفروض علينا. * استاذ شرف في جامعة جورجتاون ورئيس المركز الفلسطيني في واشنطن.