في إطار حملة واسعة لتعقب رموز المقاومة الشيشانية أعلنت موسكو أنها تعد طلبات رسمية إلى دول عدة من بينها قطر من أجل تسليم شيشانيين ينشطون على أراضيها، أبرزهم الرئيس الشيشاني السابق سليم خان ياندربايف الموجود في الدوحة. وفي غضون ذلك، كشف مسؤول دنماركي ل"الحياة" أن أحمد زاكايف مبعوث الرئيس الشيشاني أصلان مسخادوف والذي تطالب موسكو باسترداده بعد اعتقاله في كوبنهاغن، يحمل إقامة في بريطانيا، ودخل الدنمارك من دون تأشيرة. أعلن في موسكو عن المزيد من التفاصيل التي رافقت عملية احتجاز الرهائن في أحد المسارح نهاية الأسبوع الماضي. وكانت مجموعة شيشانية احتجزت زهاء 750 شخصًا في مسرح وطالبت بانسحاب القوات الروسية من الشيشان كشرط لإطلاق الرهائن. وانتهت العملية صباح السبت الماضي باقتحام القوات الخاصة للمسرح وتحرير الرهائن، بعدما استخدمت غازًا أدى إلى شل حركة الخاطفين وسهل القضاء عليهم، لكنه أسفر عن مقتل 119 من الرهائن. وفي مؤتمر صحافي عقد أمس في موسكو وشارك فيه مسؤولون روس أشرفوا مباشرة على عملية تحرير الرهائن، قال نائب مدير هيئة وزارة الأمن الروسية فلاديمير يريمين أن الوحدات الأمنية عثرت داخل المسرح على اكثر من 110 كيلوغرامات من مادة "تروتيل" الشديدة الانفجار، وأوضح أن انفجارها كان سيؤدي إلى انهيار المسرح كله وتصدع مبانٍ سكنية في محيطه. وذكر يريمين أنه عثر أيضًا على 25 عبوة ناسفة كان معظمها مثبتًا إلى أحزمة الفتيات الشيشانيات اللواتي شاركن في العملية، فيما ربطت عبوتان بمقاعد وضعت فوق خشبة المسرح بهدف إرعاب الرهائن. وتحدث عن معلومات مؤكدة لدى الأجهزة الأمنية عن تواجد أعوان للخاطفين خارج المسرح، وأشار في هذا الإطار إلى مكالمة هاتفية التقطت، تحدث فيها الخاطفون عن وجود 100 انتحاري شيشاني في موسكو واستعدادهم للانخراط في ما وصفه بأنه "المرحلة الثانية من العملية". وعرضت خلال المؤتمر الصحافي مقاطع من مكالمات هاتفية كان الخاطفون أجروها مع شخصيات شيشانية في دول عدة من بينها مكالمة تمت بين قائد عملية المسرح موفسار بارايف والرئيس الشيشاني السابق سليم خان ياندربايف الموجود حاليًا في قطر. وسأل الأخير خلال المكالمة عما إذا كان الرئيس أصلان مسخادوف اطلع على تفاصيل العملية، فأجابه بارايف أن "مسخادوف حضر جزءًا من التدريبات وكان معه القائد الميداني شامل باسايف". لكن ياندربايف نصح الخاطفين بإنكار صلة مسخادوف بالعملية من أجل تسهيل ممارسة "دوره السياسي"، وأشار إليهم بالإعلان عن أنهم تلقوا تعليماتهم مما يطلق عليه الشيشانيون "المجلس العسكري الأعلى" الذي يقوده باسايف. وقال الناطق باسم الكرملين سيرغي ياسترجيمبسكي بعد عرض الشريط على الصحافيين إن موسكو تملك "أسسًا كافية" لأن تطالب دولة قطر بتسليم ياندربايف الذي وصفه بأنه متورط شخصيًا في عملية المسرح خصوصًا أنه اتصل بنفسه بالخاطفين من الأراضي القطرية. وقال ياسترجيمبسكي إن اسم ياندربايف مدرج ضمن قائمة مطلوبين لروسيا تشتمل أيضًا على أسماء مسخادوف وأحمد زاكايف المحتجز حاليًا في الدنمارك. وذكر أنهم جميعًا ملاحقون من القضاء الروسي لقضايا تتعلق بالانخراط في أعمال عسكرية غير مشروعة. ويعد هذا الإعلان تطورًا جديدًا بعد أن كانت موسكو أعلنت سابقًا أن الخاطفين أجروا اتصالات مع ثلاث دول شرق أوسطية. الاستراتيجية الروسية ويرى مراقبون أن روسيا تسعى إلى الإفادة من أجواء التعاطف الدولي معها بعد عملية المسرح من أجل تشديد الخناق على رموز المقاومة الشيشانية، بما في ذلك المعتدلون منهم، ولا يستبعد بعضهم أن تكون موسكو اتخذت قرارها بحسم الحرب الشيشانية أو القيام بعملية عسكرية واسعة، وهو ما بدا واضحًا من خلال تأكيد ياسترجيمبسكي على أن "المركز الفيديرالي لا يرى شريكًا يمكن التفاوض معه حول المشكلة الشيشانية". إلى ذلك، استمر جدل واسع في موسكو عما وصف بأنه أخطاء فادحة ارتكبت خلال عملية إجلاء الرهائن من المسرح وأدت إلى مصرع عدد كبير منهم، وبينهم خبراء الوحدات الطبية والأجهزة الأمنية بعدم الاستعداد الكافي، وهي التهمة التي نفاها بشدة أمس رئيس اللجنة الطبية في مدينة موسكو أندريه سيلتسوف. غير أنه أشار إلى أن المهمة الأساسية كانت أمام فرق الإنقاذ هي إخراج أكثر من 750 رهينة من المسرح خلال أقل من ساعة وهي عملية لم يكن من الممكن أن تتم من دون وقوع أخطاء، لكن ليف فيدوروف الخبير السوفياتي السابق في مجال الأسلحة الكيماوية قال إن عمليات إسعاف الرهائن الذين استنشقوا الغاز الذي أطلقته القوات الخاصة بدأت بعد وصولهم إلى المستشفيات، في حين كان يتوجب حقنهم بمحلول "الانتيدوت" المضاد للغاز فور إخراجهم من القاعة، وهو ما يفسر موت عشرات منهم خلال الساعات الأولى بعد انتهاء العملية. اعتقالات مستمرة على صعيد آخر، تواصلت عمليات الاعتقال في صفوف الشيشانيين داخل موسكو. وأعلن أمس عن اعتقال 30 شخصًا آخرين. وانتقدت الإدارة الشيشانية الموقتة المعينة من موسكو أمس ما وصفته ب"حملة واسعة تجرى في مدن روسية عدة ضد أبناء الجالية الشيشانية". وقال ناطق باسم أحمد قادروف رئيس الإدارة الشيشانية المعينة من موسكو إن آلاف الشيشانيين سجنوا أنفسهم داخل بيوتهم خشية تعرضهم للاعتقال أو الاعتداء، كما سجلت عمليات هجرة واسعة إلى الشيشان على رغم ظروف الحرب فيها. ومعروف أن مئات الشيشانيين أوقفوا حتى الآن في موسكو وحدها من دون توجيه اتهامات محددة لهم على رغم أن كثيرين منهم كانوا أعلنوا عن معارضتهم لنشاط المقاومة الشيشانية. زاكايف يحمل إقامة بريطانية كشف رئيس اللجنة الخارجية في الحزب الاشتراكي الديموقراطي الدنماركي غابي كوفود في حديث إلى "الحياة" أمس، أن أحمد زاكايف مبعوث الرئيس الشيشاني أصلان مسخادوف الذي اعتقلته الشرطة الدنماركية قبل يومين بطلب روسي، "يحمل إقامة بريطانية ويمكن للندن أن تطالب باستعادته تحت حجة أنه من رعاياها. ولكن لو حدث ذلك فستتعقد قضية تسليمه إلى روسيا أكثر". وأضاف أنه حصل على معلومات من الشرطة الدنماركية تؤكد أن زاكايف دخل الدنمارك من دون تأشيرة، علمًا أن بريطانيا ليست عضوًا في اتفاق شينغين، وبالتالي فإن الإقامة البريطانية التي يحملها لا تخوله الدخول إلى الدنمارك. وأضاف كوفود أن السلطات الدنماركية تقوم بتحريات لمعرفة كيف دخل زاكايف إلى البلاد. وشرح أن "موقف الحزب الاشتراكي أكبر حزب دنماركي يساند التوصل إلى حل سلمي لقضية الشيشان ونحن نعطي كل الدعم للقضاء الدنماركي الذي لا يخضع لأي ضغوطات سياسية من أي طرف كان". وأكد أنه في حال وجد القضاء الدنماركي إثباتات قاطعة تدين زاكايف فسيحاكم "ووقتها سنناقش طلب موسكو في تسليمه إليها. ولكن في حال لم تعط موسكو أدلة واضحة ضده فسيطلق سراحه على الفور". وقال إنه في حال تمكنت موسكو من تقديم أدلة واضحة ضد زاكايف "لن يسلّم مباشرة خصوصًا أن اتفاق التسليم بين موسكو وكوبنهاغن ليست واضحة حتى الآن، لذا سيتحول الموضوع إلى الشرطة ووزارة العدل لاتخاذ القرار".