تنطلق الرؤية الايرانية الى أمن الخليج العربي من مذهب القوامة الفارسية على الخليج، وضرورة الهيمنة على أي من نظمه وهياكله الأمنية، ويتفرع من ذلك إدراك أن أي تغيير في الحدود السياسية، سواء في ما بين الدول الخليجية أو داخل كل منها على حدة، ينبغي أن يتغير بضابطين ضروريين: 1 - ألا تترتب عليه اعادة ترتيب المنطقة على نحو ينال من الأهمية الاستراتيجية لإيران. 2 - ألا يسلم ايران الى احتمال تفتيتها الى مجموعة من الدويلات القومية، أو يقوي المركز النسبي لمنافستها تركيا على حسابها، أو يضيف اليها مناطق تعجز عن استيعابها. والضابط الأول يدل على حساسية إيران البالغة لأي تعديل يطرأ على الحدود العراقية سواء بالحذف أو بالإضافة. وعبرت ايران عن هذا المفهوم في مناسبتين: عندما قام العراق بغزو الكويت، وعندما ساندت قوات التحالف الأولى القوى الكردية الانفصالية في العراق. وفي المرة الأولى حرصت ايران على عدم التسامح عن اثابة العراق على غزوه الكويت، وأكدت تهديدها بالتدخل فيما لو أسفر التفاوض عن تسوية من هذا النوع. فقال الرئيس رفسنجاني - في ذلك الوقت - لقد نبهنا الكويتيين، إذا قبلوا التنازل للعراقيين عن جزيرتي وربة وبوبيان للوصول الى تسوية، أننا لن نوافق مطلقاً على أدنى تغيير للحدود. وفي المرة الثانية، كانت ايران حريصة على وحدة التراب الوطني العراقي من منظور ان العراق يعد عمقاً استراتيجياً لإيران. والحفاظ على وحدته ضمانة من ضمانات التكامل الاقليمي والقومي الايراني نفسه. كما أن حفظ حد أدنى من العلاقة معه، أو تجميده، ضرورة للحفاظ على التوازن الاستراتيجي التركي - الإيراني. والغزو الأميركي للعراق، يمكن أن يؤدي الى الإخلال بهذا التوازن لصالح تركيا التي لم تخفِ انها حشدت بعض قواتها على الحدود الشمالية حفاظاً على مصالحها، وتستعد للانقضاض على آبار البترول في كركوك والموصل. وتدعي تركيا انهما جزء من التراب الوطني التركي. وينطلق الموقف الايراني من ادراكه للتهديد، جراء تعرض ايران، بعد حرب الخليج الثانية، لاضطرابات قومية من جانب حركة "كومالا" الماركسية الكردية، أسفر عن اصطدامها بقوات الحرس الثوري في بلدتي بوكان وسننداج بكردستان الايرانية. وقام البلوش بأعمال شغب، جنوب شرق طهران، أسفرت عن تفجير بعض المباني الحكومية فضلاً عن اغتيال المسؤول الأمني بالاقليم. ويزيد التخوف الإيراني ان الظروف التي صاحبت تلك الاضطرابات لا تزال قائمة. فالأكراد والبلوش اقليتان كبيرتان، وسبق لهما الحصول على الاعتراف الدولي بحقهما في انشاء كيان مستقل. والأوضاع في الدول الرئيسية التي تتمتع الأقليتان المعنيتان بامتدادات فيها غير مستقرة، سواء أفغانستان أو العراق الذي يهدده التفكك، واحتمال تنصيب نظام "صديق" للولايات المتحدة يمكن أن يطبق الحصار على الجمهورية الإسلامية، من ناحيتي أفغانستانوالعراق، ويمكن ان يثير متاعب جمة لسورية، الصديق التقليدي لإيران. القاهرة - عبدالعظيم محمود حنفي مدير مركز الكنانة للبحوث والدراسات