أعطت واشنطن ولندن أمس مؤشرات الى بدء التحضير ل"مرحلة ما بعد الرئيس صدام حسين"، عشية خطاب يلقيه الرئيس جورج بوش بعد غد الاثنين، ويشدد فيه على "نفاد الوقت" المتاح لبغداد لازالة "خطر أسلحة الدمار الشامل". وفيما شهدت القاهرة تظاهرة جديدة ضد ضرب العراق، حسمت القيادة التركية موقفها من الخيار العسكري الأميركي، معلنة رفضها أي تحرك "لا يرتكز الى القانون الدولي"، وباشرت بغداد تحركاً في أربع دول خليجية لحشد الدعم لموقفها. وإذ أبدت فرنسا تفهماً لتأجيل عودة المفتشين الى العراق، بدا أن روسيا باتت مقتنعة بأن الحرب آتية كأمر واقع، وتحدثت عن ضمان مصالحها النفطية راجع ص 2 و3 و4 و5 و11. وعملت الدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الأمن مع الرئيس التنفيذي للجنة التحقق والتفتيش انموفيك هانز بليكس ومع مدير الوكالة الدولية للطاقة الذرية محمد البرادعي، باتجاه تزامن بين صدور قرار جديد للمجلس وعودة المفتشين الى العراق بتوجيهات وضوابط جديدة. وتبين ان الجميع يوافق على أفضلية عودتهم بموجب قرار جديد يعكس الاجماع على تمكين اللجنة والوكالة من أداء مهمتهما بفعالية. وأكدت مصادر مطلعة ان قاعدة الاجماع بين الدول الخمس تتسع، وترتكز الى عودة المفتشين على أسس جديدة، وتحييد مذكرة التفاهم المتعلقة بترتيبات خاصة بالقصور الرئاسية العراقية أو الاستغناء عنها مع النظر في بدائل، وتأكيد جدية مجلس الأمن في تحقيق نزع السلاح من دون شرط أو قيد أو عرقلة في أي موقع في العراق. وأفادت مصادر أخرى ان ادارة بوش تتمسك باستجواب المسؤولين والعلماء العراقيين داخل بلادهم وفي الخارج، وضرورة التفتيش المفاجئ لأي موقع في العراق بلا ترتيبات خاصة. لكن الادارة لا تصر بالمقدار ذاته على دور مباشر ومميز للدول الخمس كجزء من فرق التفتيش. وبقيت مواقف هذه الدول متباعدة في شأن ما يشكل المحرك لتفعيل اتخاذ اجراءات عسكرية ضد بغداد في حال عدم اذعانها أو توقف تعاونها، علماً ان الولاياتالمتحدة تريد صلاحية تلقائية للعمل العسكري والدول الأخرى تعارضها. ولقي الطرح الفرنسي الذي يرتكز الى فكرة المرحلتين دعماً واسعاً من أعضاء مجلس الأمن غير المنتخبين، لكن الموقف الأميركي أصر على تضمين أي قرار آلية للتعاطي مع عدم الامتثال العراقي، وتواصلت المفاوضات حول شكل هذه الآلية. وكانت مقررة ليل أمس لقاءات في واشنطن بين الوزير باول ومستشارة الأمن القومي كوندوليزا رايس وبين بليكس والبرادعي. واعتبر الأمين العام للأمم المتحدة كوفي انان أمس ان بليكس "يتبنى النظرة الصحيحة" إزاء الاصرار الأميركي على عدم عودة المفتشين إلا بقرار دولي جديد وضوابط مختلفة. وقال انان ان رئيس "انموفيك" "جهّز رجاله لكن مجلس الأمن يبحث في توجيهات اضافية، ومن المناسب له بليكس ان يعرف ما هي قبل أن يستأنف" عمليات التفتيش. فرصة للديبلوماسية ومن بيرن اطلق العاهل الأردني الملك عبدالله أمس دعوة الى حل سلمي للأزمة العراقية، داعياً الى اتاحة الفرصة للجهود الديبلوماسية التي تبذلها الأممالمتحدة. وفي تطور لافت أعلن الناطق باسم الرئاسة التركية اثر اجتماع ضم الرئيس أحمد نجدت سيزر ورئيس الحكومة وكبار قادة الجيش، وخصص للبحث في الأزمة، ان أنقرة لا تقبل "تحركاً عسكرياً لا يرتكز الى القانون الدولي"، في اشارة الى معارضة عمل عسكري أميركي منفرد. وأعرب عن موقف مماثل وزراء دفاع أوروبيون يشاركون في اجتماع غير رسمي في ريثيمنون اليونان. وشدد المفوض الأعلى للسياسة الخارجية للاتحاد الأوروبي خافيير سولانا على أن مجلس الأمن يجب أن يبقى الهيئة الوحيدة المخولة تسوية المسألة العراقية، معرباً عن أمله بأن يتوصل المجلس الى اتفاق. أما الأمين العام لحلف الأطلسي جورج روبرتسون فأعلن ان "المسألة ليست الآن من اختصاص الحلف بل الأممالمتحدة". وفيما اعتبرت فرنسا ان عودة المفتشين الى بغداد تبقى رهن قرار يصدره مجلس الأمن، انتقد ديبلوماسي روسي "محاولة واشنطن فرض وصاية على انموفيك". وقال رئيس لجنة الشؤون الخارجية في مجلس الفيديرالية الروسي ميخائيل مارغيلوف الذي يزور العاصمة الاميركية، انه تأكد عبر لقاءاته من ان الاميركيين "يعرفون مصالح روسيا في مجال النفط". وتابع ان موسكو تصر على ان "أي تغيير في بغداد يجب الا يسفر عن نظام أصولي اسلامي" ما يفيد بأن احتمال التغيير بات وارداً لدى القيادات الروسية. وكشف مسؤول بريطاني ان لدى حكومة توني بلير أدلة على وجود عناصر من تنظيم "القاعدة" في انحاء مختلفة من العراق وليس فقط في شماله، معتبراً ان "فكرة قتل الرئيس صدام حسين مفيدة، لكنها غير واقعية". ورفض ما يتردد عن وجود خطط جاهزة لشكل "حكومة ما بعد صدام"، علماً ان وزير الخارجية الاميركي كولن باول أعلن أمام المجلس التجاري الروسي - الاميركي ان واشنطن تجري اتصالات مع روسيا ودول اخرى، للتحضير اقتصادياً وأمنياً لمرحلة ما بعد صدام. ونقل عن المسؤول البريطاني قوله: "على أعضاء التحالف الدولي ان يتحملوا مسؤولية اقامة نوع من المرحلة الانتقالية نحو حكومة جديدة شرعية في العراق". وفي ظل تسريع الجهود الأميركية لتمرير قرار في مجلس الأمن يشدد القيود على العراق من خلال نظام صارم للتفتيش، بدأت بغداد تحركاً ديبلوماسياً في الخليج، فأوفدت وزير الخارجية ناجي صبري الى المنامة أمس، في بداية جولة ستشمل ايضاً الامارات وسلطنة عمان وقطر، ينقل خلالها رسائل من الرئيس العراقي. وأشاد الوزير بموقف البحرين "المؤيد لسيادة العراق وأمنه"، مؤكداً أن التهديد الذي تواجهه بلاده "موجه الى المنطقة كلها وأمن العالم".