خطا الرئيس جورج بوش امس خطوة جديدة باتجاه الخيار العسكري لحسم الازمة مع العراق، بعدما توافق زعماء مجلس النواب الاميركي على قرار يخوّل اليه استخدام القوة اذا كان ضرورياً و"لا يقيّد يديه". ووجّه بوش انذاراً الى الرئيس صدام حسين بأن لديه "وقتاً محدوداً" لنزع اسلحة الدمار الشامل، والا فان استخدام القوة ضد العراق يصبح حتمياً. وقال ان الولاياتالمتحدة وغيرها من الدول "ستعمل لمساعدة الشعب العراقي على تشكيل حكومة عادلة وبناء بلد موحد". راجع ص 2 و 3 و 4 ورغم تنديد الخارجية الروسية ب"الاستراتيجيات" الرامية الى "الالتفاف على مجلس الامن"، في انتقاد للضغوط الاميركية، اعطت موسكو مؤشراً واضحاً الى تراجعها مؤكدة استعدادها للنظر في مشروع قرار جديد يصدره المجلس ليجعل "عمل المفتشين في العراق اكثر فاعلية". اما وزير الخارجية البريطاني جاك سترو فأيّد دعوة نظيره الاميركي كولن باول الى قرار جديد لمجلس الامن قبل عودة المفتشين الى بغداد لأن نظام التفيتش الحالي "فاشل". ويستمع المجلس اليوم الى تقرير هانز بليكس رئيس لجنة الرصد والتحقق انموفيك عن محادثات فيينا مع الجانب العراقي، فيما اكدت مصادر غربية في نيويورك ان مذكرة التفاهم الخاصة بالقصور الرئاسية العراقية "ستوضع جانباً". واعلن الامين العام للامم المتحدة كوفي انان الذي وقّع المذكرة مع بغداد ان الامر يعود الى مجلس الامن ليبته. وقال الرئيس الاميركي الذي احاط به بعض اعضاء الكونغرس: "في بغداد سيعرف النظام الحاكم ان الاذعان الكامل لمطالب مجلس الامن هو الخيار الوحيد، وان الوقت المتاح محدود. على الرئيس صدام حسين ان ينزع اسلحته… انتهى الحديث، واذا اختار ان يفعل اي شيء آخر واستمر في تحديه قد يصبح استخدام القوة أمراً لا مفر منه". وشدد على ان احداً في الولاياتالمتحدة لا يرغب في خوض حرب، وجدّد تحذيره من عدم التحرك قائلاً ان "الطريق الذي ينبغي سلوكه قد يتطلب تضحيات، لكن المماطلة والتردد قد يسفران عن فظاعة مروعة، وسيمكننا اذا تحركنا بسرعة الدفاع عن انفسنا وضمان مستقبل يسوده السلام". وكان وزير الدفاع الاسرائيلي بنيامين بن اليعيزر تحدث عن بدء العد العكسي للهجوم الاميركي على العراق راجع ص 2 و3. في نيويورك برز عنصر "زناد البندقية" في مفاوضات الدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الأمن بوصفه "أحد أصعب أجزاء المحادثات"، بحسب مصدر غربي، اذ يشكل آلية الانتقال من الديبلوماسية الى العمل العسكري في العراق. ويستمع أعضاء المجلس اليوم الخميس الى تقرير بليكس عن محادثاته مع الطرف العراقي في فيينا والتي اسفرت عن موافقة بغداد على حرية وصول المفتشين الى كل موقع في العراق بلا ترتيبات مسبقة وبعمليات مفاجئة من دون التطرق الى القصور الرئاسية التي تحكمها مذكرة تفاهم بين الأمين العام للامم المتحدة كوفي انان والحكومة العراقية وصادق عليها مجلس الأمن. وقالت مصادر غربية ان المذكرة "ستوضع جانباً" ما يعني عدم استثناء القصور الرئاسية من التفتيش المفاجئ بلا انذار مسبق. وبقي موقف روسيا والصين غامضاً في هذا المجال، علماً ان موسكو ابدت استعدادها للنظر في كيفية تحسين عمل المفتشين، و"اتخاذ قرارات ضرورية اضافية". وصادقت فرنسا في مشروع قرار غير رسمي لها، على اهمية اعادة النظر في مهمات المفتشين وصلاحياتهم واعطاء صلاحيات جديدة بعد التشاور مع بليكس والمدير العام لوكالة الطاقة الذرية محمد برادعي. واعلن انان، الذي وقع مذكرة التفاهم عام 1998 مع نائب رئيس الوزراء العراقي طارق عزيز، ان "هذه المسألة عائدة الى مجلس الأمن. أقصد ان المجلس صادق على الترتيبات التي تم التوصل اليها، والأمر عائد الآن اليه. فهو سيد قراراته. وبإمكان اعضاء المجلس ان يقرروا ماذا يريدون ان يفعلوا". وفيما اكد ان بليكس يتصرف بموجب القرارات "الموجودة"، فتح الباب على توصيات أو قرارات جديدة من المجلس الذي يعطي تعليماته الى رئيس "انموفيك". وقال انان: "الى حين خروج المجلس بتوجيهات جديدة، بليكس موجه بموجب القرارات الموجودة، وعلى اساسها يرتكز تعامله مع العراقيين". وتسارع سباق الأمر الواقع بين قرار جديد لمجلس الأمن وبين موعد وصول فريق المفتشين الى بغداد بعد اسبوعين. وصدرت عن الادارة الاميركية مواقف مفادها انها لن توافق على عودة "انموفيك" والمفتشين الى بغداد على اساس التوجيهات والمرجعيات السابقة، وقال مسؤول اميركي اشترط عدم ذكر اسمه: "أولوياتنا انه لا يمكن انموفيك العودة بموجب المرجعيات القديمة، لذلك نصر على المرجعيات والتوجيهات الجديدة". لكن مسؤولاً بريطانياً اشترط عدم ذكر اسمه قال: "لن يحدث خلاف أو مواجهة بين بليكس واعضاء مجلس الأمن. الدول الخمس تعمل للحفاظ على وحدة مواقفها، وليس من مصلحة احد هندسة مواجهة بسبب موعد معيّن". وزاد: "لا احد يريد وقف احراز التقدم" في ملف نزع السلاح "انما الجميع يريد اتمام المهمة بالصورة الملائمة". وقال مسؤول غربي مطلع ان النقطة الاصعب في المحادثات ليست الاتفاق على توجيهات جديدة ل"انموفيك" ولا مصير مذكرة التفاهم المعنية بالقصور الرئاسية بل هي "زناد البندقية". وينطلق مشروع القرار الفرنسي من هذه الناحية لذلك تريد فرنسا قرارين لمجلس الامن، احدهما يتناول اعادة صوغ المهمة والتوجيهات ل"انموفيك"، والآخر يتناول عنصر المحرّك الذي من شأنه ان يعطي صلاحية استخدام القوة العسكرية. والموقف البريطاني ليس متطابقاً كلياً مع الموقف الاميركي، على رغم مشاركة بريطانيا في تقديم مشروع القرار الاميركي، اذ ان لندن لا تريد للقرار الجديد ان يكون اعلان حرب على العراق مهما فعل ولبى. ويريد بعض اعضاء مجلس الامن من الدول الدائمة العضوية ان ينحصر "زناد البندقية" في تقرير من هانز بليكس الى المجلس ينص على عدم اذعان العراق او تعاونه. وعبر وزير الخارجية الصيني زو رونغجي عن دعمه الاقتراح الفرنسي بمرحلتين وقرارين، وهناك مؤشرات الى أن فكرة هذا الاقتراح قد لا يكون مرفوضاً كلياً من الولاياتالمتحدة. لا صفقة وفي باريس التقى المستشار الالماني غيرهارد شرودر ليل امس الرئيس جاك شيراك، وناقشا الازمة العراقية، فيما اعلنت الخارجية الالمانية ان برلين قادرة على وضع 11 مفتشاً و3 اختصاصيين فنيين في تصرف لجنة الرصد والتفتيش انموفيك. وكان مصدر فرنسي اكد ل"الحياة" ان ما تقترحه الولاياتالمتحدة في شأن نظام التفتيش عن اسلحة الدمار الشامل في العراق "شديد القسوة" مشيراً الى ان هذه الاقتراحات تضرب عرض الحائط بكل ما تحقق في السابق. ونبّه الى ان واشنطنولندن تعتبران ان لا مفر من حرب ينبغي ان تؤدي الى تغيير النظام في بغداد، في حين ترى باريس ان الفرصة لا تزال سانحة لتسوية سياسية. وحذّر من ان اصرار واشنطن على قرار واحد يصدره مجلس الامن، اي يتجاوز الاقتراح الفرنسي باعتماد مرحلتين، سيؤدي الى انقسام بين اعضاء المجلس، وبعضهم سيمتنع عن التصويت ان لم يواجه مشروع القرار الاميركي "فيتو". موسكو لكن وزير الخارجية الروسي ايغور ايفانوف الذي نوّه بنجاح محادثات فيينا بين الجانب العراقي ورئيس "انموفيك" هانز بليكس، وشدد على التزام الاتفاقات السابقة مع بغداد في شأن عمليات التفتيش لم يستبعد امكان "النظر في ما اذا كانت هناك حاجة الى قرارات اضافية لزيادة فاعلية عمل المفتشين". واكد ديبلوماسي رفيع المستوى ل"الحياة" في موسكو ان روسيا تفضل تحاشي استخدام "الفيتو" ضد مشروع القرار الاميركي في مجلس الامن، في حين نفت مصادر رسمية احتمال عقد "صفقة" روسية اميركية تضمن حصة روسيا في نفط العراق في مقابل تراجعها عن معارضة خطط واشنطن لاطاحة الرئيس صدام حسين. وكان البارز في المواقف الغربية المعارضة لعمل عسكري اميركي ضد العراق من دون غطاء دولي، تحذير وزير الخارجية الكندي بيل غراهام، من ان اي هجوم من هذا النوع لن تكون له اي شرعية و"يخاطر بزعزعة استقرار النظام العالمي، وقد يدمّر صدقية الاممالمتحدة". ومن بلاكبول شمال غربي بريطانيا، حيث حضر المؤتمر السنوي لحزب العمال الحاكم، حذّر الرئيس الاميركي السابق بيل كلينتون من عواقب ضربة وقائية للعراق، معتبراً ان الرئيس صدام حسين "قد يستخدم" اسلحة الدمار الشامل "اذا اصبح في مواجهة هزيمة اكيدة".