سماها الاميركيون، "خريطة طريق"، كأنما هم الهادون الى واحة السلام والعيش الآمن الرغيد، وارسلوا الورقة مع مبعوثهم مساعد وزير الخارجية وليام بيرنز ليسوق ما يرجح ان تثبت الوقائع في الشهور المقبلة ان "الخريطة" الواعدة بدولة للفلسطينيين في غضون ثلاث سنوات لم تكتب بنودها وتسوق في هذا الوقت العصيب بالذات الا لتكون مخدرا لتهدئة العرب بينما تحشد الولاياتالمتحدة طاقاتها لضرب العراق وتدميره والسيطرة على ثرواته النفطية تمهيدا للتحكم باسعار النفط العالمية بما يتناسب مع مصالحها. ومن المثير للسخرية والكآبة معاً ان يستقبل رئيس الوزراء الاسرائيلي ارييل شارون حامل الورقة التي تسلم شارون نسخة منها في واشنطن حيث التقى الرئيس جورج بوش في وقت سابق من الشهر الجاري بتسريب مقربين منه انتقاداته لها واحتجاجه على كونها تتضمن جدولا زمنيا لتنفيذ مراحلها، على رغم علمه ان الخطة برمتها لن تنفذ وان خططه هو، ما يتعلق منها بالاستيطان وسرقة ما تبقى للفلسطينيين من اراض، هي التي تنفذ يوميا من دون اي اعتراض اميركي جدي، بل وبدعم اميركي بالسلاح والمال والغطاء السياسي. ويصر شارون، في المقام الاول، على شرط تعجيزي يستحيل معه ان تحرز اي خطة سلام اي تقدم، وهو ان تكون اسرائيل الطرف الذي يصدر للفلسطينيين شهادة "حسن سلوك" في الموضوع الامني وتقرر طول المدة التي ينبغي، من وجهة نظرها، ان يظل الفلسطينيون خلالها مذعنين وخاضعين للاحتلال الاسرائيلي بكل تجلياته الهمجية وما فيه من صنوف القتل والاعتقال والحصار والتجويع. وبعبارة اخرى، فان شارون واركان حكومته لا ينظرون الى الصراع مع الفلسطينيين كصراع بين شعب يقاوم الاحتلال، وشعب آخر طامع في التوسع على حساب الاخرين ومصمم على اخضاعهم، بل وتهجيرهم - كما تبين اول من امس عندما رفض البرلمان الاسرائيلي مشروع قانون لمنع احزاب تنادي بال"ترانسفير" من المشاركة في الانتخابات- وانما يعاملون الفلسطينيين كما لو كانوا "متمردين" او "ارهابيين" منشقين عن بلد ذي حكومة مركزية ترى ان "سيادتها" تمتد ليس فقط على اقليمها التي انطلق منه جيشها المحتل، وانما ايضاً على الاراضي الذي احتلها. ان الولاياتالمتحدة التي تتصرف كامبراطورية لها قوة عسكرية طاغية ونفوذ ساحق في العالم، ليست بعاجزة عن الزام اسرائيل، المحتاجة الآن الى ضمانات قروض لسد العجز في موازنتها الناجم عن حربها على الفلسطينيين، بتنفيذ قرارات مجلس الامن. ولكن الانحياز الاميركي الواعي والمتعمد، وليس الاعمى، كما اعتدنا ان نقول، سيظل مستمراً مثلما استمر على مدى العقود الماضية. من هنا فان السذج وحدهم يمكن ان يروا ان واشنطن جادة في حل الصراع العربي - الاسرائيلي حلا عادلا او ان الحرب على العراق سيعقبها سلام. اما اذا كانت اميركا تقبل بان تكون "خريطة الطريق" تحت مظلة "الرباعية الدولية" فعلياً وليس بالاسم فقط، فعندئذ يمكن التفاؤل، بحذر، بإمكان وقف مد التوسع الاسرائيلي وقيام دولة فلسطين.