المتابع لنتائج الانتخابات النيابية والبلدية البحرينية الأخيرة، يمكنه القول إن الإسلاميين "السنة"، خرجوا خاسرين، بشكل عام، في تياراتهم السياسية، لا - كما يقال - لأن جمعية الوفاق الوطني الإسلامية استحوذت على مقاعدهم، أو أن جمعية العمل الديمقراطي "وعد" استطاع اثنان من مرشحيها الثلاثة الترشح لجولة ثانية من الانتخابات، سقطوا فيها تاليا، بل لأن أبناء الحركيين الإسلاميين السنة، اختلفوا فيما بينهم، ودخلوا في تنافس قوي، لتبدأ العملية السياسية البحرينية منعطفاً مختلفا، إبان دورة مجلس النواب الجديدة، حيث أسفرت نتائج عملية فرز الأصوات النهائية في الدورتين الأولى والثانية من الانتخابات النيابية والبلدية، عن اكتساح كبير لجمعية الوفاق الوطني الإسلامية "شيعية" ب18 مقعدا من أصل 40، وتقدم ملحوظ للمستقلين، وتراجع كبير لخط الإسلام السني السياسي بكتلتيه، حيث حازت جمعية الأصالة (سلفيين) على 4 مقاعد من أصل 8 مقاعد في الدورة السابقة، أي نصف العدد، فيما حصلت جمعية المنبر الوطني الإسلامي (إخوان مسلمين) على 3 مقاعد من أصل 7 مقاعد، في الدورة الانتخابية الماضية. تنافس شرس وفقاً لوكالة الأنباء الفرنسية فإن الجولة الثانية من الانتخابات، شهدت منافسة شديدة بين مرشحين من جمعية المنبر الوطني الإسلامي، التي لم يفز أي من مرشحيها الثمانية في الجولة الأولى لهذه الانتخابات، ومرشحين من جمعية الأصالة، في خمس دوائر انتخابية. حيث أوضحت وكالة الأنباء الفرنسية أن "الأيام الماضية شهدت تحركات حثيثة للمرشحين، لرسم خريطة تحالفات انتخابية جديدة، أسفرت عن اتفاق بين الإخوان المسلمين والسلفيين، على دعم وصول رئيس المنبر الإسلامي عبداللطيف الشيخ، ورئيس جمعية الأصالة غانم البوعينين، وترك نتيجة بقية الدوائر التي يتنافس فيها التياران للحسم من جانب الناخبين". لكن صحيفة "الأيام" البحرينية، كشفت عن أن الاتفاق بين الجمعيتين قد انهار، ونسبت إلى رئيس جمعية الأصالة غانم البوعينين قوله إن "جمعية المنبر نكثت بالاتفاق بين الجمعيتين، لتبادل الدعم لرئيسي الجمعيتين في الجولة الثانية". اتهامات للوفاق عضو الأمانة العامة للمنبر الإسلامي عدنان العثمان، وفي تعليق خاص إلى "الوطن"، اتهم أطرافاً في الحكومة البحرينية، وجمعية "الوفاق"، بالوقوف وراء استثمار الخلافات بين الإسلاميين السنة، مدعيا أن "جمعية الوفاق تقاربت مع السلفيين لمصالحها السياسية، في إسقاط مرشحي المنبر، في عدد من الدوائر". واستشهد العثمان ب"تجيير الوفاق لأصوات ناخبيها، لإسقاط مرشح المجلس الدكتور عبداللطيف آل الشيخ، لحساب مرشح جمعية الأصالة السلفية، علي الزايد"، معتبرا أن "حالة التأزم بين المنبر والأصالة، ستستمر لفترة بسيطة، باعتبار أن خصوصية البحرين، يجب أن تدفعهم للتنسيق داخل قبة البرلمان". وفيما يتعلق بالطرف الحكومي، اعتبر العثمان أنه "كان التعويل الإعلامي ينصب لخانة المرشحين المستقلين (17 مستقلا)، لتغيير قواعد اللعبة السياسية في مجلس النواب البحريني". مشددا على أن هناك عملية مراجعات ستتم على كافة الأصعدة، لبحث أسباب الإخفاق، التي ستكون بداية لمرحلة سياسية جديدة. مجرد ادعاءات إلا أن القيادي البارز في "الوفاق"، وأحد المرشحين لترؤس كتلتها البرلمانية، خليل مرزوق رفض اتهامات "المنبر"، وفي تصريح خاص إلى "الوطن"، اعتبرها "نوعا من المهاترات السياسية، والتغطية على الضعف في الأداء، خلال الأربع سنوات الماضية"، مضيفاً "لم نجير أصوات ناخبينا لصالح السلفيين إطلاقاً. لكن الجمهور يعرف من خذله في تقديم الرعاية والخدمات والمسؤولية، ونحن ضد المزاجية السياسية". نفي "الوفاق"، حاولنا التثبت منه عبر الاتصال بأكثر من قيادي ومسؤول بجمعية "الأصالة"، إلا أنه لم يتسنَ لنا ذلك. ضعف الأداء حديث النائب مرزوق السابق، خالفه في بعض تفاصيله الصحفي والناشط السياسي البحريني، علي مجيد، مؤكدا وجود معلومات من مصادر وصفها ب"الموثوقة"، عن توجيه "الوفاق" لقاعدتها الانتخابية، بالتصويت لصالح المرشحين السلفيين، و"هي أصوات ليست بالقليلة" بحسب ما توفر لديه من معطيات. إلا أنه وأثناء حديثه مع "الوطن"، اعتبر أن "الأداء النيابي للمنبر الوطني الإسلامي، لم يكن مشجعاً. حيث أدلجوا المطالب النيابية في المجلس، لصالح أهداف حزبية لا شعبية". وحمّل من جهة أخرى المنبر الإسلامي، مسؤولية عدم التنسيق مع "الأصالة" في الانتخابات الأخيرة، قائلاً "قبل يوم واحد من انتخابات الإعادة، رفض قطب المنبر البارز عبداللطيف آل الشيخ، التنسيق مع الأصالة، التي ذهبت بفضل الأصوات الشيعية والسنية الكبيرة لصالح مرشح مستقل، محسوب على السلفيين، وهو علي الزايد". معتبرا أن الخلاف بين الجمعيتين "لم يكن وليد الانتخابات الأخيرة، لكنه خلاف قديم في ظل تبادل الاتهامات بين الجانبين"، التي تتمحور في "الانتهازية والتسلق عبر المجلس النيابي". توجه جديد وفيما يتعلق بما أثاره عضو "المنبر" عدنان العثمان، من وقوف أطراف حكومية وراء إضعاف جمعيته، أبانت لنا الكاتبة السياسية البحرينية ريم خليفة، عن أن "هناك قوى سياسية في الحكومة، أرادت أن يكون هناك شكل معين للمعارضة السياسية في مجلس النواب، يغلب عليها الطابع الشيعي، والليبرالي المكون من السنة والشيعة"، مضيفة "في فترات ما، كان هناك دعم حكومي للإخوان (المنبر)، إلا أن هذه القوى بدأت تنظر للأمور بنظرة أخرى مغايرة، خاصة بعد وقوف الأخيرة، وإثارة مشاكل تتعلق بالخمور والسهرات الغنائية، فعدلت من تكتيكها السياسي، لتدعم المستقلين، وتجعلهم رقماً صعباً، وفق معادلة جديدة داخل المجلس". تجاهل الشارع بحسب تقرير إخباري نشره موقع "الجزيرة.نت"، تحدث فيه على لسان المرشح الخاسر، وعضو جمعية "الأصالة" سابقا صلاح الجودر، معتبرا أن "الجمعيتين حديثتا التوجه السياسي، ولم تضعا رؤية سياسية للعمل البرلماني، منذ العام 2002، رغم خبرتهما الطويلة في ميدان العمل الخيري"، مشددا على "إمكانية خروجهما من الساحة السياسية، في حال الاستمرار على هذه الحال". معتبرا كذلك أن "الطرفين لم يتعاملا بشكل جدي مع أغلب القضايا التي تمس المواطن البحريني، سواء السني أو الشيعي، وذلك للنأي عن الاصطدام مع الحكومة، حتى لو كان على حساب تحقيق إنجاز للمواطن"، مؤكد أن "أداء الطرفين في الملفات السياسية، ومجال الخدمات، لم يقنع الشارع السني، المتميز بدرجة عالية من الوعي"، إضافة لبقاء نفس الوجوه، وعدم منح الفرصة للصف الثاني من الكوادر، وهو ما دفع الناخب السني للبحث عن البديل، الذي وجده في المرشح المستقل. تحول مفصلي إلا أن التحول الأساسي الذي حدث في العلاقة بين طرفي العملية السياسية السنية في البحرين، رصدته دراسة حديثة صدرت عن مركز المسبار للدراسات والبحوث، في أغسطس الماضي، يفسر تناقض العلاقة الحالية، حيث يشير إلى أن "جمعيتي "المنبر" و "الأصالة"، قد استشعرتا الخطر الماثل في قبول جمعية "الوفاق الوطني الإسلامية"، الدخول في المعترك النيابي في 2006، بعد مقاطعتها الانتخابات في 2002، وهذا المتغير على الساحة السياسية، دعا إلى أن يرمي الطرفان صراعاتهما في البيت السني جانباً، ويتحالفا للتنسيق في بعض المناطق الرخوة، التي شكلت قلقاً من إمكانية خسارتهما، وهو ما جعل المنبر يكسب أصواتاً إضافية في مناطق ليست خالصة له، بينما وضع مناصرو المنبر ثقلهم وراء بعض المرشحين السلفيين، لئلا يفوز بالمقعد من هو أبعد من إمكانية التحالف معه، وخصوصاً في المنحنيات الحساسة في المجلس". إلا أن السؤال الذي يطرح نفسه، هو: ما الذي حدث ليتحول قطار "المنبر" و"الأصالة" عن وجهته التحالفية، وسكة التنسيق، ويصل إلى حالة الخصومة والعداء السياسيين؟ أسباب الخسارة وعن الأساب التي أدت لتراجع عدد نواب الجمعيتين، تشير الكاتبة السياسية ريم خليفة إلى أن "خسارة الإسلام السياسي البحريني للانتخابات، تعود إلى عوامل داخلية وخارجية. ففيما يتعلق بالعامل الداخلي، فالمشهد السياسي البحريني أضحى ناضجاً مقارنة بتجربة 2006 النيابية، خصوصا في عملية الاختيار، كما أن الأداء السياسي للإسلاميين في المجلس كان ضعيفاً، مقارنة بالموروث السياسي القوي والقديم للقوى اليسارية، منذ منتصف القرن الماضي. أضف إلى ذلك شخصنة التجربة السياسية لجمعياتهم فقط". أما فيما يتعلق بالعامل الخارجي، فتقول "إن هيمنة الإسلاميين على مستوى الخارطة العربية بدأ في التراجع الكبير، وذلك بقناعة الناس في التفكير بحركات أخرى مغايرة" حسب وجهة نظرها. إلا أنها من جهة أخرى، أكدت أنه "كانت هناك مواقف متقاربة بين الأصالة والوفاق، في كثير من الملفات الحساسة الحيوية للمواطن البحريني، كالفساد، والإسكان، والأراضي، وهو ما جعل المنتخبين يرجحون كفة نواب الأصالة على المنبر"، مبينة أن "توجه المنبر الإسلامي في طرح القضايا الحيوية، كان سلبياً في كثير من الأوقات". الافتقاد للموجه الشعبي قراءة أخرى للحدث، يقدمها الكاتب غسان الشهابي، حيث يرى أن "الأوساط السنية تفتقر إلى وجود الفقيه، الذي يوجه الناس بوجوب المشاركة أو عدمها، كما هو الحال في الشارع الشيعي". معتبرا أن "الناخب في البحرين عموما، لم يستوعب العمل البرلماني، وهو يبحث دائما عن مكاسب ملموسة"، لافتا إلى أن "تعدد الدوائر يدفع النائب إلى العمل فقط لدائرته، ويركز على الملفات الخدماتية، خشية عدم انتخابه مرة أخرى، ويهمل الدور الرقابي والتشريعي". معتبرا أن "هذا التداخل ينم على قصور سياسي في الجمعيتين"، مستبعدا انعكاس الاحتقان الحالي بين "الأصالة" و"المنبر" بشكل حادي وسلبي داخل البرلمان. وجهة نظر الشهابي السابقة، اختلف معه فيها الصحفي علي مجيد، الذي يرى أن "المجتمع السني البحريني بتكويناته الداخلية، مجتمع متمرد على جمعيات الإسلام السياسي، ومجتمع لا يقبل وصاية أو مرجعية، مثل ما هو حاصل في الدوائر الشيعية، الملتزمة بقرار المرجعية وتوجيهاته". التداعيات السياسية وفيما يتعلق بالتداعيات على الساحة السياسية البحرينية، أوضح الصحفي حسام العطيفي، أن هذه التداعيات بدأت ما قبل الانتخابات، وتمثلت في "التأزم والاحتقان في الشارع السني البحريني"، التي ألقت بظلالها وفقاً لحديثه إلى "الوطن"، على "اختلال كبير في التركيبة البرلمانية". فبعد أن كانت "المنبر" و"الأصالة" قوة كبيرة بتنسيقهما في المجلس في مواجهة "الوفاق"، تغير التوزيع السياسي الحالي، ليصبحا أقلية داخل المجلس. ويتوقع العطيفي أن "تسعى القوى داخل المجلس إلى بناء تكتلات خاصة قبل الوفاق، تهدف إلى استقطاب الإسلاميين لصالحهم، باعتباره الصوت الحاسم في القضايا الجدلية، التي لا يحسم فيها لكثرة المعارضين". إلا أنه اعتبر أن "التركيبة الحالية للجمعيتين، لا تسمح لهما بطلبات الاستجواب لأي وزير حكومي".