وصف رئيس الجمهورية اللبنانية اميل لحود القمة الفرانكوفونية بأنها حدث "تاريخي" للبنان، وزاد نظيره الفرنسي جاك شيراك بالقول إنها الحدث الثاني بعد القمة العربية. فصحيح أن تنظيم قمة الفرانكوفونية حدث يستدعي الاشادة بجميع منظميه وفي طليعتهم وزير الثقافة اللبناني الدكتور غسان سلامة، وأيضاً الناطق الرسمي باسم القمة الدكتور شارل رزق الذي مارس مهمته ببراعة وروح عملية، بعيداً عن اللغة الخشبية العادية وآثار بذلك اعجاب الصحافيين الأجانب. لكن هذه القمة كانت اتخذت طابعاً تاريخياً بالفعل لو أن لبنان قرر للمناسبة اظهار تمسكه بمبادئ الفرانكوفونية من حريات وحقوق إنسان. ولو أن لبنان استفاد من هذه الفرصة وأعلن عن اطلاق سراح بعض المعتقلين، مثل زميلنا في "الحياة" حبيب يونس، الذي كان حاضراً في أذهان جميع الصحافيين الأجانب الذين غطوا القمة. ولو قرر إعادة فتح قناة تلفزيون "ام تي في" وإعادة موظفي القناة الأربعمئة إلى عملهم، وانقاذهم من البطالة نظراً إلى ندرة فرص العمل في لبنان وصعوبة أوضاعه الاقتصادية. فلو تحقق ذلك، لكانت استكملت الصورة الجيدة التي ارادت الطبقة السياسية اعطاءها عن لبنان. فعندما تحدث البطريرك الماروني نصرالله صفير مع وزير التعاون الفرنسي بيار اندريه ويلذر، فإنه شكا من نزوح خطير للشباب اللبناني إلى الخارج، ومن سلب الحريات ومن تدخل سورية في المسائل الأمنية، ومن تحول "حزب الله" من حزب حرر الجنوب، إلى سلطة سياسية باتت بمثابة دولة ضمن الدولة. فالمصالحة الحقيقية في لبنان لن تأتي إلا عبر الحرص على الحريات وعلى احترام حقوق الإنسان. وبدلاً من الاكتفاء بكون قمة الفرانكوفونية قد "مرت على خير" وأثبت لبنان عبرها قدرته على استضافة أحداث كبرى، فإن السلطات اللبنانية أقدمت غداة القمة على اغلاق محطة "ام تي في" نهائياً. وشكل هذا القرار خطأ فادحاً، إذ أنه يتنافى مع كل مبادئ الفرانكوفونية وتلك التي أكدها شيراك في لقائه مع نظيره اللبناني. فلبنان يعاني الآن من ظروف اقتصادية صعبة جداً على رغم الجهود الدولية التي تقوم بها فرنسا لعقد مؤتمر "باريس 2" بهدف مساعدته. وينبغي على الطبقة السياسية اللبنانية على الأقل أن تتمسك ببقاء شبابها في البلاد وتضمن له حريته وحقوقه في ظل الظروف المعيشية المأسوية. وشيراك يريد فعلاً أن ينعقد "باريس 2" قبل الضربة الأميركية على العراق، ومن المحتمل أن ينعقد هذا المؤتمر في نهاية تشرين الثاني نوفمبر المقبل، إذا سمع منه رئيس مجلس النواب نبيه بري وصوّت على قانون الموازنة الجديدة قبل نهاية السنة. فلبنان يستحق المساعدة، ولكن الأهم هو أن يساعد لبنان نفسه ويحافظ على شبابه ويضمن له حرياته واحترام حقوقه.