أبشع صورة أعطاها لبنان أخيراً عن نفسه الى الخارج عبر حملة الاعتقالات التي طاولت أيضاً الزميل الصحافي في أسرتنا حبيب يونس. فما من صحافي غربي من كبار الصحف العالمية الا واتصل ب"الحياة" مستنكراً وشاجباً. وما من مسؤول في أوروبا والولايات المتحدة إلا واتصل ليستوضح ويشجب. وصحيفة "لوموند" الفرنسية علّقت وانتقدت لبنان على هذه الخطوة في افتتاحيتها اليوم. فلمَ القيام بمثل هذه الحملات ولبنان يستضيف قريباً حدثاً كبيراً ومهماً هو القمة الفرانكوفونية؟ ولماذا يُمس بالحريات وحقوق الانسان أمام مجتمع دولي يعلّق أهمية كبيرة على احترامها؟ وهل أن لبنان لا يستحق ولا يحتاج الى مساعدة الخارج. القمة الفرانكوفونية التي ستعقد في لبنان في تشرين الأول اكتوبر المقبل، ليست مجرد لقاء بروتوكولي يجمع رؤساء دول عدة من بينها كنداوفرنسا، وانما هي اطار سياسي متمسك بمبدأ الحفاظ على الحريات واحترام حقوق الانسان في هذه الدول. ولبنان سيرأس القمة. فما معنى أن تشوّه صورته قبل انعقاد القمة وأمام الرأي العام الغربي. فللبنان تقليدياً سمعة في العالم بأنه أكثر انفتاحاً وحرية في الشرق الأوسط، لكن ما حصل في غضون أيام قليلة أساء الى هذه السمعة. كيف للبنان ان لا يبالي بملاحظات البابا يوحنا بولس الثاني الذي طالب السلطات اللبنانية بأن تبدي حساً بالمسؤولية وبأن لا تضحي بقيم الديموقراطية والسيادة الوطنية في مقابل مصالح سياسية زائلة. وهل أن المسؤولين في لبنان لا يهتمون فعلاً بالتحرك الذي قامت به سفيرة بلجيكا في لبنان باسم الاتحاد الأوروبي عندما زارت الخارجية اللبنانية اثر الاعتقالات لتأكيد حرص الاتحاد الأوروبي على احترام حقوق الانسان والديموقراطية. وهل أن لبنان غير مهتم حقاً بالمواقف التي أعلنتها باريس عبر وزارة الخارجية، ومنها ما اعلن بالامس بأن "الطريق الوحيد لكي يتجاوز لبنان المصاعب التي يواجهها هو طريق الحوار والمصالحة والديموقراطية".. لا يحتاج لبنان، الذي يعيش أزمة اقتصادية خطيرة ومخيفة، الى مثل هذه الصورة البشعة في الخارج. بل ان سعيه الى الحصول على مساعدة ودعم دوليين وعلى الصعيدين الاقتصادي والسياسي الاقليمي، يوجب عليه أن يتصرف باتزان لئلا يعطي صورة متناقضة عن طبيعة نظامه، فكل الدول تهتم بأمنها وليست كل الدول تسيء الى سمعتها في حفاظها عن أمنها. ولبنان في غنى عن اتهامات بكبت الحريات والمس بحقوق الانسان خصوصاً وأنه يتمتع بجاذبية لا ينكرها العرب والأجانب الراغبون في مساعدته، ولكن عليه أن يساعد نفسه أيضاً. ونذكر هنا، للمناسبة، ان الفريق الصحافي الذي سيرافق الرئيس الفرنسي الى القمة الفرانكوفونية في بيروت يتضخم باستمرار، لأن الصحافيين يتنافسون من أجل زيارة لبنان، لكن أنباء اعتقال الصحافيين لها وقع بالغ السوء عليهم. يجب أن تصحح هذه الصورة البشعة التي هيمنت في الأيام الأخيرة. ولعل المسؤولين في لبنان يتعلمون درساً من زيارة الرئيس السوري بشّار الأسد الى فرنسا في حزيران يونيو الماضي، فهو اهتم بالرأي العام الخارجي ونجح في اعطاء صورة جيدة عن شخصيته وتوجهاته، ولا يزال يحاول تغذية هذه الصورة والحفاظ عليها. رندة تقي الدين