ولماذا كوريا الشمالية لا؟ هل يضغط الرئيس جورج بوش على الأممالمتحدة لارسال فرق تفتيش إليها، وتدمير "ترسانتها" النووية؟ ولماذا إسرائيل لا والنقب لا؟... والعراق وحده هو القادر على "زعزعة أمن العالم"؟ وقد تطرح بغداد تساؤلات من نوع: ولماذا نظام الرئيس صدام حسين دون غيره على رأس القائمة الأميركية للقادة الذين يسميهم بوش "أشراراً"؟... أو يتساءل بعض العرب عما إذا كانت سجون بغداد وحدها تحتكر سمعة دوس حقوق الإنسان واذلاله وتعذيبه، أو هل ينفرد العراق - النظام بإلغاء أي معارضة أو أي صوت آخر لتبقى الأصوات دائماً معه مئة في المئة. أسئلة اجاباتها معروفة، حتى لدى الأميركيين الذين لا يستطيعون اقناع أحد ببراءة أهدافهم، فيما تحالفهم الأعمى مع إسرائيل المتنصلة من أي اخلاقية، لا يصب إلا في طاحونة تأجيج العداء لهم وتوسيع "قواعد" المتطرفين على امتداد العالم الإسلامي الذين يحاربون بسيف الكذب الأميركي. ولا يمكن أحداً أن يتهم الذين رفعوا صوتهم في مجلس الأمن، بعدما "أحرجتهم" جنوب افريقيا، بأنهم حلفاء لصدام أو متعاطفون مع نظامه، لكن الكارثة أن تبقى إدارة بوش صماء، منقادة إلى جبروت القوة مع عراق ضعيف مفكك، منكفئة أمام أقوياء مثل كوريا الشمالية، بل تعرض حواراً معها فيما تعدّ القنابل الذكية والغبية لتدمير النظام العراقي من دون حساب لفاتورة الأبرياء. ليس دفاعاً عن صدام، ولن تأتي لحظة واحدة تبدد شكوك جميع العرب في نيات نظامه الذي أرغم شعبه على دفع فاتورة باهظة على مدى عقدين... شعبه الذي يستحق حياة أفضل، لن تكون أفضل بالمطلق إذا فُصّلت على مقاييس "الأمن القومي الأميركي"، وحاجة الولاياتالمتحدة لنفط رخيص، ولتطويق إيران، والضغط على دول الخليج وفرض نظام أمني في كل المنطقة العربية، لتتكيف مع متطلبات "الحرب الكونية على الإرهاب". ليس دفاعاً عن صدام، ولكن هل يمكن بوش الدفاع ولو للحظة عن سجل شارون الذي لم يعد يرتوي بالمجازر، فيما واشنطن صماء، متى أرادت لا تسمع شلال الدماء في الضفة الغربية وقطاع غزة، وتنسى حقوق الإنسان في فلسطين؟... وكيف يمكن الأمين العام للأمم المتحدة كوفي أنان أن يدافع عن حماسته ل"ارغام العراق على الاذعان" للشرعية الدولية، بعدما انكفأ "خجولاً" صامتاً أمام دفن إسرائيل لجنة التحقيق في مجازر جنين، وكان الأولى به أن يتنحى بدلاً من السكوت على فضيحة تشييع تلك الشرعية بكفن أميركي، وتحويل هيئة الأمم إلى شاهد أعمى. في "المعسكر" الآخر، قادت فرنساوروسيا بنجاح، ديبلوماسي، معركة لجم "الحرب على العراق"، لكنه ليس فوزاً مطلقاً لهذا البلد، وليس أبدياً. روسيا التي خانها الوعد الأميركي ب"جنة" الشراكة مع عمالقة الغرب الصناعي، استيقظت على القواعد العسكرية الزاحفة من الولاياتالمتحدة إلى قلب آسيا الوسطى، لا تريد أن يكمل بوش الطوق على خاصرتها من الجنوب. وفرنسا التي راهنت على عودة أميركا إلى الصواب بعد بركان غضب 11 أيلول سبتمبر، هالها أن تبتلع "إدارة الخير" كل المنطقة العربية ومصالحها، فيما تربك الغرب الأوروبي بعقدة النقص حيال التفوق العسكري الهائل للولايات المتحدة. بوتين استدرك تردده للحاق بركاب شيراك، لكن الامتحان الأخير لم يبدأ بعد. فكلمة "السر" في البيت الأبيض والبنتاغون هي أن "الدفاع عن الشعب الأميركي" وحده العامل الحاسم في قرار اللاتراجع عن المواجهة "الأخيرة" مع صدام. لشيراك وبوتين حق الدفاع عن الشرعية الدولية، ليبقى لصوت روسياوفرنسا صدى في مصير العالم، بما فيه العراق، أما بوش فله كل الشرعية الأميركية لخوض حرب. وإذ ذاك لن يسأل الجميع عمن يدافع عن الشعب العراقي، ومصالح العراق والعرب.