وصلت المرأة العربية منذ سنوات طويلة الى كرسي القضاء، وكانت المملكة المغربية أول دولة عربية تمنح المرأة هذا الحق الذي يعد حقاً دستورياً. ووصلت المرأة العربية في سلك القضاء الى مناصب متقدمة ورئاسة محاكم رفيعة المستوى، وبلغت نسبة النساء في السلك القضائي في بعض الدول 55 في المئة من شاغلي هذه المناصب. ومن المفارقات ان تظل المرأة المصرية محرومة من شغل منصب قاض حتى القرن ال21 على رغم عدم وجود أي سند دستوري ولا قانوني ولا شرعي يحرمها من ذلك. في ظل وجود كفايات جديرة بتبوء مناصب قضائية، ما زالت قيادات العمل النسائي في مصر تسعى وتطالب بهذا الحق الدستوري وتحاول تفنيد الحجج والادعاءات بعدم مقدرة المرأة على تولي هذا المنصب. وفي هذا الاطار جاءت دعوة رابطة المرأة العربية الى مؤتمر "المرأة العربية وسنوات في كرسي القضاء". وقالت رئيسة الرابطة هدى بدران ل"الحياة" إن حرمان المرأة في مصر من منصب القضاء أمر لا يستند الى أسس موضوعية ولا يسانده فقه ولا قانون، وتختلق المبررات غير المنطقية لمنع المرأة المصرية من الوصول الى حقها الشرعي والقانوني والانساني في تبوء مناصب القضاء. لا مانع دستورياً ولا شرعياً وطرحت استاذة القانون ورئيسة اللجنة التشريعية في مجلس الشعب ورئيسة تلك اللجنة في المجلس القومي للمرأة فوزية عبدالستار الاطار القانوني والتشريعي الذي يفيد بوضوح عدم وجود أي سند قانوني لمنع المرأة المصرية وحرمانها من تولي منصب القضاء، وأوضحت قائلة: "بالعودة الى الدستور المصري نجد نصاً صريحاً بأن المواطنين أمام القانون سواسية، وبالتالي فإن حرمان المرأة من المناصب القضائية اخلال صارخ بمبدأ المساواة الدستوري. وتكفل المادة 11 من الدستور المصري للمرأة التوفيق بين واجباتها الاسرية وواجباتها العامة، وتساويها بالرجل في جميع ميادين العمل من دون الإخلال بأحكام الشريعة الاسلامية. أما قانون السلطة القضائية ذاته فلا ينص على شرط الذكورة ولا يتعارض مع الدستور". أما التحفظ المذكور في النص أي "من دون إخلال بالشريعة الإسلامية"، فهو أمر مقبول، ولكن ماذا تقول الشريعة الإسلامية في هذا الشأن؟ النصوص القرآنية والسنّة ليس فيها نص يمنع اشتغال المرأة في القضاء، فالقاعدة هي الإباحة. الفقه للمرأة في صدر الاسلام وأوضحت عميدة كلية دار العلوم وعضو مجلس الشعب زينب رضوان ان آراء الفقهاء انما هي آراء اجتهادية، وقالت: "هذه الآراء حققت مصلحة مجتمعهم ونحن غير ملزمين الاخذ بها إلا بما يحقق فائدة المجتمع الذي نعيش فيه طالما لم تتعارض مع النصوص القرآنية الصريحة أو مع السنّة النبوية الشريفة". وأضافت أن المرأة في صدر الاسلام كانت تقوم بدور "المفتي"، وهو دور أصعب من دور القاضي، لأن الفتوى تخرج برأي جديد غير موجود، أما القاضي فيستند الى علم قائم وقانون ودستور، فاذا كانت المرأة منحت دور المفتية أفلا يسمح لها بدور القاضي؟ مطلوب حركة نسائية وطالبت الكاتبة فتحية العسال بحركة نسائية واعية للضغط على المسؤولين لإصدار قرار بتولي المرأة المصرية منصب القاضي من منطلق الحق الدستوري وأن يقف المجتمع بوعي وثقافة لتصل المرأة الى مواقع صنع القرار، وناشدت العسال صدور قرار سريع في هذا الشأن. وعبّر استاذ العلوم السلوكية في جامعة الاسكندرية الدكتور عادل ابو زهرة عن روح الاحباط والاكتئاب التي تصيبه عند التحدث عن وضع المرأة في مصر، بخاصة حرمانها من تولي منصب القاضي الذي تولته قريناتها في الكثير من الدول العربية، على رغم ان المرأة في العصر الفرعوني كانت ملكة وحاكمة وكاهنة وكبيرة اطباء وغيرها من المكانات الرفيعة العالية في المجتمع. ورفض ابو زهرة الادعاء أن طبيعة المرأة توافق أعمالاً دون غيرها وقال: "المرأة ليست لها طبيعة خاصة تختلف عن طبيعة الرجل. فالطفل ينتج من هرمونات ذكرية وأنثوية، فاذا غلبت تلك الذكرية على الانثوية صار ذكراً والعكس، أي أن داخل كل رجل امرأة وداخل كل امرأة رجل". خبرات حية ومن واقع عمل المرأة العربية كقاضية وصلت الى أعلى الدرجات تحدثت قاضيات عربيات عن تجربتهن العملية التي توضح جلياً عدم صحة الادعاءات بعدم مقدرة المرأة على تولي منصب القاضي. وقالت ل"الحياة" القاضي تغريد حكمت التي عينت أول قاضية في المملكة الاردنية عام 1996 والتي رشحت الآن لعضوية المحكمة الجنائية الدولية لمجرمي الحرب أن وصول المرأة الى أي موقع من مواقع صنع القرار في الاردن يترافق دائماً مع قرار سياسي، ما يثبت ان القيادة السياسية في دولتها متقدمة على الرأي العام الاجتماعي وتقوده حركات التنوير ودعم مراكز صنع القرار، ولولا ذلك ما كانت المرأة قادرة على تحقيق ما أنجزته. وأضافت حكمت أن حلم شغلها منصب القاضي راودها منذ أن اشتغلت بالمحاماة عام 1982 وعزمت أن تكون أول قاضية في الاردن متى أتيح للمرأة ذلك. ولفتت حكمت الى أنها ظلت نحو 14 عاماً تعد نفسها من خلال حضور المؤتمرات والمحافل الدولية وتحضير الابحاث ومحاضرات التوعية القانونية والمشاركة في تعديلات القوانين التي تشكل تمييزاً ضد المرأة والحضور اليومي المستمر أمام المحاكم والمرافعة، وهذا يدل الى أن المرأة تبذل عشرة اضعاف الجهد الذي يبذله الرجل اذا ما ارادت الوصول الى أي منصب، "ومع ذلك لم أصل إلا بقرار سياسي من الملك بضرورة دخول المرأة الى السلك القضائي". وحول موقف المرأة كقاضية من قضايا العنف ضد المرأة وحماية الاسرة والبصمات الانسانية، قالت حكمت: "إن وجودي في القضاء كامرأة كان من الواجب أن يترك بصمة انسانية، واستطعت بناء القدرات المؤسسية للعاملين في قضايا العنف الاسري من القضاة والمدعين والمحامين ورجال الشرطة والحكام الإداريين والاطباء الشرعيين في كيفية التعامل مع هذه القضايا، وذلك بمعالحة التباينات الاجتماعية بطريقة حديثة معتمدة على حقوق الانسان، وبما يتسق مع ثقافتنا العربية والاسلامية في معالجة القضايا ومرتكبي الاساءات من خلال استخدام التقنيات الحديثة بتصوير شهادات الضحايا والشهود بواسطة الفيديو للتخفيف من الانعكاسات النفسية لتكرار الشهادة امام الشرطة والمدعي العام والقاضي لمرات عدة عند تأجيل القضايا، كما بدأنا الآن نبحث في "أنسنة القوانين"، أي التعامل معها بإنسانية مثل البحث عن عقوبات بديلة للعقوبات السالبة للحريات في قضايا العنف الأسري، التي يعتبر فيها عقاب الجاني بالحبس مثلاً عقاباً للأسرة كلها اذا كان هو عائلها الوحيد". الحكم ليس وليد خواطر وعن تجربتها كرئيسة المحكمة الابتدائية في الرباط قالت القاضية ليلى المريني ل"الحياة": "هناك ظروف اجتماعية وسياسية ساهمت في تولي المرأة في المغرب منصب القاضي منذ العام 1961 ومنها تشجيع ملوك المغرب منذ فجر الاستقلال على عمل المرأة في مختلف الميادين ومن بينها القضاء". وأضافت المريني أن عمل القاضي ليس بالمهمة السهلة. فمنح الحق او إزالته مسؤولية خطيرة، وقالت: "احرص اثناء عملي على الدراسة المتأنية للملفات ولا سيما الاهتمام بجميع ما يمر في الجلسة، واستمع الى جميع اطراف النزاع حتى استطيع أن أصدر حكماً عادلاً يتفق مع المتطلبات والشروط القانونية". واعترضت راضية بن صالح - من تونس - على تحجيم عمل المرأة كقاضية في محاكم دون غيرها، والادعاء أنها أكثر ملاءمة في محاكم الأحوال الشخصية أو الأحداث، اذ تعتبر أن ذلك يحمل تهميشاً لدورها في القضاء، موضحة أن التشريع التونسي اجاز للمرأة العمل المطلق في القضاء بما يتناغم مع العدالة الاجتماعية والمساواة بين الرجل والمرأة من دون تمييز. القاضيات العربيات بالأرقام تظهر الاحصاءات المتوافرة عن مشاركة المرأة العربية في مجال القضاء الآتي: - المغرب: أولى الدول العربية التي تولت فيها النساء منصب قاضية، إذ عينت أول قاضية في 1/7/1959 حتى أصبح عدد القاضيات حالياً 442 قاضية، بنسبة 50 في المئة من المجموع العام للقضاة. - السودان: كان تعيين أول قاضية في المحاكم السودانية في أول الستينات ووصل عددهن الآن الى نحو 67 قاضية. - تونس: دخلت المرأة سلك القضاء عام 1968 ووصل العدد إلى 290 قاضية. - سورية: دخلت المرأة سلك القضاء عام 1975 ويبلغ العدد الآن نحو 117 قاضية، من بينهن رئيسة محكمة الجنايات والاستئناف والأحداث ومستشارة في محكمة النقض ونائب عام. - اليمن: بدأت مشاركة المرأة في القضاء عام 1990 ووصل العدد الى 35 قاضية. - لبنان: دخلت المرأة القضاء منذ عام 1966 وأخذ العدد يزداد حتى وصل إلى 55 قاضية. - الأردن: تولت المرأة الأردنية القضاء عام 1995 وبلغ عدد القاضيات أربعاً. - الجزائر: 500 قاضية. - فلسطين: تم تعيين قاضية في محكمة عليا وقاضية أخرى في محكمة الصلح عام 1996. - سلطنة عمان: هي الدولة الوحيدة في دول الخليج التي تولت فيها المرأة منصب القضاء، وقد تم تعيين 4 نساء من بين 41 عضواً في مجلس الدولة عام 1997 واحتلت 3 سيدات منهن منصب مستشارة.