سُجّلت أمس حركة تصويت ضعيفة في الانتخابات المحلية في الجزائر. وفي حين يُتوقع ان يُحقق حزب جبهة التحرير الوطني فوزاً جديداً في هذه الاقتراع على حساب التجمع الوطني الديمروقراطي، صدرت مزاعم بحصول عمليات تزوير في مراكز اقتراع عدة. وشهدت مناطق القبائل مواجهات بين المتظاهرين البربر وقوات مكافحة الشغب، لكن ذلك لم يُعطّل الانتخابات بالكامل، على عكس ما حصل في الانتخابات الاشتراعية الماضية في أيار مايو الماضي. شهدت انتخابات مجالس الولايات والبلديات، أمس، أضعف نسب المشاركة للناخبين منذ إقرار التعددية السياسية في الجزائر سنة 9819. وسجل سياسيون ومرشحون أحرار حالات تزوير في عدد من الولايات يعتقد بأنها من تدبير مسؤولين محليين. وسُجلت غالبية هذه الحالات في بلديات يتولى إدارة شؤونها حزب الغالبية السابق التجمع الوطني الديموقراطي الذي يقوده وزير الدولة السيد أحمد أويحيى. وفيما كان الوضع شديد التوتر في كثير من مناطق البربر في تيزي وزو وبجاية، شهد الإقبال على مراكز الاقتراع نسباً متفاوتة. ولوحظ في مكاتب الاقتراع في العاصمة وعدد من المدن الكبرى أن نسبة التصويت لم تتجاوز نسبة خمسة في المئة خلال الصباح. وامتنعت وزارة الداخلية، للمرة الأولى منذ سنوات، عن نشر الأرقام الرسمية للانتخابات. واكتفت التلفزيون الرسمي بتقديم نسبة الاقتراع في بعض ولايات مثل الطارف التي سجلت فيها نسبة 22 في المئة و ولاية بومرداس 50 كلم شرق العاصمة تسعة في المئة. وامتنعت المصادر الرسمية عن تقديم نسب التصويت حتى الثالثة بعد الظهر. وفي شأن الاقتراع في منطقة القبائل، اكتفت المصادر الرسمية بالإعلان عن نسب التصويت في بعض الدوائر التي فُتحت فيها مكاتب الاقتراع ولم تتجاوز النسبة العشرة في المئة مثلما هو الحال في بلدية ذراع الميزان. وقالت مصادر سياسية ان رفض وزارة الداخلية نشر الأرقام كاملة ربما يعود الى خشيتها من ان يؤثر ذلك على إقبال الناخبين في الولايات، علماً أن التلفزيون الرسمي ظل طوال النهار يدعو الناخبين إلى التوجه إلى مراكز الاقتراع. وعلى رغم تراجع نسبة المشاركة، إلا أن التوقعات كانت تشير مساء الى ان جبهة التحرير تبدو متجهة الى حصد نسبة كبيرة من مقاعد مجالس البلديات والولايات. بوتفليقة وأدى الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة واجبه الانتخابي، صباحاً، في مدرسة البشير الإبراهيمي في الابيار في أعالي العاصمة. ورفض الإدلاء بأي تصريح عن ظروف الانتخابات. وهو اعتاد في السابق أن يدعو الناخبين إلى المشاركة بقوة لتعزيز السلم والديموقراطية. وزار بعد ذلك خلية إدارة العمليات الانتخابية في وزارة الداخلية قبل أن ينتقل الى مقر اللجنة الوطنية لمراقبة الانتخابات ووجه انتقادات شديدة الى الأشخاص الذين يحاولون "استغلال هذه الاستحقاقات من أجل تزوير إرادة الناخبين". وقال بوتفليقة مخاطباً رئيس اللجنة الذي كان في استقباله: "على الشعب أن يتحمل مسؤولياته في هذا الموعد المهم لاختيار الأصلح من المترشحين في المجالس البلدية والولائية". ودعا أعضاء اللجنة إلى إبلاغه "عن حالات التزوير، إن وجدت، مع تقديم الدليل الملموس". أما الأمين العام لحزب جبهة التحرير الوطني رئيس الحكومة السيد علي بن فليس، فدعا عقب أدائه واجبه الانتخابي إلى "المشاركة القوية والفعالة". وعبر عن أمله في أن تتم هذه الاستحقاقات "في ظل السلم واحترام الرأي والرأي المخالف في كنف الحرية واحترام حرية الاختيار عبر كامل التراب الوطني"، مذكراً بالمناسبة بأن حزبه "كان يدعو المواطنين الجزائريين طيلة الحملة الانتخابية إلى التصويت بقوة وبشكل واسع". وتابع: "هذه الدعوة نابعة من إيمان واقتناع جبهة التحرير بأن حل كبريات المشاكل والمعضلات الوطنية لا يمكن أن يتم إلا في كنف وجود مؤسسات ديموقراطية منتخبة من شأنها التكفل بمسألة التنمية الوطنية". ودعا السيد محفوظ نحناح زعيم حركة مجتمع السلم إلى "ضرورة احترام إرادة الشعب والخضوع لاختياره" من خلال "سد الطريق أمام المزورين والتضييق على الروح الاقصائية والروح الأحادية". وأشار في تصريح عقب خروجه من مكتب الاقتراع في العاصمة الى انه "إذا لم تحترم الإرادة الشعبية فإن ديمومة الأزمة تبقي مرشحة"، داعياً إلى "تعميم الفعل الديموقراطي ونزاهة الانتخابات". واعتبر ان الاستحقاقات التي جرت أمس "تجربة فريدة من نوعها لأنها تترجم الخيار الديموقراطي والرغبة في التغيير". وقال أنه يرغب في أن "تتم عملية الاقتراع في ظروف سلمية وشفافة سواء بالنسبة الى المشاركين أو المقاطعين". أما زعيمة حزب العمال السيدة لويزة حنون فقد عبرت، من جانبها، عن أملها في أن "يسود الرشد على روح المغامرة" خلال العملية الانتخابية في منطقة القبائل. وقالت عقب أدائها واجبها الانتخابي في العاصمة أنها تؤيد بيان المثقفين البربر غالبيتهم أساتذة في جامعة مولود معمري في ولاية تيزي وزو الذين دعوا إلى "حل المشاكل بطرق سياسية وبالحوار". ورأت أنه "لا وجود لأي مستقبل للجزائري خارج الإطار الوطني". وقالت ان مشاركة حزبها في هذه الاستحقاقات هو من أجل "الدفاع عن الجمهورية الواحدة غير قابلة للتقسيم". من جانبه، جدد السيد عبدالله جاب الله رئيس حركة الإصلاح الوطني دعوته إلى "ضرورة احترام إرادة الأمة في اختيار ممثليها لتكون انطلاقة لمرحلة جديدة تعلى فيها مبادئ الديموقراطية". وحض الناخبين الجزائريين على التوجه بكثافة إلى مراكز التصويت من أجل "فتح المجال لكل فئات الشعب للمساهمة في بناء الوطن في ظل التعددية و احترام حرية الرأي". الوضع في منطقة القبائل وشهدت منطقة القبائل أمس، وكما كان متوقعاً، اضطرابات أدت إلى إغلاق الكثير من مراكز التصويت في ولايتي تيزي وزو وبجاية. وعلى رغم أن عدداً من مكاتب التصويت بقي مفتوحاً نهاراً، إلى أن الناخبين لم يتوجهوا إليها للاقتراع بسبب مخاوفهم من التعرض لاعتداءات ناشطي العروش البربرية التي تقاطع الاقتراع. وفيما تمكنت أجهزة الأمن من إحكام سيطرتها على بعض المراكز في بلديات ذراع بن خدة وسيدي نعمان، فإنها فشلت في مناطق أخرى بسبب اضطرابات وتجمعات قام بها ناشطو تنظيمات العروش الذين بادروا مباشرة بعد فتح مكاتب التصويت في حدود الثامنة صباحاً إلى رشق حجارة على أفراد فرق مكافحة الشغب وكل من تنقل بسيارته في المنطقة. ونقلت "وكالة الأنباء الجزائرية الرسمية" عن رئيس دائرة ذراع بن خدة قوله أن الانتخابات "تجري في ظروف عادية". لكن عدداً كبيراً من المراكز بقي مغلقاً حتى في المناطق التي انتشرت فيها قوات الأمن بكثافة مثل بلدية الأربعاء ناث إيراثن التي بقيت الكثير من مراكزها مغلقة إلى غاية منتصف النهار. وفي دائرة عين الحمام جنوب شرقي ولاية تيزي وزو فُتح 32 مركزاً من مجموع 56. وبقيت المكاتب الانتخابية في بلديات عدة في منطقة القبائل، مثل مشتراس وبونوح وعاسي يوسف، مغلقة طوال النهار، ولم تفتح أصلاً "لعدم تمكن المؤطرين والناخبين من التوجه إليها"، بحسب رئيس دائرة بوغني. وفي منطقة المقطع الازرق حيث تجولت "الحياة" صباحاً، توافد عدد كبير من الناخبين على المدرسة الوحيدة لهذه المنطقة التي تقلص عدد سكانها إلى نحو ثلاثة آلاف بعدما هجرها غالبية سكانها خلال الأعوام الماضية بسبب تردي الأوضاع الأمنية وتعرض أصحابها لتهديدات بالموت. وقال عدد من سكان هذه المنطقة الجبلية التابعة إقليمياً لبلدية حمام ملون في ولاية البليدة 50 كلم جنوب العاصمة أنهم يعودون إلى هذه البلدة في كل موعد إنتخابي للقاء الأحباب وللتأكيد للسلطات الحكومية بأنهم على قيد الحياة. وشهدت هذه البلدة أول مجزرة تعرفها الجزائر منذ تصاعد أعمال العنف راح ضحيتها عائلة من خمسة أفراد مباشرة بعد الانتخابات الرئاسية التي جرت في تشرين الثاني نوفمبر 1995.