تكابر الحكومة العراقية بمحاولتها تمرير خدعة إعلامية لن تلحق الضرر إلاّ بالشعب العراقي مفادها أن لا مشكلة أبداً بينها وبين مجلس الأمن، بل إن المشكلة هي فقط بينها من جهة، والولاياتالمتحدة وبريطانيا من جهة أخرى، على حد ما أكد مجدداً وزير الخارجية العراقي امس. ولكن المكابرة تتحول كارثة عندما تتجاوزها العراق ويحمل الآخرين وزر ما يفعله. فالوزير العراقي اعتبر ان المشكلة تكمن في ان هاتين الدولتين، الولاياتالمتحدة وبريطانيا، تواصلان "بين الحين والآخر إثارة أزمات مع العراق" الذي لا يسعى أبداً، على حد تأكيده، الى خلق "متاعب". هنا يمكن الاستشهاد بأصدقاء الحكومة التي تضم الصحاف، كالروس والفرنسيين الذي وقفوا دائماً في مجلس الأمن الى جانب هذه الحكومة على رغم أنها كانت تنتهك بوضوح قرارات الاممالمتحدة، فأحبطوا غير مشروع قرار كان يمكن ان تكون عواقبه وخيمة على نظام بغداد خاضوا معارك عدة مع الأميركيين والبريطانيين في هذا الاطار. بل ان موسكووباريس تبنتا علناً مواقف لبغداد ضد رالف أكيوس وريتشارد بتلر، وهما الرئيسان السابق والحالي للجنة الأمم الخاصة لنزع أسلحة الدمار الشامل أونسكوم اللذان تصف بغداد أولهما بأنه "كلب لعين" والثاني بأنه "كلب مسعور". وكم من مرة انتقدت روسياوفرنسا هذين المسؤولين الدوليين لأنهما في رأي هاتين الدولتين، تجاوزا الصلاحيات التي تخولهما اياها قرارات مجلس الأمن في شأن نزع أسلحة العراق؟ وهل يُنسى أن الرئيس بوريس يلتسن مضى في شباط فبراير الماضي الى حد التهديد بنشوب حرب عالمية ثالثة إذا نفذت الولاياتالمتحدة عملية عسكرية ضد العراق؟ وكم من مرة اتخذت هاتان الدولتان مواقف مساندة لبغداد التي لم تتورع في معظم الأحيان عن التراجع عنها بعد أيام أحياناً ما كان يحرج الدولتين أمام مجلس الأمن؟ وهكذا هذه المرة أيضاً. فليس سراً أن باريسوموسكو دعمتا الموقف العراقي بقوة في شباط الماضي الى حد أن الرئيس يلتسن أمر مبعوثاً خاصاً له بالبقاء في بغداد مهما تطلب الأمر لكي يساعد العراقيين في مواجهة الولاياتالمتحدة. وبدا كأن أصدقاء بغداد كانوا واثقين بأن الاتفاق الذي وقعه الأمير العام للامم المتحدة كوفي أنان في بغداد في شباط الماضي سيؤدي حتماً الى عزل الموقفين الأميركي والبريطاني الى حد أن أحداً لن يكون في إمكانه منع مجلس الأمن من اتخاذ قرار برفع العقوبات المفروضة على العراق. الى هذا الحد صدّق أصدقاء الحكومة العراقية تعهدها بموجب الاتفاق مع أنان ب "التعاون" الكامل مع "أونسكوم" لكي يوفرا المبررات المطلوبة من أجل رفع العقوبات. وبقية القصة معروف. الولاياتالمتحدة وبريطانيا في صدد صياغة مشروع قرار يصدر عن مجلس الأمن وينص على تجميد المراجعات الدورية كل شهرين للعقوبات الى حين تراجع الحكومة العراقية وعودتها الى التعاون مع "أونسكوم" التي أوقفت بغداد عملياتها منذ شهر. ولا جدال في ان فرنساوروسيا كانتا ستقفان في الماضي بقوة ضد خطوة كهذه. ولكن ها هو السفير الروسي في الاممالمتحدة يؤكد هذه المرة أن حكومته لا يسعها أن تعترض على مشروع القرار الأميركي - البريطاني. والأرجح ان هذا سيكون موقف فرنسا أيضاً. من قال ان العراق يسعى الى متاعب؟