تشير الاحصائيات الدولية الى تراجع اعداد المدخنين في دول العالم المتقدم نتيجة الوعي بأضرار التدخين، ونتيجة ضغط القوانين وجمعيات حماية المستهلك على شركات انتاج السجائر وإجبارها على ان تسجل على علب السجائر في مكان بارز، يمثل نحو ثلث حجمها عبارات واضحة عن اضرار التدخين ونسب المتوفين بسببه، أو عن نسب أكيدة تربط بين التدخين والاصابة بالسرطان، وغيره من الامراض الخطيرة، وأحياناً نشر صور لحالات بعينها اصيبت بمضاعفات صحية خطيرة بسبب التدخين. في المقابل ارتفعت نسب المدخنين في دول العالم الثالث في الآونة الاخيرة، بل وانضمت اليهم قطاعات من الصبية في مراحل التعليم الاعدادي، وكذلك ازدادت نسب المدخنات عن ذي قبل. وفي دراسة أجريت العام 1998 على 4 في المئة من تلاميذ المدارس الثانوية المصرية للبنين والبنات اتضح ان التدخين هو اخطر بوابات الادمان على الحشيش والبانغو، إذ تبين ان ما يزيد على 70 في المئة من هؤلاء المدمنين يدخنون السجائر. وفي دراسة اخرى اجريت على 4 في المئة من طلاب الجامعات المصرية تبين ان 72 في المئة من مدخني السجائر يقعون في براثن الادمان. ولم تصدر اي دراسة عن أطفال الابتدائي والاعدادي، الا ان الملاحظات والمؤشرات البحثية الاولية دقت انذار خطر لانتقال التدخين من الشوارع وأطفالها الى اطفال المدارس. أول سيجارة ماذا يقول الشباب عن دوافع تدخين السجائر؟ ولماذا امتدت ايديهم الىها للمرة الأولى؟ "اذكر ان اول سيجارة اشعلتها كانت من صديق لي في الصف الاول الثانوي"، قال شعبان راضي 26 سنة وتذكر هذه الواقعة قائلاً: "عندما التحقت بالمدرسة الثانوية وجدت ان بعض الطلبة يختبئون عن عيون مدرسيهم ويدخنون السجائر ثم يتابعون التدخين بعد خروجهم من المدرسة واثناء عودتهم الى المنزل، وكنت أرافق احدهم في طريق العودة الى منزلي، فبدأ يقدم لي سيجارة، فقلت له إنني لا ادخن، فضحك ضحكات عالية قائلاً: "هل ما زلت طفلاً؟ لقد صرنا رجالاً ومن حقنا ان ندخن مثل آبائنا تماماً، رفضت في البداية ولكن مع إلحاحه الشديد وتهكمه علي احياناً اضطررت لقبول السيجارة فأشعلتها وأخذت نفساً طويلاً واصابتني بعد ذلك نوبة من السعال الشديد، الا انه طمأنني الى أنها اعراض التدخين للمرة الأولى وان المشكلة ستزول بعد ذلك".استطرد راضي قائلا: "بعد محاولات عدة لاخفاء تدخيني عن اسرتي، تكشف لهم الأمر، ولم تكن مشكلة كبيرة لأن ابي مدخن شره، فكانت حجته لاقناعي ضعيفة، ثم سلم بالأمر الواقع، حتى صارت عادة بالنسبة إليّ". في حفلة زفاف اما فايز محمود 24 سنة، فوصف تجربته قائلاً: "اول مرة كنت في عمر 21 سنة، وكنت احضر حفلة زفاف أحد اصدقائي، إذ جلسنا شلة من الاصدقاء حول احدى الطاولات، وكان ترحيب اصحاب العرس بنا مع الكاتو والاطعمة المختلفة عبارة عن تقديم علبة سجائر على كل مائدة، امتدت يد الاصدقاء، وبالتالي يدي كنوع من المحاكاة ، بدأت بعد ذلك اقبل السيجارة، ثم اضطررت الى رد الهدية، فاشتريت علبة سجائر وعرضتها على اصدقائي وشاركتهم التدخين الى ان اصبح الامر عادة". وقال هشام علي 23 سنة، ان تجربته العاطفية الفاشلة كانت وراء اعتياده التدخين. فبعد قصة حب حارة طويلة دامت اربع سنوات هي مدة دراسته في كلية التجارة فوجئ بخطبة محبوبته لرجل آخر فرضته عليها اسرتها، "وبعد تلك الهزة العاطفية العنيفة بحثت عن كيفية الخروج من ازمتي. حاولت ان افعل ما يغير مزاجي، فأكثرت من الخروج مع اصدقائي الى المقاهي حيث نلعب الطاولة ونشاهد احدث افلام الفيديو. والجلوس في المقاهي يتطلب شرب الشاي والقهوة وتدخين السجائر. صارت عادة التدخين وحركاتها الايقاعية من جذب الدخان ثم اخراجه تدريجاً من الصدر احد عوامل التنفيس عن الضجر والضيق الذي يملأ قلبي، واصبحت السيجارة وسيلتي للنسيان". ورأى سعيد عبدالهادي 20 سنة ان الحركات التي يقوم بها المدخن مع السيجارة تتحول الى ايقاع نفسي ووسيلة لاخراج الهموم، "عندما يمسك الشاب السيجارة بين اصابعه يشعر بأنه مسير اليها، شعور تصاحبه نشوة تساعد على التفكير العميق والتأمل، وهذه الصورة ليست غريبة عن واقعنا. فنحن نشاهد كبار الممثلين بل وكبار المفكرين والكتاب يدخنون، وأصبحت السيجارة وفنجان القهوة علامة للمزاج العالي والذوق الرفيع". حكم المهنة واعتبر بعض الشباب ان التدخين اسهل الوسائل للتعارف للمرة الأولى، وهكذا قال ايهاب المسلماني الذي يعمل مندوباً للمبيعات: "بحكم مهنتي فأنا التقي اصحاب محال ومعارض لعرض منتجات الشركة التي اقوم بالدعاية لها، في الغالب يكون اللقاء الاول صعباً، لأنك لا تعرف شيئاً عن العميل الجديد وبالطبع لن تحمل معك زجاجة من المياه الغازية لتقدمها له، وأسهل ما يمكنك حمله هو علبة سجائر انيقة وولاعة "شيك"، فأبدأ الكلام بعبارة "اتفضل سيجارة" ومع بدء حركة اشعالها له ثم لي تكون الغربة الشديدة زالت نسبياً، ونبدأ بعد ذلك الحديث في موضوع البيع والشراء، وغالباً ما يحتاج العاملون في هذه المهنة الى التدخين". عادي صالح ابراهيم 33 سنة: "اذكر انني بدأت التدخين منذ ما يقرب العشرين عاماً، اذ كنت في بداية المرحلة الاعدادية، ولم يكن للتدخين اي دافع داخلي كالمشكلات العائلية أو الضغوط النفسية، فقط وجدت اصدقائي يدخنون فدخنت مثلهم من دون اي تفكير او اي رغبة في المقاومة ولا محاولة للضغط منهم، تماماً مثلما تتناول القهوة او الشاي او قطع الحلوى، ولم يؤنبني ضميري مرة واحدة على عادة التدخين التي تأصلت بقوة في داخلي وأصبحت لا استطيع ان امارس اي عمل من دون ان امسك السيجارة بين شفتي. وقال سالم الاسيوطي 30 سنة: "عندما بدأت التدخين كنت في آخر سنة في الدبلوم الفني. ذهبت مع اصدقائي الى السينما كنوع من الترويح عن النفس. في السينما بدأت التدخين. لا اجد غرابة في ذلك، فالامر اشبه ب"قزقزة" اللب او احتساء المياه الغازية، امر عادي يناسب الشباب بعيداً عن عيون الاسرة". ويضيف: "لا انكر ان مشاعر الندم على اعتياد التدخين تنتابني من آن الى آخر ولكنها لا تعلق كثيراً في ذهني. فنحن محاطون بالكثير من المخاطر التي تهدد صحتنا ولا مانع بشيء من المخاطرة". زوجي السبب وتقول سهير فتحي 30 سنة: "لم افكر في التدخين نهائياً أيام دراستي، ولكن بعد زواجي بدأت ادخن قليلاً من قبيل المرح أو الترفيه، وكان زوجي اول من قدم لي السيجارة. فالتدخين بالنسبة الى المرأة يعطي انطباعاً عنها بالتحرر او بأنها من الطبقات الارستقراطية، وظل التدخين بالنسبة إليّ لوناً من ألوان التفاريح ولا افكر في أن اشعل السيجارة داخل منزلي، خصوصاً ان لدي ابناً في مرحلة المراهقة لا افضل ان يضر صدره بدخان السجائر في مرحلة مبكرة". وأضافت انها تدخن السجائر في العمل حيث تجد في التدخين ما يساعدها على التركيز، ولكنها اضطرت مع بعض المشكلات الصحية لأن تخضع الى تعليمات طبيبها بالاقلاع عن التدخين، وما زالت في مرحلة المحاولة". تحليل نفسي يرى استاذ الصحة النفسية الدكتور سيد صبحي أن على الوالدين مسؤولية عظمى في تشجيع ابنائهما على التدخين، ومن منطلق ان الابناء يكتسبون من والديهم سلوكياتهم، ولذلك فالنصيحة واجبة اولاً للأب والام المدخنين في الحرص على الا يكون كلاهما نموذجاً يحتذى، وتجنب شرب الشيشة في المنزل او جعل الابن يساعد في تحضيرها، ومتابعة الابناء والحرص على المشاركة في اختيار اصدقاء غير مدخنين، فقد ثبت ان الصديق هو اول من يقدم السيجارة الى المراهق. ويستطرد صبحي قائلاً: "ليس هناك شك في ان التدخين يسبب اخطر الامراض التي من شأنها ان تهدد حياة الانسان وهي امراض القلب والسكتة الدماغية والسرطان، كما انه يؤدي الى التقليل من الخصوبة، والى الضعف الجنسي. فالمدخن اكثر عرضة للضعف والعقم من غير المدخن، كما ان الفتيات يصبن بأضرار التدخين ويتعرضن لمخاطره اسرع من الذكور".