لم يخطء من قال إن الدوحة صارت عاصمة الرياضة في الوطن العربي، فقبل أيام استضاف نادي السد كأس الاندية العربية الابطال في كرة القدم وفاز فريقه بلقبها... وأول من أمس اختتمت فاعليات النسخة العاشرة من دورة "قطر أكسون موبيل الدولية" بإنجازين كبيرين: نجاح تنظيمي غير مسبوق، وتتويج البطل المغربي يونس العيناوي بلقبها واحتلاله قمة ترتيب لائحة اللاعبين العالميين التي تصدر عن رابطة اللاعبين المحترفين... واليوم تنطلق دورة الصداقة الدولية الاولى للمنتخبات الاولمبية لكرة القدم بمشاركة 6 دول هي تونس ومصر والصين وايران وتايلاند الى جانب قطر ... وقبل أن تنتهي ستكون بطولة العالم للدراجات الهوائية ومن بعدها دورة قطر الدولية لكرة الطاولة قدانطلقتا، ثم تجيء المناسبة الجماهيرية والمتمثلة في بطولة "قطر توتال فينا إلف الدولية" الثانية للسيدات في كرة المضرب التي تنطلق في 11 شباط فبراير المقبل بمشاركة نجمات كبيرات من عجينة الاميركية مونيكا سيليش، والروسية آنا كورنيكوفا، والاسبانية أرانتشا سانشيز، والالمانية باربرا شيت، وربما السويسرية مارتينا هينغيس، حاملة اللقب الاول، إذا شفيت من إصابتها... ومعهن نجمتا كرة المضرب العربية، التونسية سليمة صفر والمغربية بهية محتسن... لكن من دون أن ننسى طبعاً أن الحدث الاهم في المنطقة في مفكرة هذا العام وهو دورة كأس الخليج السابعة عشرة لكرة القدم ستستضيفه المملكة العربية السعودية بدءًا من 16 الجاري في عاصمتها الرياض. والواقع أن عجلة الرياضة تدور في صورة مذهلة في قطر، لأن الدولة ترى أن استضافة الاحداث الكبيرة هي خير وسيلة لتعريف القطريين على النجوم الكبار والتعلم منهم والاستفادة من خبراتهم على طريق الاعداد لمنتخباتها المتطلعة إلى تحقيق نتائج تتناسب واستضافة دورة الألعاب الآسيوية عام 2006، فضلاً عن أنها تعمل أيضًا على تجهيز شبابها ورجالها لتحمل مسؤولية تنظيم هذا الحدث الرياضي الكبير جدًا الذي بدأ الاعداد له منذ الآن. كما أنها بدأت الاهتمام برياضة المرأة في شكل ملحوظ، إذ شاركت في رياضتي الرماية وكرة اليد في دورة طهران الاخيرة، وإعدادها للانخراط في ألعاب أخرى يجري على قدم وساق كي تكون مستعدة للمشاركة في غالبية ألعاب "آسياد 2006" المقررة على أراضيها. ولا يخفى على أحد أن النهضة الرياضيةالقطرية عرفت طريقها منذ زمن بعيد، لكنها استمدت بعدًا جديدًا وحافزًا قويًا لتطويرها بعد أن تولى الشيخ تميم بن حمد آل ثاني رئاسة اللجنة الاولمبية، والدليل على ذلك أن جهوده البارزة كان لها صداها عالميًا، حين رشحه رئيس اللجنة الدولية الاولمبية جاك روغ ليكون عضوًأ في المكتب التنفيذي لها. والواقع أن الحفلة الختامية لبطولة قطر الدولية لكرة المضرب التي جرت أول من أمس على الملعب الرئيس في "مجمع خليفة الدولي للتنس والاسكواش"، وبحضور أمير البلاد الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني أبهرت الجميع لاسباب عدة يأتي في مقدمها الرعاية الخاصة التي أولاها الامير للدورة عمومًا وللمغربيين العيناوي وكريم العلمي خصوصاً. وكان رد الفعل إزاء هذه المبادرة عظيماً من قبل العيناوي الذي فاز باللقب تحديدًا "لقد وفّر لي هذا الحضور حافزاً معنوياً مهماً جداً، وما ألاقيه من تشجيع مستمر هنا هيأني تماماً لتحقيق هذا الانتصار العربي الكبير". وتميزت البطولة كعادتها بحسن التنظيم، ولم يترك المنظمون شاردة أو واردة الا ووضعوها في حسبانهم قبل أن تبدأ الاحداث حتى لا يفاجأوا بأي مشكلات بعد انطلاقها. العمل في اتحاد كرة المضرب و"مجمع خليفة الدولي للتنس والاسكواش"، والمركز الاعلامي المجهز بأحدث وسائل التكنولوجيا والمعلوماتية، وفندق شيراتون الدوحة مقر إقامة اللاعبين والرسميين والاعلاميين وضيوف الدولة كان يسير في دقة الساعة السويسرية، فعاش الجميع أياماً حلوة انتهت بصورة أحلى عندما فاز البطل المغربي باللقب... وقطر كلها بروعة التنظيم. ثم نأتي الى إنجاز العيناوي نفسه، فلقد دخل اسمه التاريخ الرياضي من أوسع أبوابه لأنه سيذكر دائماً أن البطل المغربي تربّع على عرش الامبراطورية البيضاء في مطلع عام 2002. ومهما حاول البعض من تقليل هذا الانجاز على اعتبار أنه لن يدوم لأكثر من أربعة أسابيع إذ أنه من المحتم أن تفرز دورة ملبورن الاسترالية، إحدى جولات الجائزة الكبرى الاربع، مصنفاً أول جديداً بل وربما يتراجع تصنيف العيناوي كثيراً، فأن الرد على هؤلاء ليس ببعيد: فيكفي للبطل المغربي فخراً أنه بات أول عربي تكتب اسمه بحروف من ذهب في عالم كرة المضرب حتى لو استمر بقاؤه على عرش اللعبة يوماً واحداً. لقد بكى العيناوي لحظة انتصاره، واغرورقت عيون نحو ثلاثة آلاف متفرج بالدموع في الملعب... وربما ملايين العرب عبر شاشات التلفزة التي نقلت الحدث الى أكثر من مئة دولة عربية وأوروبية عبر الفضائية القطرية ومحطة "يورو سبور" الشهيرة. الانجاز كبير، والعيناوي يستحق أن نحتفل به، فهو في "هذه اللحظة" لا يقل شهرة وعظمة عن مواطنه الفذ العداء هشام الكروج. الاثنان بطلان كتبا اسم العرب في سجلات التاريخ الرياضي، كما فعل غيرهم من أبناء جلدتهم من قبل، أمثال سعيد عويطة ونوال المتوكل وخالد سكاح وخمو بوالطيب، والتونسي محمد القمودي، والجزائريين نورية بن عيدة مراح ونور الدين مرسلي، والقطريين طلال منصور ومحمد سليمان والسعوديين هادي صوعان وحسين السبع وغيرهم كُثر. وما حققه العيناوي هنا في قطر، يؤكد على ضرورة الاهتمام بالالعاب الفردية بشكل أكبر إذا أردنا أن يكون لنا حضور عربي مستمر في المناسبات العالمية ما يدفعنا الى التساؤل... ما هو المطلوب ليكون لدينا مئة كروج وخمسون عيناويًا في كل دولة عربية؟ السؤال صعب، والاكيد أن الاجابة الشافية الوافية أصعب في وقتنا الحاضر الذي يتسم في غالبية دولنا العربية، كما اتسم دوماً، بالنظر تحت أقدامنا فقط من دون تخطيط مستقبلي ناجع يضمن لنا الحضور المستمر "الفاعل" في أحداث عالمية كثيرة.