الأسهم الأوروبية تغلق على تراجع    أمير تبوك: نقلة حضارية تشهدها المنطقة من خلال مشاريع رؤية 2030    الفالح: المستثمرون الأجانب يتوافدون إلى «نيوم»    برئاسة ولي العهد.. مجلس الوزراء يقرّ الميزانية العامة للدولة للعام المالي 2025م    السعودية وروسيا والعراق يناقشون الحفاظ على استقرار سوق البترول    مغادرة الطائرة الإغاثية ال24 إلى بيروت    التعاون والخالدية.. «صراع صدارة»    الملك يتلقى دعوة أمير الكويت لحضور القمة الخليجية    الهلال يتعادل إيجابياً مع السد ويتأهل لثمن نهائي "نخبة آسيا"    في دوري يلو .. تعادل نيوم والباطن سلبياً    خادم الحرمين الشريفين يدعو إلى إقامة صلاة الاستسقاء    «التعليم»: 7 % من الطلاب حققوا أداء عالياً في الاختبارات الوطنية    أربعة آلاف مستفيد من حملة «شريط الأمل»    «فقرة الساحر» تجمع الأصدقاء بينهم أسماء جلال    7 مفاتيح لعافيتك موجودة في فيتامين D.. استغلها    أنشيلوتي: الإصابات تمثل فرصة لنصبح أفضل    الأسبوع المقبل.. أولى فترات الانقلاب الشتوي    «شتاء المدينة».. رحلات ميدانية وتجارب ثقافية    مشاعر فياضة لقاصدي البيت العتيق    الزلفي في مواجهة أبها.. وأحد يلتقي العين.. والبكيرية أمام العربي    مبدعون.. مبتكرون    ملتقى الميزانية.. الدروس المستفادة للمواطن والمسؤول !    هنآ رئيس الأوروغواي الشرقية.. خادم الحرمين الشريفين وولي العهد يعزيان القيادة الكويتية    بايدن: إسرائيل ولبنان وافقتا على اتفاق وقف النار    كيف تتعاملين مع مخاوف طفلك من المدرسة؟    حدث تاريخي للمرة الأولى في المملكة…. جدة تستضيف مزاد الدوري الهندي للكريكيت    قمة مجلس التعاون ال45 بالكويت.. تأكيد لوحدة الصَّف والكلمة    7 آلاف مجزرة إسرائيلية بحق العائلات في غزة    الدفاع المدني: استمرار هطول الأمطار الرعدية على معظم مناطق المملكة    كثفوا توعية المواطن بمميزاته وفرصه    شركة ترفض تعيين موظفين بسبب أبراجهم الفلكية    «هاتف» للتخلص من إدمان مواقع التواصل    حوادث الطائرات    حروب عالمية وأخرى أشد فتكاً    معاطف من حُب    الدكتور عصام خوقير.. العبارة الساخرة والنقد الممتع    جذوة من نار    لا فاز الأهلي أنتشي..!    الرياض الجميلة الصديقة    هؤلاء هم المرجفون    المملكة وتعزيز أمنها البحري    اكتشاف علاج جديد للسمنة    السعودية رائدة فصل التوائم عالمياً    خادم الحرمين الشريفين يدعو إلى إقامة صلاة الاستسقاء الخميس المقبل    مناقشة معوقات مشروع الصرف الصحي وخطر الأودية في صبيا    حملة على الباعة المخالفين بالدمام    «السلمان» يستقبل قائد العمليات المشتركة بدولة الإمارات    أهمية الدور المناط بالمحافظين في نقل الصورة التي يشعر بها المواطن    المؤتمر الدولي للتوائم الملتصقة يناقش تحديات إعادة ترميم الأعضاء وتغطية الجروح    مركز صحي سهل تنومة يُقيم فعالية "الأسبوع الخليجي للسكري"    "سلمان للإغاثة" يوقع مذكرة تفاهم مع مؤسسة الأمير محمد بن فهد للتنمية الإنسانية    جمعية لأجلهم تعقد مؤتمراً صحفياً لتسليط الضوء على فعاليات الملتقى السنوي السادس لأسر الأشخاص ذوي الإعاقة    حقوق المرأة في المملكة تؤكدها الشريعة الإسلامية ويحفظها النظام    استمرار انخفاض درجات الحرارة في 4 مناطق    الكرامة الوطنية.. استراتيجيات الرد على الإساءات    محمد بن راشد الخثلان ورسالته الأخيرة    زاروا المسجد النبوي ووصلوا إلى مكة المكرمة.. ضيوف برنامج خادم الحرمين يشكرون القيادة    نوافذ للحياة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الحصاد الاقتصادي لعام 2001
نشر في الحياة يوم 07 - 01 - 2002

لا شك أن عام 2001 يمثّل فترة زمنية غير مواتية بالنسبة للاقتصاد العالمي. فعلى صعيد جميع اقتصادات دول العالم وجدنا تراجعاً في معدلات النشاط الاقتصادي تباين بين انخفاض متواضع الى مستوى الأزمة كما حدث في الأرجنتين. وجاءت أحداث 11 أيلول سبتمبر في الولايات المتحدة لكي تجعل الأوضاع أكثر سوءاً، اذ زعزعت ثقة المستثمرين والمستهلكين وأثرت بشكل ملحوظ في قطاع الطيران والسياحة والتأمين.
وأدّت كل هذه العوامل مجتمعة الى انخفاض معدلات الطلب على النفط وبالتالي تراجع ايرادات الدول النفطية. وحسبما يبدو من الحصاد الاقتصادي للعام الماضي فإن قليلاً من الدول الذي استطاع الافلات من تراجع الأنشطة الاقتصادية الذي ساد دول العالم وأن الأمر بدا أكثر وضوحاً من خلال انتشار عدوى الركود وانخفاض معدلات النمو الاقتصادي.
الاقتصاد الأميركي
شهد عام 2001 دخول الاقتصاد الأميركي مرحلة الركود بعد عقد من الازدهار والانتعاش الاقتصادي الذي عرفه خلال سنوات التسعينيات. إن تراجع أداء الاقتصاد الأميركي في الواقع كان واضحاً منذ بداية العام الماضي، الاّ أن مسألة دخول اقتصاد أميركا مرحلة الركود لم تتأكد الاّ بعد منتصف العام الماضي. وعلى رغم الاجراءات الاستثنائية التي تم اتخاذها سواء على صعيد السياسة النقدية أو السياسة المالية لمحاولة انتشال الاقتصاد الأميركي من الركود، الاّ أنه حتى الآن لم تظهر مؤشرات واضحة على تعافي الأوضاع الاقتصادية في أميركا. فقد خفض مجلس الاحتياط الفيديرالي المصرف المركزي الاميركي سعر الفائدة 11 مرة حتى وصلت أسعار الفائدة على الدولار لأقل من اثنين في المئة، وهذا لم يحدث في أميركا منذ نحو 40 عاماً، كذلك وعلى صعيد السياسة المالية حاولت السلطات الأميركية توفير حزمة من الاجراءات التحفيزية في شكل تخفيض الضرائب وزيادة الانفاق، الاّ أن حالة الاقتصاد الأميركي لم تتجاوب حتى الآن مع تلك الاجراءات. والسبب كما يبدو أن حالة الركود التي وصل اليها الاقتصاد الأميركي مرجعها ليس الى نقص أو ضعف الطلب الذي في العادة يتجاوب مع محفزات السياسة المالية والسياسة النقدية، ولكن الذي حصل يرجع في الواقع الى فائض في العرض وزيادة في الطاقات العاطلة والتي نتجت عن المبالغة في الاستثمار خلال فترة الطفرة، وبالذات طفرة أسهم صناعة تكنولوجيا المعلومات والاقتصاد الجديد.
ان المؤشرات لا زالت تدل على استمرار وجود طاقات عاطلة كما أن أسهم كثير من الشركات الأميركية حتى الآن لا زالت تعتبر مرتفعة نسبياً.
لقد بدأت تظهر الآن مؤشرات تصحيحية للاقتصاد الأميركي من خلال التخلص من بعض الطاقات العاطلة وكذلك من خلال الافلاسات، أهمها كان افلاس شركة "انرون" للطاقة وتخفيض الجدارة الائتمانية لبعض الشركات المهمة الأخرى مثل شركة "جنرال موتورز"، هذا بالاضافة الى تخفيض العمالة الزائدة لدى شركات عديدة، الأمر الذي رفع مستوى البطالة في أميركا الى معدل 5.8 في المئة. ان تقديرات المحللين تشير الى أن معدل النمو الاقتصادي الأميركي لعام 2001 لن يزيد كثيراً على واحد في المئة، كما أن توقّعات السنة الجديدة 2002 تبدو انها لن تتجاوز هذه النسبة والاحتمال أن تكون أقل من ذلك.
اقتصادات بقية دول العالم
أثر تباطؤ النشاط الاقتصادي في أميركا على مختلف دول العالم، وذلك بعكس ما كان يحصل في السابق عندما يتراجع نشاط الاقتصاد في كتلة جغرافية يعوضها وضع النشاط الاقتصادي في مناطق جغرافية أخرى. هذه المرة يبدو أن مناطق دول العالم قد تضامنت في التعبير عن سوء الأوضاع الاقتصادية ابتداء من أميركا ومروراً بأوروبا وانتهاء بدول جنوب شرق آسيا واليابان.
وعلى صعيد الاقتصاد الأوروبي، تراجعت العام الماضي معدلات النمو الاقتصادي وارتفعت من جديد مستويات البطالة وعجوزات الموازنات. ويبدو أن الاقتصاد الأوروبي يواجه معضلة تتمثل في ضرورة إنعاش الاقتصاد خصوصاً وأن أهم دوله مقبلة على مرحلة انتخابات، التي عادة ما يحاول السياسيون خلالها إنعاش الاقتصاد بشتى الطرق، إلا أن الخيارات كما يبدو غير سهلة. فمن ناحية لا تتيح السياسة المالية مجالاً واسعاً للحركة والمناورة نظراً لصعوبة خفض معدلات الضرائب، كما أنه من الصعب التوسع في الإنفاق وزيادة عجز الموازنات نظراً لالتزام دول المجموعة الأوروبية معاهدة ماستريخ للاستقرار المالي والتي تشترط عدم تجاوز عجز الموازنة ثلاثة في المئة من اجمالي الناتج المحلي. إذاً لم يتبق للدول الأوروبية غير السياسة النقدية ومحاولة إجراء مزيد من التخفيضات في أسعار الفائدة على اليورو، إلا أن موقف البنك المركزي الأوروبي ليس بالضرورة بالموقف السهل، اذ قاوم كثيراً الضغوط السياسية لإجباره على مزيد من تخفيض سعر الفائدة. وموقف البنك الأوروبي في الواقع يستند إلى تخوفه المستمر من تزايد معدلات التضخم، إلا أنه بالإضافة إلى ذلك يحاول أن يؤكد استقلالية البنك عن نفوذ الحكومات ورغباتها السياسية.
مع ذلك نعتقد بأنه ليس أمام الأوروبيين خيارات أخرى غير السياسة النقدية خصوصاً وأن معدل التضخم ليس بالارتفاع الذي يحد من إجراء مزيد من التخفيض على أسعار الفائدة.
وعلى صعيد دول جنوب شرق آسيا فلم يكن العام الماضي ذكرى سعيدة على صعيد الأوضاع الاقتصادية، فلم تكد هذه الدول أن تنسى آثار الأزمة الاقتصادية التي تعرضت لها خلال 1997-1998 حتى بدأت العام الماضي تواجه أزمة اقتصادية من نوع آخر. في الواقع إن دول جنوب شرق آسيا في معالجتها لأزمتها السابقة كان أمامها خياران، الأول إصلاح مؤسساتها الاقتصادية وتحريك الطلب الداخلي أو الاعتماد على زيادة التصدير في تحريك عجلة النمو الاقتصادي. واختارت هذه الدول الطريق الأسهل، اذ كانت الظروف الاقتصادية العالمية مواتية أيضاً لزيادة التصدير وخصوصاً تصدير المنتجات الالكترونية إلى أسواق أميركا. لكن ما أن بدأ الاقتصاد الأميركي في التراجع حتى تأثرت دول جنوب شرق آسيا بذلك وبدأت تعاني مجدداً من تراجع الأوضاع الاقتصادية الذي أخذ في الوضوح في كل من كوريا وتايوان وتايلاند وسنغافورة التي لن يكون في النهاية أمامها غير إصلاح وإعادة هيكلة مؤسساتها وتحريك الطلب الداخلي لمواجهة استمرار تردي الأوضاع الاقتصادية.
وفي اليابان لم تتحسن الأوضاع الاقتصادية كثيراً خلال العام الماضي على رغم استنفاد السلطات اليابانية لجميع الوسائل في محاولة منها لتحريك النشاط الاقتصادي وإنهاء عقد من الركود، إلا أن كل المحاولات حتى الآن باءت بالفشل. واستدانت الحكومة مبالغ كبيرة للصرف والانفاق على إنعاش الوضع الاقتصادي دون جدوى، هذا كما أن السياسة النقدية استخدمت إلى آخر مداها، اذ خفضت أسعار الفائدة إلى مستويات تقارب الصفر ومع ذلك لم يتحرك الاقتصاد الياباني. ويبدو بأنه ليس أمام اليابان غير إجراء اصلاحات اقتصادية مؤلمة بدءًا بإصلاح قطاعاتها المالية والمصرفية، الأمر الذي قد يمثل المخرج من الركود الاقتصادي الذي تعيشه اليابان منذ أعوام عدة.
وعلى صعيد الأوضاع الاقتصادية في دول أميركا اللاتينية، لم تكن افضل بكثير من غيرها من الدول خصوصاً وأن دول أميركا اللاتينية تعتمد اعتماداً كبيراً على سوق الولايات المتحدة الذي تراجع الطلب فيها كثيراً فأثر بشكل ملحوظ في اقتصادات المكسيك والبرازيل وتشيلي وبالذات اقتصاد الأرجنتين، اذ حاولت هذه الدولة مقاومة انهيار اقتصادها لفترة طويلة ومن خلال مساعدات مالية كبيرة من صندوق النقد الدولي، إلا أنها في الأخير استسلمت للواقع واعترفت بعدم قدرتها على مواصلة تحمل العبء الاقتصادي الذي استمرت ترزح تحته. وشكلت الديون الخارجية والتي بلغت نحو 133 بليون دولار العبء الأكبر الذي لم تستطع الأرجنتين احتماله، كما أن الركود الاقتصادي الذي عانت منه الأرجنتين لمدة تزيد على 42 شهراً لم يساعد على تنشيط الاقتصاد بل تدهورت مستويات المعيشة وتفشت البطالة ولم يكن بالإمكان ضمن تلك الظروف تأمين التحصيل الضريبي المطلوب مما لم يوفر الايرادات الكافية للدولة لخدمة ديونها المتفاقمة، هذا بالإضافة إلى اتباعها لسياسة مجلس النقد كنظام لسعر الصرف الأمر الذي كلفها الكثير للدفاع عنه بالإضافة إلى أنه حرمها من استخدام السياسة النقدية لتحريك عجلة الاقتصاد والتخلص من الركود. وهكذا أنهت الأرجنتين العام الماضي بأزمة اقتصادية تم على اثرها توقفها عن دفع ديونها. وآثار هذه الأزمة على الأرجنتين وعلى الدول النامية ستنعكس بدون شك على السنة الجديدة التي ستعكس تداعياتها بشكل أوضح.
مؤتمر الدوحة
ضمن الأحداث الاقتصادية المهمة التي شهدها العالم خلال العام الماضي، يعتبر مؤتمر الدوحة علامة مضيئة نتيجة لنجاح المؤتمر في الاتفاق على جولة جديدة من مفاوضات تحرير التجارة العالمية. وامتاز المؤتمر بالإضافة إلى نجاح الدولة المضيفة في تنظيمه بانجازات عدة مهمة، منها دخول الصين في عضوية منظمة التجارة الدولية، بما يحمله هذا الحدث من معنى خصوصاً على صعيدين، الأول هو ان الصين على رغم استمرار تبنيها للنظام الاقتصادي الشيوعي إلا أنه ومن خلال دخولها في منظمة التجارة الدولية قد قبلت بقواعد النظام الرأسمالي في تحرير التجارة وتحرير النشاط الاقتصادي بشكل عام. المغزى الآخر لدخول الصين في عضوية المنظمة هو أن تمثيل المنظمة لمختلف شعوب العالم أصبح أكثر تعبيراً بانضمام حوالى 1.3 مليون نسمة. لذلك فإن حدث دخول الصين في منظمة التجارة الدولية يعتبر تطوراً وانعطافاً مهماً لكل من الصين ومنظمة التجارة على حد سواء.
أهمية مؤتمر الدوحة تنبع ايضاً من خلال ما حققه للدول النامية من انجازات خصوصاً على صعيد امكانية تسويق منتجاتها الزراعية بشكل ايسر وكذلك من خلال المرونة التي حصلت عليها في تعاملها مع حقوق الملكية الفكرية وخصوصاً فيما يتعلق بإمكانية استخدام براءات الاختراع لتصنيع الأدوية الخاصة ببعض الأمراض المستعصية دون الالتزام بالضرورة بأحكام اتفاقية حقوق الملكية الفكرية كما جاءت في اتفاقية منظمة التجارة الدولية.
أحداث 11 أيلول
على رغم أن أحداث 11 أيلول ليست اقتصادية بحتة إلا أنه لا يمكن نظراً لأهميتها التحدث عن الحصاد الاقتصادي للعام الماضي دون التطرق إلى تداعياتها وبالذات على العالم العربي والاسلامي. إن التقديرات الأولية للتكاليف المباشرة لأحداث 11 أيلول قد تصل إلى 22 بليون دولار، إلا أن التكاليف غير المباشرة تعتبر أكثر بكثير. فعلى صعيد العالم العربي والاسلامي تمثل تداعيات تلك الأحداث أبعاداً كبيرة وخطيرة:
- أعطت الأحداث الانطباع بأن لدى العرب والمسلمين تطرفاً وحساسية تجاه الغرب، ما قد يؤدي إلى محاولة تفادي بعض الدول التعامل مع هذه المنطقة.
- أعطت الأحداث الانطباع بأن هذه المنطقة تمثل منطقة قلاقل وتوترات وعنف وتطرف وإن كان هذا لا يمثل الحقيقة فإنه وللأسف سيؤثر في اقبال الاستثمارات الأجنبية.
- تعالت اثر أحداث 11 أيلول صيحات بعض المحللين الغربيين بضرورة تقليل اعتمادهم على نفط المنطقة.
- صوّرت الأحداث بعض المؤسسات المالية والاسلامية بأنها قنوات تمّول الإرهاب الأمر الذي سيجعل عمليات هذه المؤسسات دائماً تحت المجهر ومحل ريبة.
- من التداعيات المباشرة لأحداث 11 أيلول تضرر قطاع السياحة والطيران في بعض الدول العربية بشكل مؤثر وخصوصاً في مصر وتونس والمغرب.
هذا بالإضافة الى ارتفاع مخاطر الدول العربية، الأمر الذي سيؤدي الى زيادة تكاليف اقتراض هذه الدول من الأسواق المالية وضعف قدراتها على اجتذاب رؤوس الأموال والاستثمارات الأجنبية.
أسعار النفط
إن بدء تراجع أسعار النفط سبق في الواقع أحداث 11 أيلول، اذ أنه ارتبط بتدني وتراجع أداء النشاط الاقتصادي العالمي. مع ذلك فإن أحداث 11 أيلول فاقمت من أوضاع سوق النفط من خلال زيادة تراجع النشاط الاقتصادي العالمي بالإضافة الى ما آلت اليه الأوضاع في قطاع الطيران الذي يشكل 10 في المئة تقريباً من استهلاك المنتجات البترولية. ووجدنا على اثر انكماش الطلب على النفط ظهور فائض في العرض الأمر الذي جعل منظمة الدول المصدرة للنفط أوبك تتفق أخيراً على خفض الإنتاج بمقدار 1.5 مليون برميل في اليوم بالإضافة الى تخفيض نصف مليون برميل تقريباً من قبل دول نفطية خارج المنظمة، الأمر الذي نأمل بأن يعيد لسوق النفط توازنها بحيث لا تهبط الأسعار أكثر مما وصلت اليه. لكنه على أي حال لا بد أن نستعد لقبول أسعار للنفط أقل بكثير مما عرفناه خلال عام 2000 والعام الماضي، وفي اعتقادنا إذا بقيت أسعار النفط في حدود 18 دولاراً للبرميل خلال سنة 2002 فإن الأمر لا يعتبر بعيداً عن مستوى الظروف الاقتصادية العالمية المتوقعة. كما أن مثل هذا المستوى من شأنه أن يحد من تنافسية المنتجين من خارج "أوبك" ويعطي للمنظمة زمام الأمور في ترتيب السوق النفطية بالشكل الذي يخدم أكثر مصالح دولها الأعضاء.
الاقتصادات العربية
حتى أحداث 11 أيلول كانت الاقتصادات العربية في وضع جيد وكان من المتوقع أن تحقق معدل نمو مرتفعاً نسبياً مقارنة بالوضع السائد في بقية دول العالم، إلاّ أن أحداث 11 أيلول اضرت كثيراً بمستويات النشاط الاقتصادي في كثير من الدول العربية. فبالإضافة الى تراجع أسعار النفط بما يزيد على 20 في المئة، فإن الأحداث التي شهدها العالم في أعقاب 11 أيلول أثرت بشكل سلبي في قطاع السياحة والطيران في الدول العربية. فعلى سبيل المثال خسرت مصر ما يزيد على 50 في المئة من إيراداتها السياحية بسبب الأحداث، بينما فقدت تونس ما يفوق 22 في المئة من ايرادات هذا القطاع. وانخفضت كذلك بشكل ملحوظ الاستثمارات المباشرة القادمة الى الدول العربية كما ارتفعت تكاليف الاقتراض لكثير من دول العالم العربي. حتى دول الخليج تضررت بسبب تراجع إيراداتها من هبوط أسعار النفط وخفض انتاجها من النفط. وانعكس ذلك في شكل بدء ظهور عجوزات في موازنات دول المنطقة في الوقت الذي كان حتى وقت متأخر من العام الماضي نتوقع أن تحقق بعض الفائض. بالطبع سنرى هذا التغير بشكل جلي في موازنات سنة 2002 والتي ستعكس مدى الضرر الذي لحق بالاقتصادات العربية.
وبشكل عام فقد أبرز العام الماضي جسامة بعض التحديات التي تواجه الاقتصادات العربية وخصوصاً من خلال ما شهدناه أثناء تعامل مصر مع أزمة سعر الصرف واستمرار لبنان في مقاومة الضغوط المالية الناتجة عن عجز الموازنة وتفاقم عبء المديونية. فعلى صعيد الاقتصاد المصري وعلى رغم استمرار الاختلال في ميزان التجارة الخارجية نتيجة لزيادة الواردات بكثير 16 بليون دولار على الصادرات 7 بلايين دولار الأمر الذي يعمل دائماً في غير صالح الجنيه المصري، الاّ أن العام الماضي نظراً لانخفاض ايرادات السياحة بشكل كبير بالاضافة الى انخفاض الايرادات النفطية وايرادات قناة السويس فإن الوضع أصبح أكثر سوءاً، اذ نقصت ايرادات مصر من العملة الأجنبية وبالذات من الدولار بشكل أكبر بكثير من المعتاد، الأمر الذي رفع سعر الدولار ووضع ضغوطاً كبيرة على العملة المصرية. لكن الملاحظ أن السلطات المصرية التزاماً بمبدأ نظام السوق الحر تركت الى حد كبير قوى السوق لكي تحدّد سعر الصرف المناسب ولم تأخذ موقفاً جامداً. وبالتالي فان الانخفاض الذي حصل في سعر الجنيه أساساً نتيجة لقوى العرض والطلب أعتقد أنه في صالح مصر من نواح عدة:
أولاً، أن الصادرات المصرية من البضائع ومن الخدمات مثل السياحة أصبحت أكثر تنافسية الأمر الذي من شأنه أن يحقّق عوائد تصديرية أفضل.
ثانياً، أن سعر الصرف الذي وصل اليه الجنيه من شأنه أن يحد من المبالغة في الاستيراد الذي هو مشكلة في حد ذاته.
ويبقى على مصر أن تفعّل النشاط الاقتصادي حتى تستطيع الاستمرار في تحقيق معدلات نمو اقتصادي مطلوبة. لا شك أن الحكومة على ادراك بهذه الضرورة حيث تعتزم زيادة الانفاق لهذا الغرض كما أن الحاجة ماسة كذلك لتوظيف السياسة النقدية في هذا الاتجاه.
وعلى صعيد الاقتصاد اللبناني، فإن العام الماضي شهد في نهايته بعض التحسّن الذي قد يمثّل بارقة أمل في مشوار الخروج من الأزمة المالية التي تعيشها لبنان منذ فترة ليست بالقصيرة. فقد وجدنا انخفاضاً ولو أنه بسيط في عجز الموازنة كما أنه حصل بعض التحسّن في معدل النمو الاقتصادي ولو أنه ظل في مستوى متواضع جداً.
لا شك أن الوضع الاقتصادي في لبنان بقي خلال العام الماضي يمثّل تحدياً مستمراً للسلطات اللبنانية واننا نأمل خلال السنة الجديدة أن يتأكد ويستمر التحسّن الذي بدأت مؤشراته مع نهاية العام الماضي، كما أننا نأمل أنه من خلال تطبيق ضريبة القيمة المضافة وتنفيذ برنامج التخصيص أن تتمكن لبنان من تخفيض عجز الموازنة وحجم المديونية بشكل ملحوظ.
وعلى صعيد الأسواق المالية العربية فإن الأداء لم يختلف كثيراً، اذ على رغم بعض التحسن الذي عرفته خلال العام الماضي خصوصاً بالنسبة للكويت والسعودية والأردن والإمارات وقطر، إلاّ أنه بعد أحداث 11 أيلول لم يستمر التحسن على المنوال نفسه بل شهد بعض التراجع وخصوصاً في لبنان ومصر وعُمان وتونس.
بشكل عام يقدّر أن يكون الاقتصاد العربي حقّق العام الماضي معدل نمو في حدود اربعة في المئة، لكن الاحتمال أن ينخفض هذا المعدل الى نحو 3.6 في المئة خلال السنة الجارية. وبالطبع فإن هذا المعدل المحقّق خلال العام الماضي يتباين من دولة عربية الى أخرى، اذ يقدّر أن يكون في حدود خمسة الى ستة في المئة بالنسبة لتونس والمغرب ونحو 3.3 الى 3.9 في المئة في كل من مصر والأردن وبين 2.5 وخمسة في دول مجلس التعاون الخليجي. وبالنسبة لدول الخليج العربية فقد عزّز اجتماع القمة في نهاية العام الماضي الحصاد الاقتصادي لهذه الدول وخصوصاً على صعيد تقريبه لموعد الاتحاد الجمركي وتحديد الاطار والفترة الزمنية لتحقيق الوحدة النقدية.
نأمل خلال سنة 2002 بأن تتمكن الاقتصادات العربية من تجاوز تداعيات أحداث 11 أيلول كما نأمل باستمرار الإصلاحات التي باشرتها وخصوصاً على صعيد تنويع مصادر الدخل وترشيد الإنفاق والسير بشكل أسرع في تنفيذ برامج التخصيص وإصلاح قطاعاتها المالية والمصرفية والعمل بشكل جاد في التكيف مع معطيات الترتيبات الاقتصادية الدولية مثل منظمة التجارة الدولية ومتطلبات الشراكة المتوسطية الأوروبية ومعايير بازل وتطوير قوانين مكافحة غسل الأموال وغيرها من الترتبيات التي تمكن اقتصاداتنا من الإستفادة من الفرص المتاحة على صعيد الاقتصاد الدولي والإنسجام بيسر مع الممارسات الاقتصادية العالمية.
* المدير العام رئيس مجلس ادارة صندوق النقد العربي.
تعبّر هذه الورقة عن وجهة نظر صاحبها ولا تعكس بالضرورة موقف المؤسسة التي ينتمي إليها.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.