أول الكلام: للشاعر البحريني "علي عبدالله خليفة": - ما الذي كنتِ تريدين؟! لماذا حدَّقَتْ عيناك في وجهي طويلاً ثم لاذتْ بالدموع الآخذة؟ ولماذا سوف تمتد المسافات؟ ولماذا بيننا اليوم: زجاج النافذة؟! قادم "هو" الى النشوة المعربدة بفرحه، نحوها "هي": المكبّلة بزوايا يومها. متورط في تفاؤلاته العابرة من بين شفتيه المنفرجتين عن بسمة يخالها: لها "هي" وحدها! مهدر "هو" فوق أفراح الآخرين ... كضياء تكسّر في حدقات الساهرين. - يتساءل الآن في غيابها المموّه: لماذا أشعر هذه اللحظة ببرودة الإصغاء منك لهمسي ... بغياب صوتك في عمق امتلائي بشجون الأمسيات الجافة من ورائك ... بدفق من الحزن الذي صار يسرق مني فرحتي بك، كأنني أدرأ الخوف من فقدك للأبد؟!! جاءها في ليلة صيف تآكلت نجومها من أطرافها وأصيب القمر فيها بالاغماء ... فكان شاعراً منحوت الأضلع، سهرُه: كان يشكل ابحاره فوق أمواج اللحظات ... وكان يغني لها: - أنا الرجل الذي ينتضيك دائماً من أحزان الناس وصخبهم، ومن أفراحهم الموقوتة كقنبلة، ومن البغتة المفاجئة كدوار، ومن انتظار راقصٍ يتصعّب بالتعب كلما جنحت الشمس للمغيب! إنتضاها - منذ ذلك الزمان - عروس خرافة، تومض عيناها: تساؤلاً، شوقاً، عناقاً ... فكان يسألها حين طلوعها في عمره: من أنت؟! ... وهو لا يعرف: مَنْ هو؟!! كاليتيمة: كانت معانيه ... تحمل رأسه المتعب، وتحتمل قلبه المضنى بالآه، وتنطفئ بعد ذلك في برودة الحزن! في الانتظار المستمر لها ... كانت "هي" تأتيه في الرؤى: عروس خرافة، وتبقى المشاهد اللانهائية: سرمدية. ومع استمرار النبض ... يبقى الانتظار لطلوعها في بصره كأنه سطح الميناء عند الفجر، يتحول الانتظار للامتزاج بها: تعاقُب أيام، وصدى كلمات لا تخون! "هي" - إذن - كل الدنيا المضيئة بالنجوم، والغاضبة بالرمال، والحنان بالمطر، والجفاف بالعطش ... هي: المدّ والجزر في حياته، الفيّاضة باللذة، والصاعقة بالقرار الحاد! "هي" التي فرضت معنى "الإنسانة" على وجدانها، ولسعة الجمر على أنوثتها ... وتتوهج امرأة حافلة بعطاء الإنسان: عقلاً، وجداناً، قدرة، حركة. حين كان صوتها ينغل في وريده ... كان يكفكف دمعة هي مزيج وحشة ويأس في غياب وجهها وصوتها عنه، وهي الاشتياق لدفء قربها منه ... للاختباء في سرّ عينيها الخائنتين! أراد أن يصرخ في المسافات ... تسمعه "هي" يقول لها في شهقة الأشواق: - دعيني أراك الآن، الآن ... دعي دمعة التوق التي أحبسها تفرّ إليك لتحظى بلمسة عينيك! لكنه حجر مع الدمعة: أمنية رؤيته لها "هي"، وأطبق جفنيه على الحلم بها ... فقط!! وعندما سمع صوتها ... قام من داخل صدره، ونفى أحزانه بعيداً بعيداً الى جزر النسيان، حتى تبدّى له "وجهها" القادم من خارج الزمان ... وعندما رآها: في حدود الموت، وبقي صمت صوتها ينقر في حدقتي عينيه ... وكأن الزمان كله وعمره هما: وجهها الذي طفق يتأمله بلا حدود في ذلك المساء المحدود بالمكان! تحوّل كله "هو" الى: خفق يتردد بين أضلعه نشيداً ... يغني للحياة الأجمل!!