يواصل الرسام السوري يوسف عبدلكي تجربته في "منفاه" الباريسيّ جاعلاً من الرسم أداة لا للتعبير فحسب وانما لمواجهة الزمن والحياة والواقع... فهذا الرسام الذي يثابر على ابداع فضاء تشكيلي فريد في لغته وأشكاله وتعابيره يقيم معرضاً جديداً في غاليري كلود ليمون في باريس بعد سلسلة من المعارض في العواصم العربية والعالمية. ويتضمن المعرض الجديد زهاء 30 لوحة ويستمر حتى الثاني من شباط فبراير. يقدم الفنان في معرضه مجموعتين من الأعمال أقدمها سلسلة من اللوحات المشغولة بتقنيات مختلطة من الغواش والكولاج والباستيل يعتبرها الفنان التشكيلي "عملية تصفية حسابات عامة وذاتية بعد مرحلة السجن وحال القمع والعنف في بلادنا". وتصور هذه اللوحات كما كتبت الزميلة هدى ابراهيم في وكالة الصحافة الفرنسية، ثلاثة أشخاص واقفين جنباً الى جنب وتنم تعابير وجوههم عن السخرية والهزل والعبث، وتقدم التكوين الجسماني للفرد في شكل غريب كأن تتبدل امكنة أعضائه أو تنقص أو تنبت له أعضاء حيوانات في ما ينم عن عملية احتجاج عنيف على واقع معين تصرخ به اللوحة المشغولة بامتياز في أدق تفاصيلها. وعلى رغم الثورة التي تنطق بها اللوحة فإن الألوان تنم عن هدوء يناقض المضمون ويبتعد من أي صخب. وتتوسط هذه اللوحات الشخصيات الثلاث، شخصية مركزية تعبر عن فكرة "الزعامة والاتباع" كما يقول الفنان. وتقدم المجموعة الثانية من اللوحات أعمال الطبيعة ويستخدم فيها الفنان تقنية الفحم على الورق. ويرفض عبدلكي اطلاق تسمية الطبيعة "الميتة" أو "الصامتة" على هذه الأعمال التي تتضمن عناصر عادية مثل الوردة أو الحذاء أو البصلة ويفضل تسميتها ب"طبيعة جامدة". وتتميز هذه اللوحات بقوة التعبير والحضور. ويقول عنها الفنان: "عند نهاية مرحلة "الأشخاص" شعرت بحاجة الى قول شيء آخر، أردت ان أنزوي في مساحة أكثر هدوءاً وصفاء تبعدني من عنف الأعمال السابقة". وتحمل بداية مرحلة الفحم على الورق نوعاً من السلام الى أعمال الفنان، غير انها لا تلبث ان تعود الى سيرتها الأولى لتعكس الكثير من العنف المختزن في الخطوط وفي المساحات وتبث كمية كبيرة من القلق الصاخب يكمن في حدة قلم الفحم. ويبدو عمل عبدلكي في تفاصيل الخطوط والمساحة أقرب الى المنمنمات العربية وبخاصة في بعض الخانات الصغيرة الدقيقة التفاصيل كما لو ان اللوحة صورة فوتوغرافية اعاد اليها الفنان عبر عدد هائل من اللمسات معالمها الأساسية.