أسهم التأييد الأميركي المطلق للسياسة الإسرائيلية في تشجيع آرييل شارون في تنفيذ مشروعه الذي اعلنه فور استلامه رئاسة الحكومة بعد الإطاحة برئيسها السابق ايهود باراك. وأعلن شارون منذ شباط فبراير 2001 الماضي انه سيقضي على الانتفاضة الفلسطينية في مئة يوم مستفيداً من الفترة الانتقالية التي كانت تعيشها ادارة البيت الأبيض بعد فوز الحزب الجمهوري في انتخابات رئاسية شابتها الشكوك اثر اعلان فوز جورج بوش الابن على خصمه الديموقراطي بعد تعادل الأصوات في ولاية فلوريدا. دخل شارون منذ اليوم الأول لتوليه مسؤولية رئاسة الحكومة معركة كسر الإرادة الفلسطينية متشجعاً بسياسة غريبة باشرتها إدارة البيت الأبيض حين رفضت استقبال رئيس السلطة ياسر عرفات واعترضت على المطالبة الدولية بإرسال قوات محايدة لمراقبة وقف اطلاق النار في الخطوط الفاصلة بين الطرفين في قطاع غزةوالضفة الغربية. شجعت السياسة الأميركية الجديدة شارون على التصلب ورفع وتيرة التوتر في المنطقة فهدد بشن حملات عسكرية ضد مواقع السلطة الفلسطينية وأنذر الدول العربية مراراً وأرفق إنذاراته بضربات جوية ضد موقع الرادار السوري في لبنان وكشف عن مشروع لإعادة احتلال مدن الضفة الغربية ونسف كل الاتفاقات الموقعة سابقاً بإشراف الولاياتالمتحدة مع السلطة الفلسطينية. جاءت السياسة التصعيدية الإسرائيلية في فضاء دولي متوتر حين اعلنت واشنطن عن رغبتها في إلغاء كل المعاهدات الموقعة مع الاتحاد السوفياتي السابق بذريعة ان تلك الدولة لم تعد موجودة على الخريطة السياسية. وأرفقت واشنطن سياستها الهجومية بسلسلة مواقف سلبية من الاتفاقات الموقعة بشأن اتفاق كويتو ثاني اوكسيد الكربون والحد من التفرقة العنصرية. توافقت سياسة شارون التصعيدية مع سياسة بوش الابن الهجومية فأخذ كل طرف يغذي تطرف الطرف الآخر الى أن قام شارون بزيارة مفاجئة لموسكو في 7 ايلول سبتمبر الماضي وطرح للمرة الأولى فكرة تصفية السلطة الفلسطينية وإزاحة رئيسها ياسر عرفات الأمر الذي أثار استغراب الرئيس الروسي واستنكار الكثير من الدول الأوروبية والعربية لهذا المشروع الاستفزازي. وحين وقعت ضربة 11 ايلول في مانهاتن وواشنطن رفع شارون من حدة مشروعه الانتحاري مستغلاً الغضب الأميركي وتعاطف الرأي الدولي مع تلك المشاعر المستنكرة التي صدرت عن عواصم القرار الدولي. استغل شارون سياسة الغضب الثأرية الأميركية الى حدها الأقصى مندفعاً بمشروعه التصفوي الى حدود التدمير الشامل لكل رموز السلطة الفلسطينية ومنجزاتها في السنوات العشر الأخيرة. ولاقت تلك السياسة الشارونية الدعم الكامل من إدارة البيت الأبيض في محاولة منها لربط القضية الفلسطينية بمسألة الإرهاب الدولي وحرب واشنطن في افغانستان ضد حكم طالبان وتنظيم القاعدة. وأسهم الربط اللامنطقي في تقديم هدية لمشروع شارون وتبريره سياسياً ودولياً. فواشنطن غطت انحيازها المطلق بفكرة الإرهاب وتل ابيب غطت مشروع شارون بفكرة مكافحة منظمات سياسية تتبع اسلوب الإرهاب لنيل مطالبها. وبين تطرف شارون وغضب بوش الابن ضاعت الحقائق الأساسية فغُيِّب المصدر الأساس للتصعيد واتُّهم المدافع عن نفسه بأنه يتحمل مسؤولية افعال غيره. فواشنطن تطالب عرفات بمحاصرة الإرهاب وشارون يحاصر عرفات في مقره الرئاسي في رام الله متهماً إياه بتشجيع الإرهاب. أوصل التناغم بين تطرف شارون وغضب بوش المأساة الفلسطينية الى شفا الهاوية، إذ ان تل ابيب تهدد بتوجيه الضربة القاضية وواشنطن تتوعد برفع الغطاء عن السلطة الفلسطينية. وكل هذه الأمور حصلت قبل ضربة 11 ايلول وبعدها وهذا ما يسقط الأقاويل التي تربط تغير الاستراتيجية الأميركية باختلاف مزاج بوش بعد تداعيات ازمة افغانستان. فالسياسة الجديدة بدأت قبل شهور من ضربة 11 ايلول وهذا يعني ان هناك استراتيجية موضوعة سلفاً واستُغلت الحوادث اللاحقة لتبرير تنفيذها من طريق القوة. وما يحصل الآن من تصعيد اسرائيلي ورد فعل فلسطيني هو ترجمة منطقية لسياسة اللامنطق الأميركية التي تبرر مشروع شارون القائم على فكرة نقض كل الاتفاقات الدولية ورفض كل سياسات حزب العمل الاسرائيلي وتحميل مسؤولية التصعيد لمشروع عرفات القائم على فكرة القبول بالقرارات الدولية وكل الاتفاقات الموقعة مع إسرائيل بإشراف الولاياتالمتحدة. فهل تعدلت الاستراتيجية الأميركية وباتت في موقع مضاد لكل السياسات السابقة التي قامت على موضوع احترام الاتفاقات والقرارات الدولية؟ هذا السؤال يحتاج الى جواب واضح من بوش الابن وليس من السفاح شارون.