تريد الولاياتالمتحدة نشر الديموقراطية في البلدان العربية في الشرق الأوسط. والديموقراطية العربية ستفيد الشعوب العربية، ولكن هل تفيد الولاياتالمتحدة؟ أبدأ من البداية، فالآنسة شارلوت بيرز، وهي وكيلة جديدة لوزارة الخارجية الاميركية مهمتها تلميع صورة بلادها في الخارج، أعدت مبادرة ديبلوماسية لنشر الديموقراطية كشف النقاب عنها السفير كريستوفر روس. عرفت روس منذ اوائل السبعينات عندما عمل في السفارة الاميركية في بيروت، وهو تدرج في المناصب الديبلوماسية بعد ذلك وشغل منصب السفير الأميركي في الجزائر وسورية، ورأس مكتب مكافحة الارهاب في وزارة الخارجية، وتقاعد ليعود مستشاراً بعد ارهاب 11 أيلول سبتمبر، فهو خبير حقيقي في المنطقة يتقن العربية كأهلها. وأزيد انه اميركي مخلص لبلده يفهم القضايا العربية ويتعاطف مع العرب، ولا يمكن ان يدخل مشروعاً يؤذيهم. الديموقراطية ستفيد الشعوب العربية بالتأكيد، ولكن هل تفيد الولاياتالمتحدة؟ سبب سؤالي هو حقيقة اكيدة. فالأنظمة العربية غير الديموقراطية والحكومات اكثر قرباً الى الولاياتالمتحدة، وأكثر استعداداً للتعامل معها من الشعوب العربية التي تعتبر الولاياتالمتحدة عدواً بسبب تأييدها الكامل لاسرائيل على رغم الارهاب الذي تمارسه هذه بحق الفلسطينيين. السفير روس يقول ان الحملة الاميركية "ستشمل استخدام وسائط الاعلام والديبلوماسية والمبادلات الثقافية، وستقدم الديموقراطية والانفتاح كرؤيا لمستقبل أفضل، مستقبل لا يطلب من الشعوب اللجوء الى الارهاب". وتحدث روس تحديداً عن مناهج التعليم في البلدان العربية والاسلامية وضرورة تطويرها لتصبح ادوات للحياة العصرية، وليس المستقبل المظلم الذي يسعى اليه اسامة بن لادن وأمثاله. أريد ان أنتهي من مسألة التعليم بسرعة قبل ان أعود الى الديموقراطية، فلا أختلف مع كريستوفر روس بشيء، وانما أقول انه مشروع طويل الأمد جداً، فأولاً تعديل المناهج، وهذا يتطلب سنوات، ثم تعليمها، وهذا يتطلب سنوات اخرى قبل ان يتخرج طلاب درسوا هذه المناهج الجديدة. وباختصار شديد، فموضوع التعليم، لو اتّفق عليه غداً، لاحتاج في تقديري الى عشر سنوات قبل ان يؤتي ثماره. غير ان الولاياتالمتحدة تواجه مشكلة اليوم في علاقاتها مع الدول العربية والاسلامية، وتسعى الى حلها بالديموقراطية. لو ان الدول العربية اصبحت ديموقراطية على الطريقة الغربية غداً لدمرت المصالح الاميركية في الشرق الأوسط تدميراً، فالشعوب العربية تعادي الولاياتالمتحدة اكثر من الحكومات، ولا بد من ان كل سفير اميركي عمل في منطقتنا يعرف هذا. نريد ديموقراطية كاملة في كل بلد عربي، غير ان موضوعي اليوم ليس ما نريد، بل ما تريد الولاياتالمتحدة، وهو ديموقراطية تبعد الناس عن الارهاب وتحمي المصالح الاميركية. هذا لن يتحقق الا اذا غيرت الولاياتالمتحدة سياستها في الشرق الأوسط، وتوقفت عن دعم الارهاب الاسرائيلي ضد الفلسطينيين وبقية العرب. الولاياتالمتحدة تزود اسرائيل بالسلاح الذي تقتل به الفلسطينيين، وبالمال لتستمر في ارهابها، وتحميها بالفيتو في مجلس الأمن، وكل الديموقراطية في العالم لن تغير هذه الحقيقة، وبالتالي لن تغير مواقف الشعوب العربية والاسلامية. هناك مئة سبب للالتقاء بين الولاياتالمتحدة والعرب والمسلمين، وسبب وحيد للافتراق هو اسرائيل. والغضب العربي والاسلامي من الولاياتالمتحدة يجب الا يحجب المصالح المشتركة والعلاقات الطيبة على اكثر من صعيد، وقد حارب العرب والمسلمون الى جانب الولاياتالمتحدة المد الشيوعي في كل بلد منذ الخمسينات، والى حين سقوط الشيوعية. ولعل مشكلة افغانستان هي من نوع الأثر الضار لعلاج يشفي، فالمجاهدون هم الذين دقوا المسمار الأخير في نعش الشيوعية، عندما هزموها في افغانستان بمساعدة اميركية نشطة. والولاياتالمتحدة وقفت مواقف طيبة من المسلمين، فقد كان تدخلها الفاشل في الصومال لأسباب انسانية، وهي تدخلت في البوسنة وكوسوفو. بل يمكن ان نزيد انها وقفت في جانب الفريق صاحب الحق في الحربين العالميتين الأولى والثانية، ولم تكن يوماً دولة مستعمرة في المشرق العربي مثل بريطانيا وفرنسا. اسرائيل هي نقطة الخلاف الوحيدة بين الشعوب العربية والولاياتالمتحدة، وإذا ارادت الولاياتالمتحدة حماية مصالحها على المدى الطويل، فعليها تغيير موقفها من الصراع العربي الاسرائيلي، وعدم الاعتداء علينا كل يوم مع اسرائيل. نطلب الديموقراطية ونصر عليها، ولا نعارض تعديل مناهج التعليم، ولكن أزيد شخصياً ان الديموقراطية اكبر خطر على الولاياتالمتحدة في البلدان العربية، ولا بد من ان كريستوفر روس وغيره من السفراء الاميركيين السابقين والحاليين في المنطقة يعرفون هذا جيداً.