«سلمان للإغاثة» يختتم الأعمال المتعلقة بتوزيع الأبقار على أمهات الأيتام والأرامل بسوريا    انطلاق جائزة السعودية الكبرى stc للفورمولا 1 بجدة    القادسية يكسب النصر بثنائية في دوري روشن للمحترفين    المملكة تدشّن مشاركتها في المعرض الدولي للنشر والكتاب بالمغرب 2025    وزير الصحة يلتقي نظيره الإيطالي    إنتر ميلان يعلن إصابة مهاجمه قبل مواجهة برشلونة المرتقبة    القبض على 4 يمنيين بمكة لارتكابهم عمليات نصب واحتيال بنشر إعلانات حملات حج وهمية    عبدالله السلوم البهلال مدير تعليم عسير الأسبق في ذمة الله        قطاع وادي بن هشبل الصحي يُفعّل عدداً من الفعاليات    بلدية البصر تطرح فرصة استثمارية في مجال أنشطة الخدمات العامة    صيد سمك الحريد بجزر فرسان .. موروث شعبي ومناسبة سعيدة يحتفي بها الأهالي منذ مئات السنين    جمعية المودة تدشّن "وحدة سامي الجفالي للتكامل الحسي"    وزارة التعليم تعقد دراسة لمساعدي مفوضي تنمية القيادات الكشفية    القائد الكشفي محمد بن سعد العمري: مسيرة عطاء وقيادة ملهمة    محافظ الطائف يستقبل مدير عام الرئاسة العامة لهيئة الأمر بالمعروف    ٢٤ ألف زائر وأكثر من 4 آلاف اتفاقية في منتدى العمرة    إدارة الأمن السيبراني بالرئاسة العامة لهيئة الأمر بالمعروف تحصل على شهادة الآيزو    «حرس الحدود» بينبع يحبط تهريب (3.6) كجم "حشيش"    نائب أمير الشرقية يعزي أسرة الثميري في وفاة والدتهم    خطباء المملكة الإسراف في الموائد منكر وكسر لقلوب الفقراء والمساكين    وفاة الفنان المصري سليمان عيد إثر تعرضه ل"أزمة قلبية"    روبي ويليامز: طلبات التقاط الصور الذاتية تصيبني ب «الذعر»    إمام المسجد الحرام: الدنيا دار ابتلاء والموت قادم لا محالة فاستعدوا بالعمل الصالح    وزارة الرياضة ومجمع الملك سلمان للغة العربية يطلقان "معجم المصطلحات الرياضية"    موعد مباراة الاتحاد القادمة بعد الخسارة أمام الفتح    مبادرة "نبض إنسان" تواصل جهودها التوعوية    إمام المسجد النبوي: التوحيد غاية الخلق وروح الإسلام وأساس قبول الأعمال    خالد بن محمد بن زايد يشهد حفل افتتاح متحف "تيم لاب فينومينا أبوظبي" للفنون الرقمية في المنطقة الثقافية في السعديات    تعاون بناء بين جامعة عفت واتحاد الفنانين العرب    محافظ صامطة يلتقي قادة جمعيات تخصصية لتفعيل مبادرات تنموية تخدم المجتمع    جامعة شقراء تنظم اليوم العالمي للمختبرات الطبية في سوق حليوة التراثي    إعاقة الطلاب السمعية تفوق البصرية    صعود مؤشرات الأسهم اليابانية    مجلس الأمن يدعو إلى وقف دائم لإطلاق النار وعملية سياسية شاملة في السودان    مرصد حقوقي: المجاعة وشيكة في غزة ومليون طفل يعانون سوء تغذية حاد    رسوم ترمب الجمركية ..التصعيد وسيناريوهات التراجع المحتملة    تشيلسي الإنجليزي يتأهل للمربع الذهبي بدوري المؤتمر الأوروبي    قتيلان في إطلاق نار في جامعة في فلوريدا    نائب وزير الخارجية يستقبل وكيل وزارة الخارجية الإيرانية    الغزواني يقود منتخب جازان للفوز بالمركز الأول في ماراثون كأس المدير العام للمناطق    في توثيقٍ بصري لفن النورة الجازانية: المهند النعمان يستعيد ذاكرة البيوت القديمة    وزير الدفاع يلتقي أمين المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني    نائب أمير منطقة جازان يضع حجر أساسٍ ل 42 مشروعًا تنمويًا    معرض اليوم الخليجي للمدن الصحية بالشماسية يشهد حضورا كبيراً    24 ألف مستفيد من خدمات مستشفى الأسياح خلال الربع الأول من 2025    تجمع القصيم الصحي يدشّن خدمة الغسيل الكلوي المستمر (CRRT)    مشاركة كبيرة من عمداء وأمناء المدن الرياض تستضيف أول منتدى لحوار المدن العربية والأوروبية    قطاع ومستشفى تنومة يُنفّذ فعالية "التوعية بشلل الرعاش"    يوم الأسير الفلسطيني.. قهرٌ خلف القضبان وتعذيب بلا سقف.. 16400 اعتقال و63 شهيدا بسجون الاحتلال منذ بدء العدوان    5 جهات حكومية تناقش تعزيز الارتقاء بخدمات ضيوف الرحمن    "التعليم" تدشن مشروع المدارس المركزية    بقيمة 50 مليون ريال.. جمعية التطوع تطلق مبادرة لمعرض فني    معركة الفاشر تقترب وسط تحذيرات من تفاقم الكارثة الإنسانية.. الجيش يتقدم ميدانيا وحكومة حميدتي الموازية تواجه العزلة    الاتحاد الأوروبي يشدد قيود التأشيرات على نهج ترامب    القيادة تعزي ملك ماليزيا في وفاة رئيس الوزراء الأسبق    قيود أمريكية تفرض 5.5 مليارات دولار على NVIDIA    قوات الدعم السريع تعلن حكومة موازية وسط مخاوف دولية من التقسيم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



العمران البغدادي الجديد : «الحرية» كذائقة فجّة
نشر في الحياة يوم 25 - 09 - 2011

منذ تسعينات القرن العشرين، نهضت في العاصمة العراقية، ولاحقاً في مناطق ومدن عدة في البلاد، عمارة بملامح ضخمة من «الكونكريت» والزجاج والأعمدة العالية، وهو ما يعرف بطراز «دبل فوليوم» أو «الحجم المضاعف» في العمارة، خصوصاً الأبنية السكنية، إذ أوقفت الدولة البناء نتيجة العقوبات الدولية. وهذا الملمح يراه معماريون «دخيلاً ومشوِّهاً» للعمارة العراقية التي طبعها مهندسون من أجيال وصفت بأنها زاوجت بين رؤية الحداثة والخصائص المحلية البيئية والاجتماعية.
وازداد التشوه هذا بأثر من الفوضى وغياب مؤسسات الدولة العراقية بعد الغزو عام 2003، فتعطلت دوائر التخطيط الحضري في بغداد وكبريات المدن العراقية، ما أدّى إلى أن يبني المواطنون ما يريدون، وكيفما اتفق، دونما سياق هندسي أو ضوابط معمارية. وبما أن غالبية من تولوا الإشراف على الدوائر البلدية في بغداد والمدن العراقية، هم من أصول اجتماعية غير مدينية، ولم يألفوا تقاليد الحياة فيها، وتحديداً في سياقات التخطيط الحضري، فإنهم لم يعترضوا على أساليب بناء تفتقر إلى الانسجام الهندسي والسلامة المعمارية، فسادت فوضى معمارية هي أقرب إلى التشوه، عمّقها الفساد الواسع الذي رافق ما سمي «مشاريع إعادة الإعمار» التي انتهت إلى أبنية عامة ورسمية مطلية بألوان فاقعة يعوزها التناسق والذوق السليم. فلا غرابة في أن تجد في بغداد اليوم مبنى حكومياً وقد طليت واجهته باللون الأرجواني، ولا مفاجأة في أن تجد مبنى هو حالياً الأعلى في بغداد، أي مبنى «مصرف الرافدين»، وقد تحول من اللونين الأبيض والذهبي إلى بناء من 15 طابقاً مغلف بمادة بلاستيكية واللونين الرصاصي والأحمر! وليس غريباً أيضاً أن تكون مراكز أمنية أو حواجز تفتيش مسورة بال «كونكريت» المصبوغ بالوردي، من دون أن ينسى القائمون عليها «تزيينها» بسلال من الورد الصناعي الذي تلاشت ألوانه لفرط الغبار والرصاص الذي تتركه عليه عوادم السيارات.
اليوم يرد معماريون ومثقفون وفنانون تشكيليون أزمة غياب الذائقة إلى تحولات بغداد الصاخبة، وما تعيشه من هواجس موت وحياة في آن واحد. فيقول أستاذ العمارة في الجامعة الملكية الدنماركية للعمارة خالد السلطاني: «أياً تكن الأسباب التي أوصلت بغداد إلى هذه الحالة، فنحن إزاء مدينة-عاصمة لا تشبه مدن العالم ولا تماثل عواصمه، مدينة تائهة، فاقدة لذاكرتها، وطاردة لأهلها ومحبيها، هي الشاهدة الآن على موجات نزوح سكّاني، تعيد به ترتيب وضعها الانثروبولوجي والديموغرافي، وتجترح منظومة تراتبية جديدة، إضافة إلى قدر تعايشها مع التناقضات، خصوصاً ثنائية الحرب والسلم على سطح واحد».
ويضيف السلطاني عن القلق البغدادي أن هذه «معايشة نادرة في تاريخ المدن، من حيث مراعاتها أولاً لمتطلبات الحرب، المفروضة عليها، ففضاؤها المكاني الآن مسرح لعمليات عسكرية مجنونة، لا رحمة فيها، ولا تراعي حرمة مواطنيها، وفي الوقت عينه، عليها أن تأخذ في الاعتبار شروط سلام ما والتحايل للتعايش معه، وهذا الوضع الغريب أفضى إلى هذا الوضع الملتبس الذي تعيشه بغداد اليوم وينعكس على كل مظاهر الحياة بما فيها العمارة».
غير أن هناك من الفنانين والمعماريين من يذهب إلى أكثر، فهم أقرب إلى الغضب منهم إلى «التفهّم» الذي يبديه السلطاني في تحليله الهادئ، إذ يرون تلك الأبنية بالملامح المزركشة والألوان الفاقعة فيتحدّثون عن «انحدار بغداد إلى السوقية والابتذال»، ويلومون «الأجهزة الفاسدة والسفاهة الحكومية». غير أن مواطنين ممن اختاروا السكن، أو يعجبهم العمل في أبنية ضخمة مبهرجة الألوان، يقولون إنهم ملّوا «الوصاية» التي مارستها طويلاً أجهزة التخطيط الحضري في مؤسسات الدولة العراقية أيام النظام السابق، في إشارة إلى الألوان الترابية الكئيبة والعمارة المحافظة التي كانت سائدة، ويعتبرون أنهم «يحاولون إبعاد الماضي المحبط ونسيانه عندما لم يكونوا أحراراً في اختيار الألوان التي يريدون».
الألوان الفجّة هي سيدة المشهد المعماري في بغداد وعدد من المحافظات. مؤسسات حكومية بالوردي والبرتقالي والأصفر، وجدران جامعات مطلية بالنفسجي، في ظاهرة يسميها التشكيلي قاسم سبتي «الاستهتار اللوني»، مضيفاً: «إنه لأمر مخجل، هذا أقبح شكل ظهرت به المدينة في تاريخها».
ويرى المسؤولون إنهم «ليسوا مثل السلطة السابقة كي يتدخلوا في الاختيارات الشخصية لبناء المساكن والعمارات»، فيما يعتبر النقاد إن الظاهرة ناتجة من فساد مؤسسات وشخصيات تختار الأرخص والتعامل مع مقاولين يفتقرون إلى المهنية.
الابتذال الذوقي صار سمة مكاتب العديد من المسؤولين. ومع انهمار الأموال عليهم بسبب امتيازات وحصص من صفقات، ظهرت شراهتهم إلى التعبير عن ثرواتهم الجديدة، حتى أن مسؤولين عدة بنوا قصوراً مطلية كالعادة في شكل فاقع، في مناطقهم الريفية الأصلية، ما جعل تلك القصور تبدو كيانات ممسوخة ومنفصلة عن البيئة الريفية المحيطة بها.
وحيال هذه الفجاجة المعمارية، أطلق ناشطون «الحملة الوطنية لإنقاذ تراث بغداد العمراني»، وجاء في بيانها: «إننا كمواطنين عراقيين نفخر بموروثنا المعماري، ونعتبره جزءاً لا يتجزأ من هويتنا الوطنية، نناشد المسؤولين العمل في صورة عاجلة وجدية لإنقاذ تراث المدينة والحفاظ عليه، والابتعاد عن عمليات الهدم والترقيع والتجميل الزائفة، ما أساء إلى المدينة وشوّه طابعها».
ولعل اللافت جمالياً في تلك الحملة، مشروع يحاكي إلى حد ما مشروع تطوير «وسط بيروت»، وهو مشروع «تطوير شارع الرشيد» الذي يعتبر، والمناطق المتصلة به، وسط بغداد القديمة ومركزها. ويأتي المشروع ضمن الخطوات العملية للحملة التي يصفها المهندس المعماري والمخطط المدني تغلب تقي عبدالهادي، بأنها جاءت بعدما «عانت مدينتنا، خصوصاً خلال العقد الماضي، الأمرّين، فتدهور نسيجها الحضري وتشوه طابعها المعماري، الأمر الذي لا يسعنا أن نسكت عنه، فمسؤولية الحفاظ على الموروث العمراني والثقافي تقع على عاتق الجميع بمن فيهم الدولة التي لا تعير الموضوع اهتماماً يذكر».


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.