بدأت تلك الأثواب الزرقاء التي تغطي أجسام نساء كابول تنحسر ليظهر من تحتها بعض من ملامح الجسم، وانحسار الثوب الأزرق التقليدي الذي أعادت "طالبان" تكريسه لم يأت على شكل إقدام نساء على خلعه تماماً لتلحق بهن نساء أخريات، وإنما باشرت معظم النساء باهمال إحكامه على أجسامهن، فخرجت الأقدام من فتحاته، وغالباً ما تكون مغطاة بسراويل بيضاء مطرزة عند أطرافها. ويبدو أن نساء كابول يفقن رجالها أناقة، إذ أن الملامح التي انحسر عنها البرقع الأزرق تراعي في الغالب تناسق الألوان على نحو يخالف في الغالب الألوان الترابية لثياب الرجال. أحذية ملمعة وجوارب غير تلك التي تقي البرد. أما الوجه، ففي غياب "طالبان" صار يمكن للمرء أن يدقق قليلاً بذلك القماش الذي خُرم عند العينين ليتيح النظر. غالباً ما تشعر بأن خلف هذا القماش الشفاف عيوناً ضاحكة. تدفعك إلى هذا الشعور، حركة الرأس تلك التي تحدثها الشابة أو المرأة ما أن تشعر بأنك تنظر إليها، ويدفعك إليه أيضاً احتفال نساء كثيرات تصادفهن بعدم احترامهن احكام الثوب على أجسامهن. فواحدة ترفع طرفه بيدها اثناء مشيها بتمايل وغنج، وثانية ترفع قماشة الوجه أثناء محادثتها البائع، وثالثة اختارته شفافاً بحيث يمكن ملاحظة معظم وجهها. من المرجح أن الحياء وحده هو ما يحول دون خلع النساء في كابول نقابهن الأزرق، وهو أمر متفاوت، إذ من المؤكد أن كثيرات خلعنه وأخريات لا يرغبن أصلاً في خلعه. ويقول محمد عارف، وهو أستاذة مادة الرسم في جامعة كابول، إنه لطالما مازح زوجته طالباً منها خلع البرقع، ولكنها كانت تقول إنها تنتظر الاخريات حتى يسبقنها إلى ذلك. وزوجة محمد مضطرة إلى خلعه، إذ أنها كانت مدرسة قبل حكم "طالبان" وأجبرت أثناء حكمهم المدينة على الجلوس في المنزل، أما الآن فهي تستعد للعودة إلى مدرستها، وهذا يتطلب خلعها النقاب الأزرق. ومحمد نفسه يقول إنه بعد خروج "طالبان" من المدينة حلق قسماً من لحيته، ذلك القسم الذي كانت تقيس به دوائر الحركة تطابق طول اللحية مع المقاس الشرعي، والذي يجب ألا يقل عن طول قبضة اليد. حلق محمد جزءاً من لحيته وأبقى جزءاً آخر لئلا يظهر حليقاً وسط غابة من اللحى التي يعيش وسطها، وهو ينتظر انتهاء فصل الشتاء حتى يأتي على ما تبقى منها. لا يرغب معظم النساء الأفغانيات بالسفور الكامل، فالنقاب الطالباني جعلهن في منأى فعلي عما يحدثه شكل الشخص وملامحه ونظراته حين يلتقي الآخرين وإن عابراً. فهن لسن بحاجة إلى ملامحهن وقسماتهن لمواجهة الآخرين. في الدوائر الحكومية أصبح الأمر مختلفاً، فالموظفات خلعن البرقع واحتفظن بحجاب يظهر قسماً من شعرهن. وجوههن ظهرت طازجة وحائرة، لكنهن ما زلن مترددات في رفعها بشكل كامل في وجه المراجعين، إذ تستمر الموظفة في محادثتك مديرة وجهها إلى الأوراق التي بين أيديها، لكن ابتسامة رقيقة لا تخلو من دهشة غالباً ما ترتسم على وجهها، في حين تسرق الموظفات البعيدات نسبياً نظرات خجولة، يصاحبها تبادلهن تمتمات ربما كنّا نحن موضوعها.