أطلق صديقي اللبناني ضحكة عالية ممزوجة بالمرارة حين قرأ ان بحّارة "الأميرة سارة" الهائمة في البحر الصومالي لا يزالون أحياء. وهتف: ونحن أيضاً لا نزال احياء. ما الجديد؟ قلت ان "سارة" سفينة لبنانية مقرصنة يرفض قراصنتها حتى الآن فدية الاحتفاظ بالسفينة في مقابل اطلاق الطاقم اللبناني. فأجاب: انهم مجانين. وانطلق في رشقات من الكلام المكرور وغير المفهوم خلته معها وزير اعلام عربي. ثم أطرق وقال: "يا صديقي أعلم انك منذ 11 سبتمبر لا تعير شأننا المحلي كبير اهتمام، وتعتبر تفاصيله اضاعة وقت، خصوصاً خلافات الرؤساء ومصالحاتهم. لكن دعني أقول لك ان وجه الشبه كبير بين لبنان و"الأميرة سارة". فلبنان منذ الحرب الأهلية أو الأهلية الاقليمية اذا شئت، سفينة مقرصنة تناوب عليها خاطفون كثيرون مثلما حاول انقاذها طيبون عديدون. وعبثاً كانت تدفع الفدية على أمل الوصول الى شاطئ الأمان. فكم ظننا ان الخراب ومئات آلاف القتلى فدية كافية فسقطنا في سوء القراءة. وكم توهمنا ان المبادرات والقمم العربية تضمن الحلول فوجدنا انفسنا وسط الأمواج العاتية. ولعلك تذكر حكومات الانقاذ والوعود بالمساعدات، ثم الاجتياح الاسرائيلي وسقوط أول عاصمة عربية تحت أقدام "تساحال" من دون ان يحرك العرب ساكناً، شأنهم مع الانتفاضة اليوم. لن أدخل في التفاصيل كوني أدرك ضجرك من أوضاعنا. لكنني اقسم بأن الناس يريدون السلام ولقمة العيش ويكرهون سلوك القرصنة". قلت: يا عزيزي لست مولعاً بالتاريخ وأحب التعامل مع الوقائع السياسية الباردة والجارحة. فهلا اختصرت وأفهمتني ما دخل القرصنة حالياً بالأوضاع السائدة لديكم في لبنان؟ فأجاب: "حسناً، نص اتفاق الطائف الذي أيده العاقلون على تشكيل حكومات وحدة وطنية وإجراء اصلاحات دستورية وخلافه، فطبق جزء وتعرض جزء آخر لقرصنة دستورية. ونص اتفاق الوفاق على ان تحل الدولة الميليشيات، فحلت الميليشيات وسلوكياتها في الدولة، اي ان الدولة تعرضت لقرصنة عملية وأخلاقية بطريقة أو أخرى. ونص الاتفاق على قانون انتخاب عادل، فجرت ثلاثة انتخابات بقوانين هجينة اعتمدت المحادل واللوائح المعلبة واقترع فيها الموتى، وهو امر يُدعى عملياً قرصنة انتخابية... فإذا جئت الى الحريات فلا أبالغ في القول انها تقرصنت خصوصاً أمام قصر العدل وعلى مرأى من وزير هذا "المرفق" بالتحديد... عمّ أحدثك؟ عن الكهرباء المقرصنة ووزيرها الفاشل أم عن القرصنة الادارية المتمثلة في التعيينات للأزلام والمحاسيب... ان متابعة الحديث تعصر القلب. لكنني لن أطيل عليك. فهل تعلم ان وزير المال يفرض ضريبة القيمة المضافة بعدما عجزت الحكومة عن تحقيق كل شيء تعهدت به في مؤتمر باريس 1 للدول المانحة... ستقول ان لا دخل لذلك بالقرصنة. نعم. لكن ما اضطرارنا الى وصفات البنك الدولي لولا دين 30 بليون دولار منها ما بين 10 و12 بليوناً دفعتها الخزينة فوائد على السندات ولأجل تثبيت الليرة. فأنا شخصياً اعتبر ذلك قرصنة مالية موصوفة لمصلحة حفنة من المتمولين والمصارف. أما باريس 2 يا صديقي، فلن يعقد، إذ قرصنته واشنطن ولا أحد في وارد مساعدتنا بالمال، خصوصاً الفرنسيين في سنة الانتخابات، حتى ولو كان شيراك في جيبنا... هل لا يزال لديك وقت لأحدثك عن المحاولة التي تعرضت لها القمة العربية وعن السياسة السديدة لتحرير مزارع شبعا، وعن أشياء كثيرة يشيب لها الجنين ويندى لها الجبين حسبما يقوله المتأدبون؟ قلت: كفى. أتمنى ان يكون كلامك "غير دقيق" كي امتنع عن البكاء... على أي حال، أرجو ان يقبل القراصنة في بحر الصومال الفدية ويطلقوا بحارة "الأميرة سارة". بشارة نصار