مدرب العراق: سأواجه «السعودية» بالأساسيين    الفرصة لا تزال مهيأة لهطول الأمطار على معظم مناطق المملكة    مآل قيمة معارف الإخباريين والقُصّاص    الصندوق السعودي للتنمية يموّل مستشفى الملك سلمان التخصصي في زامبيا    مهرجان الرياض للمسرح يبدع ويختتم دورته الثانية ويعلن أسماء الفائزين    سورية الجديدة.. من الفوضى إلى الدولة    99.77 % مستوى الثقة في الخدمات الأمنية بوزارة الداخلية    خادم الحرمين يهنئ رئيس المجلس الرئاسي الليبي بذكرى استقلال بلاده    الأمن.. ظلال وارفة    إحالة 5 ممارسين صحيين إلى الجهات المختصة    اجتثاث الفساد بسيف «النزاهة»    أميّة الذكاء الاصطناعي.. تحدٍّ صامت يهدد مجتمعاتنا    عبقرية النص.. «المولد» أنموذجاً    مطاعن جدع يقرأ صورة البدر الشعرية بأحدث الألوان    نائب أمير مكة يفتتح ملتقى مآثر الشيخ بن حميد    ضيوف برنامج خادم الحرمين يؤدون العمرة    «كليتك».. كيف تحميها؟    3 أطعمة تسبب التسمم عند حفظها في الثلاجة    من «خط البلدة» إلى «المترو»    122 ألف مستفيد مولهم «التنمية الاجتماعي» في 2024    أهلا بالعالم    كرة القدم قبل القبيلة؟!    ليندا الفيصل.. إبداع فني متعدد المجالات    قائمة أغلى عشرة لاعبين في «خليجي زين 25» تخلو من لاعبي «الأخضر»    «إسرائيل» ترتكب «إبادة جماعية» في غزة    فِي مَعْنى السُّؤَالِ    التحليق في أجواء مناطق الصراعات.. مخاوف لا تنتهي    ضبط شخص افتعل الفوضى بإحدى الفعاليات وصدم بوابة الدخول بمركبته    دراسة تتوصل إلى سبب المشي أثناء النوم    ثروة حيوانية    تحذير من أدوية إنقاص الوزن    وسومها في خشومها    حرس الحدود بجازان يدشن حملة ومعرض السلامة البحرية    وانقلب السحر على الساحر!    ضرورة إصدار تصاريح لوسيطات الزواج    النائب العام يستقبل نظيره التركي    منتخبنا كان عظيماً !    5 مشاريع مياه تدخل حيز التشغيل لخدمة صبيا و44 قرية تابعة لها    استثمار و(استحمار) !    رفاهية الاختيار    نيابة عن "الفيصل".. "بن جلوي" يلتقي برؤساء الاتحادات الرياضية المنتخبين    الأخضر يستأنف تدريباته استعداداً لمواجهة العراق في خليجي 26    اختتام دورات جمعية الإعاقة السمعية في جازان لهذا العام بالمكياج    آل الشيخ: المملكة تؤكد الريادة بتقديم أرقى الخدمات لضيوف الرحمن حكومة وشعبا    وزير الدفاع وقائد الجيش اللبناني يستعرضان «الثنائية» في المجال العسكري    موارد وتنمية جازان تحتفي بالموظفين والموظفات المتميزين لعام 2024م    "التطوع البلدي بالطائف" تحقق 403 مبادرة وعائدًا اقتصاديًا بلغ أكثر من 3مليون ريال    وزير الخارجية يصل الكويت للمشاركة في الاجتماع الاستثنائي ال (46) للمجلس الوزاري لمجلس التعاون    حلاوةُ ولاةِ الأمر    بلادنا تودع ابنها البار الشيخ عبدالله العلي النعيم    وطن الأفراح    46.5% نموا بصادرات المعادن السعودية    التخييم في العلا يستقطب الزوار والأهالي    مسابقة المهارات    ما هكذا تورد الإبل يا سعد    الزهراني وبن غله يحتفلان بزواج وليد    منتجع شرعان.. أيقونة سياحية في قلب العلا تحت إشراف ولي العهد    نائب أمير منطقة مكة يطلع على الأعمال والمشاريع التطويرية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الترابي يكتب من سجنه عن الارهاب السياسي وتقويم هجمات أميركا : الحق والخير أن لا تتأصل علاقات العالم على الارهاب بل تعتدل الرهبة والرغبة وتجري المصالح والمشاعر بين العالمين الحلقة الاخيرة
نشر في الحياة يوم 20 - 01 - 2002

} بعد أيام قليلة يوافى الشيخ حسن الترابي عيد ميلاده السبعين، كما يوافى ذات التاريخ - على الأغلب - أياماً جديدة تضاف إلى نحو 2500 يوم قضاها في سجون الرئيس السابق جعفر نميري وإلى أكثر من ثلاثمئة يوم ما يزال يقضيها في سجون تلاميذه السابقين.
وشهدت السجون الأولى ميلاد مؤلفاته الأولى "الصلاة عماد الدين" و"الايمان أثره في حياة الإنسان"، وتبلور نظرياته التي اشتهرت في "تجديد اصول فقه الأحكام"، و"تجديد الدين وتحديث حركة الإسلام" و"اصول الفقه السلطاني أو السياسي". أما التجربة الراهنة في السجن والخلوة والكتابة، فشهدت صدور الرسالة التي قوّم فيها سنواته في الحكم والسلطة، وما تنشره "الحياة" اليوم بعنوان "ظاهرة الإرهاب السياسي وتقويم حادثة سبتمبر في أميركا".
وإذ لا تخرج هذه الرسالة من السياق الفكري واللغوي المتين الذي يسم كتابات الشيخ حسن الترابي، فإن تجربة الاعتزال والتأمل في الأحداث الجسام التي هزت العالم فجر الحادي عشر من أيلول سبتمبر الماضي، وحركت الاساطيل والجيوش، وما أثارت من جدل فكري وسياسي بلغ حد المواجهة - في بعض المستويات - بين الإسلام والغرب، فإن مساهمة اليوم لمفكر من تيارات الصحوة الإسلامية، تعتبر مساهمة خاصة جديرة بالقراءة المتعمقة والنقاش الجاد.
يقارب الترابي موضوعه بثقافته الإسلامية الاصولية خصوصاً لجهة استيعابه وتوظيفه للنص القرآني وبمعرفته للقانون الدولي والدستوري، ثم تجربته في السياسة التي سلخ جل سنوات عمره الواعي ممارساً في ساحاتها. أن مسرح حادثة 11 أيلول هو الغرب في قلعته الحضارية الأولى أميركا، والشيخ الترابي هو من أكثر الإسلاميين تأهيلاً لمحاورة الغرب ومجادلته وتقديم الرؤى والمقترحات لعالم يسوده الحوار والسلام، كما تعبر عن ذلك كلماته في المقال.
تقويم الفعل والرد لواقعة سبتمبر
لم تكن حادثة الحادي عشر من سبتمبر داهية لأميركا بل كانت دهواء صدمة عالمية، الذين ابتدروها ثقافتهم وسيرتهم تعبر العالم شرقاً وغرباً، ودوافعهم أثارتها سياسات وقضايا عالمية، والوقع كان قرب مركز دولي ومحاور عسكرية ومالية عالمية المدى، وبآثارها تداعت تحالفات وتحركت عمليات حربية واستفزت مظاهرات تعبير كلها عالمية. ففاعلوها لم تطرأ منهم مبادرة طائشين بغير سياق من سابق مظالم يستشعرونها ولا نزوة غاضبين متوترين لاختلاف الملة والهوية ولا عدوة حاسدين أهاجهم ترف الثروة يريدون إيقاع غرمة لها واستلاب غنمة لأنفسهم. وإنما بذلوا عزيز النفوس واقتحموا أزيز المخاطر بدافع من شعور محتدم من شاهدين من قريب لسلطان أميركا، ولمواقفه المناوئة للإسلام الناهض الممالئة لكل الطغاة الجبابرة الذين يكتبونه المتغاضبة لأجلهم عن دعاوى الحرية والديموقراطية مثلاً عالمية، ولنفوذه العالمي الذي يسخّره لمحالفة الظالمين المحاربين لشعوب الإسلام والعروبة لا سيما اليهود في فلسطين ولمكايدة بلاد كلها اتفاقاً مسلمة عربية كانت أو افريقية أو آسيوية. والفاعلون ثقافتهم لها أصول إسلامية تقليدية ينحسم فيها فرقان جهادي بين المسلمين والكافرين لا يصلهما حوار، وعليها أثر من تراث العنف التقليدي في الثقافة الأميركية، وفيها كسب تربية علمية غربية ودربة على فنون التدابير الفاعلة الوقع. وما كان لأولئك المتبرمين من مجال حر ليصابروا ويفرجوا غم النفوس مجاهدين باللسان والحركة فهم بين طريد ومحصور ومكبوت لدرجة الانفجار.
ولئن لم تكن المصيبة المباغتة تعدياً وتسدياً بغير أصل مستفز فهل بغى فاعلوها على حد المدافعة وتقوى المجاهدة. هل كانوا أفراداً خواصاً واستهدفوا سلطان دولة لا يليهم امرها والأولى ان يكلوه الى دولة مثلها، ام العالم اليوم ساحة واحدة يتداخل سلطانها لا سيما اميركا التي تبسط يدها عبر الأرض ولا حرج من تصيب ومن يصيبها ومن اين ما حقت الإصابة مدافعة. لقد تقصد الفاعلون مراكز التدبير العسكري والهيمنة المالية لعدوهم وتلك اهداف مشروعة في الحروب ولكنهم اصابوا بضعة آلاف من العاملين الأبرياء في عزل من الجندية أو حيد في الهموم العالمية وبعضهم من موالي وطن ودين آخر. وقد كف الله يد المسلمين عن البلد الحرام وهم في الحديبية لأن في مكة مسلمين ومسالمين ما هم سنن عداء الأكابر للإسلام وقدر الله الفتح المبين لا في معركة بل في سلام ما بدا عادلاً لكنه فتح فرصاً رجحت بالإسلام حتى فتح مكة لم يسفك دماؤها وإنما شرح بالهدى كل القلوب في سلام. وفي القرآن والسنّة وصية باتقاء نيل الأبرياء بالقتال. وغالب الانعطاف في العالم كرهاً لواقعة سبتمبر إنما كان بأثر التفجع من هلاك آلاف كانت بغالبها غافلة عن قضايا الاختصام والاحتراب المعنية. وما قصد الجهاد شرعاً ان يشفي المجاهدون الغيظ انتقاماً وحسب بل هو في سبيل الصد والحماية الأحكم من الشر العادي والكفاية الألزم للخير الذي يتهدده العدوان، وهل ترى يزدجر اولئك الذين أصابتهم الرزيئة ويرتدعون من عاقبة مواقفهم وسياساتهم التي جرّت إليها؟ أم ان الهجمة التي وقعت عليهم فهدمت صروحهم وأهلكت أرواحاً وهشمت جاهاً تفحص غرورهم؟ أم انها تزيدهم نقمة فينقلبون يطلبون ثأرهم وإذ فاتهم القصاص من الفاعلين يسعون فيمن وراءهم في العالم المسلم كله مغرمة ومقاصة؟ هل كان الأرشد ان يدرك المجاهدون ان الدولة المصابة تلك ما كان ليردعها افراد وإن اصابوها في موجع فهي بخلقها وزهوها واستكبارها المستخف بالعالم اليوم قد تخبط ضاربة في كل صوب لا يردها احد بل تسكرها قوتها ويغريها بالتمادي ضعف المسلمين؟ هل كان الأوفق ان تتصوب المجاهدات المشروعة بروية دون حماقة الى ساحة المسلمين اولاً تغشاهم فعالة حتى تذهب زبدهم الذي فوقهم جفاء وتفجر الحياة والعزة في مجتمعاتهم الميتة الذليلة فتستعيد الأمة قوتها ورهبتها فيتعدل ميزان قوى العالم المائل ظلماً حتى يتساوى بنو آدم فيتسالمون في وئام وإذا جنحت فيهم قوة مستعظمة الظلم الى العدوان تدافعوا عليها كافة ليصدوها وتستقيم الحياة في الأرض؟
ان الواقعة احدثها اصل مشاعر دفاع بالحق، لكن الفعل دانى أو جاوز حدود الرشد والتقوى وقارب الإرهاب. ولكن عاقبة الواقعة أحدثت رداً باطشاً وجرت إرهاباً أعظم. أولئك المصابون ربما حق لهم ان يثيرهم الأذى البالغ في النفوس والأموال والكرامة، وما كانت حركتهم بأصلها مبادرة من ذي بدء هيجة من فيض الغرور. وقد بلغ بهم سيل القوارع المتوالية الزبى، لم تتوافر لهم فيها ولا في الأخيرة بينات دلائل تصوب المسؤولية كما يقتضي عرف العدالة وشرعها في العالم، ولكن فتنة الرزايا حملتهم على قذف الملام بالظنون الى ما حول الفاعلين الذين قضوا نحبهم، صوبوا الى هدف مظنون هو الشيخ أسامة بن لادن وصحبه الذين بلغتهم منهم نذر الجهاد علانية، ثم شملوا أفغانستان التي تجيرهم لأنها تحول ما بين طالب الثأر وبينهم فأنذروها لتسلمهم بغير حق وأعقبوا حملات الحرب عليها ضرباً أعشى لا يدري كيف يعين الهدف المتهم او يصوب الى ولي الأمر الملوم او يميز المحارب المدافع من الشيوخ والنساء والولدان او يعرف من السماء دواوين الجند وأخباءهم من بيوت عامة الناس او يتبصر مواقع السلاح وآلاته بما يجعل لرميه وقعاً مرضياً. وما كان لعودة الأميركان ضابط بل رفعوا ايضاً ستار الارهاب المبهم لينالوا به كل مغضوب عليه من المسلمين لتبلغه حملة العقاب المحيطة. ودون القتل الفتاك ببلد الهدف والنذر بما تنتظره بلاد اخرى، أحيط بآلاف المسلمين في أميركا ترجمهم الظنون وتنالهم أذية من جمهور محرض، وبمئات تقبض عليهم السلطات بأوهام الاشتباه.
ولئن كان الخطأ متداولاً بين فاعلي الحادثة والمصابين فقد تفاوت القدر بين خاطئين افراداً يتناجون وعددهم قليل وأمة خاطئة عليها دولة أولى لأن يرشدها نظام التشاور الكثيف لا أن يهيجها التحاض العنيف، وبين قتل آلاف في الواقعة لم يقصد الهاجمون عدهم وقصدهم وموت آلاف جرحى وجوعى في حرب العقاب وعقابيلها عمداً وئيداً، وبين خسارة الدولة المصابة وأولياؤها مالاً وكرامة وخسارة المسلمين الأعظم. الكلام في الإعلام الأميركي والغربي يتداعى حملة على المسلمين كافة والكراهية لهم تحمى والاشتباه والظن بهم يشتد، والحركات الإسلامية فيهم كلها تحصر وتحاصر، وأموال الخير بينهم يرتاب بها وتصادر، والوحشية الاسرائيلية تستظل بالحملة على وهم الارهاب وتستظهر بغضب أميركا وبانشغال العالم فتسفك الدماء وتخرب الديار في فلسطين، وشعوب وبلاد اسلامية شتى تقعد فزعة تنتظر الشر القادم بوعيد أميركا. وشعوب مسلمة أخرى أصبحت مرامي وضحايا لظالمين آخرين انتهزوا الفرصة لشد الوطأة على قوم في قلة وذلة بدأوا أمس يقاومون بحق قضاياهم واليوم ارتدت عليهم غاشية الحملة على الإرهاب الإسلامي، وتلك ظاهرة لم يسلم منها مسلمون في الأرض جميعاً. ان ذلك كله اخباراً ومشاهد استفز المسلمين فعبروا وظاهروا وازادت كراهيتهم لأميركا ومن والاها واحتد ضيقهم وضجرهم بالذين نافقوها ووالوها وهم يرون ما يصيب المسلمين. فالوقود في العالم يتعاظم لنيران الصراع بين حضارة الغرب القوية المغرورة وصحوة الإسلام المتصاعدة ولو بوقع المصائب، وإذا احتدم هذا الصراع وفشت روحه فإن اعراضها ستنفجر في كل الأرض. فما عاد بنو الإنسان في ديار متمايزة بل حياتهم متعامدة أركانها متشابكة شعابها متفاعلة دوافعها وحيثما أصيبوا يتداعون جميعاً بالفواجع المتوالية. ومن الخير ألا يتمادى طغيان الأقوياء على المستضعفين فلن يسكن هؤلاء إذا استفزوا ولن يعجزوا ان يصيبوا من الأقوياء، مما يتفاقم به تداول التعانف بين قوى البشر الخاصة والسلطانية ويخسر العالم بذلك، طاقاته تتخاصم ومكاسبه تتصادم في عصر تواثقت فيه أسباب الاتصال والتعاون المعمر للحياة وتكثفت مخاطر الصراع الساحق المدمر.
المعالجات الأحكم
1 - ينبغي أولاً أن تعالج أصول الصراع الذي بدت حوادث سبتمبر المروعة من أعراضه، لها سوابق كرب ولواحق حرب كلها من ظاهرة الرهبوت. ويلزم ان يتوقى من تعرضوا لحدثانها حمية المغاضب والملاحم ومشاهد ثوراتها وبروز اعيانها لئلا تنتشر فتنتها المثيرة مثالاً وقدوة. وذلك لئلا تتفاقم الظاهرة تفاعلاً متجاوباً وداء معدياً بين الحضارات والقوميات والكيانات يُسقط غالب بني آدم صرعى. وأميركا قوة العالم العظمى اليوم اليها تؤول المسؤولية الأعظم واليها وردت بادرات هذه الأزمة الأخيرة ومنها تصدر مجاوبتها، هي الأولى ان تبادر لمعالجة الأسباب والآثار، لا بد ان تراجع سياساتها في كثير من القضايا التي ورطتها في مواقف منها على حساب المسلمين تظلمهم أو توالي أو تغض الطرف عن عدوهم الظالم. لا سبيل لها ان تعتزل العالم فمصالحها أشد اعتلاقاً بعالم مشتبك. عليها ثم على البلاد التي تليها قوة وعلى منظمة الأمم المتحدة أن تأخذ القضايا العالمية بجدٍ وتقضي الحاجات بسلام وتسوي الخلافات بعدل وترفع عن المسلمين خاصة مواقع الظلم البالغ الذي يثير ثائرتهم. ومن أبرز تلك القضايا ما يجري في فلسطين، الحق فيها بيّن والغرب بين معرضٍ ومحابٍ لإسرائيل ومغرض. وكذلك قضايا أخرى الأحكم والأيسر منهجاً لعلاجها لا يقتضي إلا اقامة ميزان العدل والديموقراطية والحرية والخيار العفو، حقاً للمسلمين في كشمير والشيشان والفيليبين وتركستان ولغيرهم في العالم. ينبغي لأميركا خاصة ولأوليائها عامة ان يسالموا البلاد التي احتد منها عيناً عداؤهم، لا سيما ان حيثيات الخصام الأولى تضاءلت ولم تبق إلا المحتقبات القديمة. وتلك هي ايران والعراق وسورية وليبيا والسودان ولحقتها الآن أفغانستان. لا بد كذلك من نظر تائب الى حق الإنسان فطرة وشرعة عالمية في أساس حرية المشيئة والخيار لا بد لأميركا والغرب ان يكفوا عن دعمهم سلطان الجبروت في بلاد الإسلام وتحريضه على الشعوب حيثما تجلت عن ارادة ديموقراطية مستقلة تردوها حركات نهضة اسلامية. العلاج الراشد ان تدفع أميركا أو تترك التوجه يمضي نحو بسط الحرية والديموقراطية وسائر قيم الإسلام العالمية القبول التي تترسخ الآن بين المسلمين ولا يؤدي تنكب الجبروت لها الا بانفجار الحرية المكبوتة ولا تنطعه إلا الى النزوع نحو التطرف في الاتجاهات حيث لا يلطف حدتها ويعدل نزوتها الجدال الحر. وكذلك كل وقع المظالم على القوميات والشعوب والبلاد المسلمة إذا وافته مساعي العدالة العالمية لا يدعو من كان يشعر به الا الى التصرف المعتدل المتهدن في سبيل السلام والتراضي بين العالمين. ذلك كله علاج لأصول الصراعات والمدافعات المشروعة يكفها عن الغلو وتجاوز الحدود والوقوع في الارهاب.
ثم ينبغي لأميركا وللغرب عموماً أن يراجعوا عصبية مذاهبهم التقليدية نحو الإسلام ديناً والعربية قومية والإفريقية لوناً. تلك موروثات من الحروب الصليبية والاستعمارية التي تقادم ذكرها، وما كانت أميركا تحمل روحاً منها ولا من الامبريالية الا نحو جنوبها. ثم ان في شمال العالم أقليات مسلمة مهاجرة مقدر عدها ومدها الديني المزداد، وهم بين دار الإسلام القديمة والشمال رسل تعارف وسلام وتعاون ولو أكرهوا وضيق عليهم انما يرسلون وصايا الغضب الى أهلهم الأولين. وأموال العالم الإسلامي اليوم دائرة مع أموال الغرب، والذي ينبغي هو ان تحرر كل الأموال ويتداولها العالم بعدالة، وينبغي خاصة ألا تحجز وفورات المسلمين المكنوزة في الغرب حتى لو أنفقوها في الخير والدعوة للإسلام زعماً بأنها تمول الارهاب والحركات الإسلامية. فتلك حركات عالمية بقيم دينها الأممي وباتصال العالم الميسور اليوم، وهي صحوة نامية لا يجمدها الكبت بل يثيرها، وهي سبب اتصال وحوار مع الغرب بقياداتها الموصولة بثقافته ولا معنى لملاحقتها والتحريض عليها واستعدائها. والمواقف الإعلامية والتصريحات الرسمية التي تخرج من الغرب أحياناً سباً ضد الإسلام لا بد ان تنكف، بل ينبغي للإعلام ان يكون أداة لتعرف الإسلام لا للتنفير منه والحصار عليه فما هو بمتراجع، والخير له ولأهل الغرب ان تطمئن نفوسهم اليه ويتفهمونه عامة ولا يتوهمونه إفكاً مصدر شر وتخريب وارهاب، بل يخلي تنتشر قيمه لا سيما في السماحة والانسانية وتلك معان أعمق فيه مما في الثقافات الأخرى.
2 - أصبحت أفغانستان صوباً للمسامع والمناظر يرى ويذكر الناس في العالم كافة أحوال البائسين الجاهلين المنكوبين بالأزمة المنكبة عليهم. وهذه فرصة سنحت، بعد سابقات ضاعت، لتكييف مصائر أفغانستان الى خير واستقرار. وقد تحررت أفغانستان من روسيا بثورة الجهاد، كما يقع كثيراً للمسيرات الجهادية والثورية في العالم، ورثتها حكومة وافية للوجهة الإسلامية الموعودة التي استهدفها الجهاد، ولكنها بفقر الفقه والتجريب السياسي عجزت ان تحقق في سبيل ذلك السلام بين من عهدوا وألفوا القتال في الوطن كافة أو ان تجمع الكلمة الحرة وتحسم خلافاتها بالشورى في تولي الحكم وتصريف السياسات الصعبة في ظروف الانتقال العسير. ودعا ذلك طالبان بطهارة منبتهم في عهد العلم والشباب، ان يجاهدوا ويخلعوا ويخلفوا القيادات التي اتهموا بالافتنان حول السلطان. وتأكد فيهم صدق نيات السعي على النهج الإسلامي وضبطوا الفوضى والفساد في الأرض. ولكن فقه الطلاب التقليدي أعجزهم أيضاً عن تزكية الجماهير العامة لتتجاوز عصبيتها بدعوة الإسلام الموحد لا بقوة السلطة، لا سيما انهم بحكم القرب من مواقع التعليم كانوا من قبيلة دون الآخرين. ولم يؤسسوا نظاماً للشورى يرضي الناس ويجمع اسهامهم جميعاً في الأمر العام حتى يكملوا النظام الآمن الحر واتاحة وسائل البلاغ والاتصال، ولا بسط المساواة وفتح فرص كسب العلم والمال للنساء صنوان الرجال وتحريرهن من التقاليد العرفية الظالمة. ولم يعهدوا من علم أو تجربة حكم المعالجة لقضايا اللاجئين ومصابي الحرب ولدفع النهضة للحياة بعد الخراب. ولقد أحسنوا وأجاروا العرب الذين جاهدوا معهم بالأموال والأنفس وضاقت عنهم بلادهم، وذلك تحقيق وتجديد لمعنى وحدة الأمة المسلمة وراء عصبيات الأوطان ولكنهم ظلوا منعزلين عن العالم. وكانت أميركا وبلاد أخرى راضية ان الشيوعية قد صدها الجهاد ولم يخلفها مشروع حكم اسلامي حي يخشى ان يحرك الأمة المسلمة كلها نحو الإسلام الحاكم كما حركتها دواعي التحرير والجهاد ذلك لأن الضربة الجهادية الأفغانية أتمت وقع عوامل أخرى قضت على الشيوعية وأورثت أميركا الاستئثار بالنفوذ العالمي الذي كان يتقاسمه قبلاً الشرق والغرب، وأصبحت تمد يدها في الأرض عبر كل حد دولي ورغم كل عز لسيادة وطنية. ولذلك متى طلبت أميركا متهماً لديها فمن يجيره استحق العقاب وأمرها استوجب النفاذ ولو برهبوت حرب مدمرة. ويمالئ أميركا كثيرون، لا في غرضها الخاص العاجل، لكن في همها الأكبر ان تعلوا على كل أرض اسلامية لها فيها مقاصد وأن تئد كل مشروع اسلامي ناهض قد يستقيم وينتشر وتضطرب به الموازين الظالمة. ومن أولئك الخاشعين لأميركا رغبة ورهبة والمشاركين لها مقصداً، حلفاً يخطط الآن للأفغان مصيرهم السياسي، روسيا التي لا تنسى أفغانستان وتخشى الإسلام في جنوبها كله، والصين التي لا تطمئن لشمالها الغربي المسلم، وأوروبا التي أخذ يتكاثر ويتبارك فيها الإسلام، وبلاد آسيوية وافريقية تستغل قبح النسبة الى الإرهاب لتسمع بالأقليات المسلمة المتحركة فيها وتستذلها، وبلاد مسلمة ينزعج حكامها الكافرون بالإسلام السياسي أن يظهر شرعه في بلد فقير جاهل كأفغانستان، وشرائح مسلمة لا تعجبها صورة الإسلام وتطبيقاته في أفغانستان وتؤثر ان يزول كله لا أن يستقيم.
أما مجتمع أفغانستان فهو راسخ الدين مجاهد أعجز أمس ويعجز اليوم القوى الاستعمارية من الشمال او الغرب والشرائح فيه المثقفة غربياً والمرتدة ان تنزل عليه عزل الدين بالعلمانية اللادينية السياسية التي نزلت على غالب الحياة العامة في ديار الاسلام. ولا مجال في مصير حكم افغانستان لتجاوز اللامركزية في السلطان، فالبلاد مترامية الاطراف غير موصولة ومجتمعها قبائل متعصبة لا يجمع تباينها إلا الدين ولا ترضيها إلا قسمة من السلطة.
والحرية والشورى والديموقراطية منهج لازم لسياسة الأمر العام في افغانستان، ولو لتصريف عزائم الإرادات الشعبية الى ساحات الرأي والعلم وأسواق العمل والإنتاج والمعاش، ولكيلا تتغذى روح القتال المتوغلة في الثقافة هناك فتحول اي اختلاف الى احتراب وتنزع في التعريب عن الدين كله بالجهاد وعن القبلية ومصالحها بالقتال. لا بد من استقرار أمن ونمو مصالح وطيب معاش لتطمئن النفوس وتسكن لحماية اوضاع الحياة وأسباب متاعها، وإلا فالطاقة البشرية كلها تستنفد صراعاً لا سيما أن خسائره لا تكلف كثيراً في بلد فقير لم تقم فيه بعد مرافق حياة او تعمر مواقع تعز على الناس. ذلك ما هو كله موكول الى الدول الأقرب والأبعد التي ظلت تتداعى عاكفة على ترتيب اوضاع تخدم مصالحها، وإنما غالب التعويل على ذلك الشعب العزيز الذي يتمرد على أي حكم تقيمه عليه قوة خارجية. ولئن تبين اليوم عجز الأيدي التي تمتد الى افغانستان مكراً أو كيداً فلربما تجدي الاستعانة بمسلمين موثوق بهم من ذلك الشعب ومسموع لهم لو عرضوا عليه علماً بتراث الإسلام وهديه متجدداً بما هو ارشد وأنسب لمقتضى هذا العصر وأوصل بعالم اليوم المتقارب.
3 - أما مسألة الشيخ المتهم بالإرهاب والشاهد بعزيمة الجهاد أسامة بن لادن والقاعدة ممن صحبه في الجهاد ومن نتاج المد العام لتيار الإسلام الناهض، فالعلاج لا تحسمه قوة باغية تظن انها عليهم قاضية. الخير ان تكف اميركا عن الغرور بقدرتها على كل شيء، ولو تم لها ظاهر الأمر كما تريد وقتل هؤلاء جميعاً فإن العاقبة قد تنقلب عليها بأشد مما تقدر، فالقيادات الغداة تتولد وتتجدد مع التاريخ لا تموت ولا تنقطع ما ظلت القضايا الحية وذكرى المثال السالف يُحيي الخالف. والأحكم والأعقل من حمق الغضب وهوجه ان يستعان بأعيان من المسلمين ليس بينهم وبين اميركا من حجاب ثقة كثيف ولكنهم موثقون ايضاً من قيادات افغانستان الغالب منها والمغلوب ومقبولون من دول الجوار القلقة من مصائر الأمور. لو ترك هؤلاء ليحاوروا كل الأطراف لربما توصلوا الى تسوية مرضية ومعادلة، بأخذ التزامات مشهودة من اميركا بأن تعالج بصدق المظالم المشكية، وأخذ عهد بأن تكف الأيدي الهاجمة عليها بأي مجاهدات تظهر في مثل تلك الحادثات التي تروع أميركا وتثيرها ولا يرضاها المسلمون او يطمأنون لها. والرأي العام الأميركي الذي عبأته ورفعته قيادته الى قمائم من اهداف استيفاء الأثر قد يتعسر هدوء سكينته إلا بقتل العدو او إسلامه مكبلاً. ولكن فئة من المحكمين الحكماء الذين يتراضى عليهم الطرفان، منهم مسلمون ومنهم غربيون، قد تأتي بمعادلة تكون حكماً لكل خصم وعليه.
4 - إن الشعوب المسلمة لا بد ان تتحرك من هبتة وكبتة ماضية وبهتة وسكتة بادية، لا رد فعل لعاجل الحوادث وظاهرها ولكن تناولاً لأصول الأحوال التي أوقعتها. وذلك هو الذي سيدفع حكام المسلمين وولاة أمرهم ان يروا ما يرى السواد الأعظم من رعاياهم وأن يتناصروا كما تجمع الأمة وتتحد على منهج ومسلك للعز والسلاح. وإنما يولي الله على المؤمنين كيفما كانوا ويقدر لهم حكاماً يمثلونهم درجاً من الوعي والرشد والتوكل او دركاً من الطيش والاضطراب والارتعاد بين قوى العالم. والحادث وتداعياته العالمية فرصة لتذكير المسلمين وتحريكهم لوضعهم على مهاد من التحرر والتجديد وسبيل النهضة والخير المديد وإطار من حكم الشورى الرشيد كله على معالم هدى الدين، ولتوحيدهم ورفعتهم ليسمعوا صوتهم في حوارات العالم جلياً ويضبطوا جهادهم في مواقعاته تقياً وينزلوا حكمهم في خلافاته هدياً ويلقوا ثقلهم في ميزانه سوياً، ومن ذلك الآن خطوة اولى على طريق ذلك المثال وكلمة في ختام هذا المقال على المسلمين ان يسهموا برأي واحد في فقه المصطلحات السياسية حول "الإرهاب" ليتواضعوا سواء مع العالم على معناه ومواقعه ويتبصروا دواعيه وعواقبه ويرسموا سبل العلاج، ثم يعرضوا على بني الإنسان من هدي دينهم السياسي والجهادي والعالمي نصيباً مقدراً في الثقافة المتداولة.
إن الترهيب والترغيب يتوازنان ويتحدان حوافز لحياة الانسان في تذكيره بعقيدة الغيب، فضلاً عن مشاعر الحب والشكر لله وفي توجيهه بضوابط المجتمع فضلاً عن مشاعر التآخي والتعاطي.
وأن الترهيب الذي سن سياسته العالم بإعداد الأسلحة الفظيعة ليتوازن العالم رعباً فيتسالم قد يمضي، كما قد يُعد المسلمون بوصية القرآن قوة ليرهبوا عدوهم كما يرهبونه فيجنح الى السلام فيتجاوبوا.
ولكن الحق والخير عندهم ألا تتجرد علاقات العالم مؤصلة على الإرهاب بل تعتدل الرهبة والرغبة بين العالمين وتُعد لهم وبينهم ايضاً المصالح والخيرات وتجري المشاعر الإنسانية الموحدة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.