في مصادفة غريبة.. توفي اثنان من المعمرين في الأرض.. وجاءت وفاتهما في اليوم نفسه. السيدة المعمرة يابانية، اسمها ماتسونو. عاشت حتى بلغ عمرها 112 سنة، ظلت تتمتع بحيويتها حتى العام الماضي.. وهذا العام اصيبت بالسكتة القلبية وماتت. في الوقت نفسه.. توفي المعمر الايطالي الذي يعيش في جزيرة سردينيا عن 113 عاماً، وكان الرجل يعمل راعياً للغنم، ولم يتوقف عن ممارسة مهنته إلا منذ أربعة أعوام.. اسمه انتونيو تودي. شهدت المعمرة اليابانية معظم أمجاد اليابان في المئة سنة الماضية، كما شهد المعمر الايطالي افتتاح برج ايفل في باريس وشارك في الحرب العالمية الأولى، وكره الحروب ولم يشترك في الحرب العالمية الثانية. ..................... شهق كثير من الناس وهم يقرأون الخبر.. إن متوسط عمر الإنسان اليوم هو ستون عاماً في ما أحسب، فإذا تجاوز الإنسان هذا المتوسط ومضى يعيش حتى سن المئة.. تحول من إنسان إلى خبر في الصحف والمجلات والتلفزيون والمحطات الفضائية.. ويعتصر الصحافيون عادة هذا المعمر. وهم يسألونه عن نظامه الغذائي.. ماذا يأكل في الصباح وماذا يأكل في الظهيرة والمساء.. وما هي الرياضة التي يمارسها.. وما هو الجو النقي الذي يعيش فيه.. وتصب كل هذه الاسئلة في محاولة لمعرفة ايسر الطرق لإطالة عمر الإنسان.. إن الحياة نعمة كبرى من نعم الله على عبيده. وكل إنسان يحلم بأن يعيش حتى يتجاوز المئة.. يحدثنا القرآن عن أن اليهود كانوا يتمنون أن يعمر الواحد منهم ألف سنة، وقد اخبر الله تعالى أن هذا لن ينجي أحداً من العذاب "وما هو بمزحزحه من العذاب أن يعمر". .......... يتحول طول العمر في أجهزة الإعلام إلى رغبة مشتهاة، ويقوم بعض العلماء بدراسة الظروف الحياتية التي يعيش فيها هؤلاء المعمرون، وهي عادة تكون ظروف نقاء في الجو.. وعدم تلوث في المياه أو الغذاء، إلى جوار الرياضة الخفيفة التي يقوم بها المعمر يومياً بقصد أو بغير قصد.. إلى جوار الخضراوات الطازجة والفواكه التي هي جزء يومي من طعام المعمر. ويبقى سؤال: هل نحسد هؤلاء المعمرين على طول أعمارهم أم نرثي لهم؟ إن هذا يتوقف على الزاوية التي تنظر منها إلى الموضوع. إن الإنسان يخشى الموت عموماً لأنه استلاب لنعمة الحياة منه، ويقول المتصوفة هنا: إن الله الكريم لا يأخذ نعمة وهبها من قبل إلا إذا كان ينوي أن يمنح افضل منها وهذه هي الحياة الآخرة. وعلى رغم ما يقول المتصوفة نرى الناس يفكرون بشكل مختلف، وإن كان يصب في النهاية في إطالة العمر أو على الأقل تأخير أعراض الشيخوخة. منذ سنوات خرج أحد علماء روسيا وأعلن على الناس أنه سيطيل عمر الإنسان، وكانت نظريته تقوم على تأخير إحساس الناس بالشيخوخة، ورعاية الخلايا رعاية تؤدي إلى تحقيق الهدف في النهاية. ولكن هذا العالم مات وهو يجري تجاربه على إطالة العمر. وهذه الأيام يحاول بعض علماء أميركا تغيير كيمياء الجسم الإنساني حيث تتأخر أعراض الشيخوخة وبعض الأمراض المرتبطة بها. ويرقب الناس هذه المحاولات بأمل عريض، فلا أحد يمانع في بقاء الشباب وتأخير الشيخوخة إلى آخر وأقصى مدى. ويبقى سؤال بغير جواب، هل نحسد المعمرين أم نرثي لهم؟ إن الناس يحسدون المعمرين.. ولكن الحقيقة أنهم يستحقون الرثاء.. إن الله تبارك وتعالى يقول "ومن نعمره ننكسه في الخلق". إن الحياة ليست مجرد عمليات ميكانيكية وليست أجهزة تشتغل فحسب، إنما الحياة علاقات إنسانية. تخيل أنت رجلاً جاوز التسعين أو المئة، هذا رجل مات كل أقاربه ومات كل اصدقائه.. ماذا يكون إحساسه بالوحدة والعزلة وعدم المشاركة في الحياة. أيضاً لاحظ كيف يعامل الناس هؤلاء المعمرين.. بعد سن الثمانين أو التسعين أو المئة.. إنهم يعاملونهم كما لو كانوا موتى، إن أحداً لا يسمعهم ولا أحد يأخذ رأيهم في شيء، ولا أحد يشاركهم أفكارهم، ولا أحد يعبأ بهم أصلاً أو يحاول الاستفادة من تجاربهم أو حكمتهم. وتمضي الأيام بهم ثقيلة.. راكدة.. لقد انتهى عصرهم وهم اليوم ضيوف ثقلاء على عصر لا علاقة لهم به، إلا أنهم يعيشون في ظلاله.. إن ما يعطي للحياة الإنسانية معنى أن يكون للإنسان دوره في الحياة، فإذا كان هذا الدور غائباً أو مقتصراً على الفرجة صار الموت افضل من الحياة.