إن لم تفعل ذلك أنت، فربما فعل أولادك، والفضل يعود الى العلماء الذين يبحثون في ماهية المُوَرِّثات التي تطيل العمر. ولكن، من يريد أن يعمِّر طويلاً الى هذا الحد؟ المشي والكلام يزدادان صعوبة على والدتي، يوماً بعد يوم. عندما أخبرتها أني سأكتب هذا المقال قالت: "لا أنصحك بذلك"، أي انها لا تنصحني بالعيش الى 125 عاماً. في الخامسة والسبعين، تعاني والدتي مرضاً يجعل خلايا الدماغ تتلف وتموت، وهو مرض باركنسون. هل مصيرنا أن نبلغ عمر الشيخوخة بهذه التعاسة؟ وقبل أن نمضي من هذه الدنيا، هل قدرنا المحتوم أن نخسر النعم الطبيعية التي تجعل الحياة تستحق العيش؟ في تاريخ البشر، نحن نؤلف الجيل الوحيد الذي يواجه هذا السؤال لأن أعمارنا امتدت الى الشيخوخة" فبعدما كان معدل عمر الإنسان 40 عاماً سنة 1850، وامتد الى 47 سنة 1900، ازداد الآن الى 76. في القرن الحادي والعشرين، اكتشافات طبية جديدة ستجعل الكثيرين منا يصلون الى عمر الشيخوخة، وسيتساءلون، في وقت من اوقات التفكير والتأمل، هل يريدون ان يعمروا طويلاً حتى الشيخوخة؟! عندما أريد أن أرفع معنوياتي وتفاؤلي، أفكر في التقدم العلمي الذي يجري في مختبر الباحث سيمور بنزر في معهد كاليفورنيا التقني. بنزر أجرى بحوثاً في داخل احد المورثات الجينية، فوجد أن فيه ما يسمى ساعة الخلية، وهي ساعة في الحقيقة هي تفاعلة كيماوية تدق في داخل كل خلية من خلايا الجسم، فتعطي الخلية علماً بالوقت الذي ينتقل من الصباح الى الليل. في السابعة والسبعين من عمره، يبحث بنزر في المورثات عن ساعة تكون بمثابة ساعة الساعات، تشير الى الوقت الذي يمر من المهد الى اللحد، فتسجل مدى التقدم نحو الشيخوخة. حديثاً اكتشف بنزر نوعاً من ذبابة الفاكهة التي حصل لها "بتور" في المورثات البتور هو تغيير في أحد المواقع الوراثية وهو يحصل مصادفة بحيث ان الذبابة أصبحت تعيش مئة يوم، أي بزيادة 33 في المئة عن معدل العمر لهذا النوع من الذباب إذا حصل ذلك للإنسان يصبح معدل العمر مئة سنة وسنة. وصنعت ذلك مورثة واحدة، وقد سماها العالم "مَتُوشالَحَ" وهو اسم مذكور في الفصل الخامس من سفر التكوين في التوراة القديم، وقد ذكر انه عاش 969 عام أي أطول عمر. إذا كانت مورثة واحدة فعلت كل ذلك في الذباب والديدان والفئران، فقد صنع مهندسو المورثات حديقة حيوانات بكاملها من "المتوشالحيين"، فما الذي، بالحري، تستطيع مورثاتنا ان تفعله لنا؟ ربما كان هناك في الحقيقة ساعة الساعات، وربما استطاع علماء القرن الحادي والعشرين ان يتصرفوا بهذه الساعة، ويعيدوا عقاربها الى الوراء. ربما استطاعوا ان يصنعوا حبوباً "متوشالحية"، او ان يغرسوا مورثات "متوشالحية" في بويضات النساء، ويخدعوا أجسادنا فنعتقد أنها فتيّة الى الأبد. يقول بنزر: "يمكن وصف الشيخوخة، لا كساعة تسجل الوقت، بل كمسلسل تمثيلي، فنعدّل فيه ما نشاء". إذا أمكننا ان نموت في الشيخوخة بالنسبة نفسها التي يموت فيها الاولاد بين سني العاشرة والخامسة عشرة، فإننا نعيش لنصل الى ألف ومئتي عام، أي الى ما يفوق المدى الذي عاشه صاحبنا متوشالح رحمه الله. سبق ان صنعنا الكثير في مجال الأدوية وتصحيح الأعضاء الهرمة، مثلاً: حل مشكلة تصلب الشرايين، والدهن في البطن، وضغط الدم، ومرض السكري، وأمراض العين، وغيرها. في القرن المقبل، سيعبث العلماء بالمزيد من الآلات الوراثية، فنحصل على أكبر حماقة، أو نحصل على أكبر تقدم رائع. في الشهر الماضي، أعلن علماء البيولوجيا عن وجود بتورات في الميتاكندريا، وهي كرات صغيرة في كل خلية تعمل مثل بطاريات الخلية: تعطي الطاقة الحرارية والكيماوية للخلية. هذه البطاريات هي مصدر القوة في الخلية وفي الجسم كله، وهي التي تشيخ وتهرم. ربما استطاع العلماء أن يصححوا البتورات في هذه البطاريات فلا تنفذ طاقتها ولا تهرم. ربما استطاع العلماء أيضاً ان يعالجوا أطراف الكروموزومات" هذه الأطراف تحفظ الكروموزومات من الاندثار، لكنها تتلف مع الزمن فتسرِّع الشيخوخة. ربما صنع الباحثون قلباً كاملاً جديداً وكبداً وبنكرياساً عن طريق تنمية خلايا جذعية تؤخذ من المريض نفسه الخلايا الجذعية تتكاثر في سهولة وسرعة. أشعر بالإحباط قليلاً من هذه الأنباء: هل نخرج غداً من المستشفى بأسنان اصطناعية وعيون اصطناعية وبراعم جديدة في الألسن لحاسة الذوق وقلوب وأكباد وغيرها، وكلها اصطناعية؟ العلم، بالنسبة الى مسألة الشيخوخة، ما زال طفلاً. كثيرون من العلماء يعتقدون ان الشيخوخة والموت لا مناص منهما، كالضرائب الحكومية. بعض المتخصصين يعتقدون ان الحد الاقصى لعمر الانسان هو 85 عاماً، آخرون يقولون، 95، أو 100، أو 150، أو أكثر. الاختصاصي رونالد لي يرى ان في مقابل كل سنة نضيفها الى معدل العمر يجب ان نزيد النمو الاقتصادي واحداً في المئة لكي نوفر المال الكافي لتغطية مصاريف التطبيب. بعدما أمضى بنزر خمسين سنة في المختبر، وجد أن تعقيدات الحياة لا تسمح بعلاج سريع لمنع الشيخوخة أو تأخيرها. وهو يعتقد أن الشيخوخة يجب أن تعالج كمرض، ويتوق الى أن يمضي بقية حياته في "كشف الحقائق". ولنفرض أن هناك ساعة مركزية، فالسيطرة عليها ستكون اصعب من السيطرة على السرطان. على الأرجح، سيستهلك أبناء هذا الجيل كل أنواع العقاقير التي تحارب الشيخوخة، وهي المواد التي تمنع التأكسد التأكسد يفسد بطاريات الخلايا: هرمون النمو وفيتامين دال وفيتامين E والسلينيوم المعدن الذي يمزج بزجاج السيارات الخلفية فتعكس الضوء وميلاتونين هرمون تفرزه غدة في الدماغ وأطعمة كما يقال مثل الثوم والنبيذ الأحمر والفريز الأزرق في لبنان ثمرة العليق البرية" وفي النهاية سنعيش أكثر من أسلافنا بقليل فقط. في الثلاثينات من القرن الحادي والعشرين، ستزدهر مشاريع تطويل الأعمار فتصبح أضخم مشاريع استثمارية تدر البلايين من الدولارات على نسق شركات الكمبيوتر الآن. لا أحب أن أعيش الى الشيخوخة التي وصل اليها متوشالح، ولكن أحب أن أصل الى شيخوختي معافىً من الأوجاع ومن التعاسة. آمل أن يتطور علم الحياة بسرعة، فبعد ثلاثين سنة من الآن، عندما يبدأ أولادي يسألون السؤال الخالد عن بلوغ الشيخوخة، أنظر إليهم، ولا أقول ما تقوله والدتي الآن، بل أقول: "أنصحكم بذلك!".