نشرت حديثاً صحيفة "ليبراسيون" الفرنسية خبراً في موقعها الالكتروني يفيد بأن رئيس الوزراء الاسرائيلي آرييل شارون يريد ان يستقدم الى اسرائيل مليون يهودي قبل حلول عام 2010، في محاولة للحد من عدم التوازن الديموغرافي بين اليهود والعرب، او بتعبير أصحّ كي يصير اليهود أكثر عدداً. وفي هذا الإطار، تنشط "الوكالة اليهودية" لتحقيق هذا الهدف، مستفيدة من الأزمة الاقتصادية التي تعانيها الأرجنتين، ومن حملة تُشن في فرنسا اخيراً، معتبرة ان "اللاسامية تتعاظم في هذا البلد"، وقد خصصت موازنة تصل الى 20 مليون دولار لهجرة يهود أرجنتينيين و12 مليون دولار لهجرة يهود من فرنسا. ويشار الى ان الهجرة الى اسرائيل انخفضت بنسبة 25 في المئة عام 2001 عما كانت عليه عام 2000. قد تبدو الحملة في الأرجنتين سهلة التحقيق، خصوصاً ان هذا البلد يعاني انهياراً، وقد شهد في غضون ايام قليلة استقالة اربعة رؤساء، وهو يشهد ارتفاعاً مضطرداً في نسبة البطالة. وفي مراجعة للعروض كما تقدمها الوكالة اليهودية، سيبدو الأمر جذاباً بالفعل لشباب فقراء او عاطلين من العمل. من جهتها، تشهد فرنسا وضعاً مختلفاً، فقد اعتبر وزير خارجيتها أوبير فدرين السبت الماضي ان اتهامات نائب وزير الخارجية الاسرائيلي مايكل ملكيور التي تسوّقها اجهزة رسمية اسرائيلية معتبرة "فرنسا اكثر الدول الغربية معادية للسامية"، هي افكار شنيعة، وكان الوزير الفرنسي صريحاً إذ قال ان "مهمة ملكيور هي استقدام مهاجرين جدد الى اسرائيل ... وهو لهذا الهدف يسوّق حججه ليقول لهم ان عليهم الذهاب الى بلده". وكان فدرين حضر العشاء السنوي الذي يقيمه المجلس التمثيلي للمؤسسات اليهودية في فرنسا كريف، وقد تحدث رئيسها روجيه كوكيرمان عن "عودة الكره لليهود". وجاء في بيان اصدره المجلس تعداد ل330 حادثة وقعت في فرنسا منذ انطلاقة الانتفاضة الثانية في ايلول سبتمبر العام 2000 وصنّفها كوكيرمان "معادية للسامية". على أي حال تخصص "المنظمة المعادية للنزعات اللاسامية" في موقعها الالكتروني باباً لما تسمّيه "تصاعد اللاسامية في فرنسا". لم يعد مشروع شارون سراً إذاً، وليست كذلك خطوات "الوكالة اليهودية" التي تسعى الى تأكيد "صدقيتها تجاه اليهود" من خلال اعلان "انجازاتها"، فتشير في موقعها الالكتروني الى انها منذ تأسست عام 1926 استقدمت ثلاثة ملايين يهودي الى اسرائيل، أتوا إليها من مئة بلد. تبدو دعوة الوكالة اليهودية جذابة، إذ تعتمد عناوين ترتكز على حاجات الشباب وتطلعاتهم في شكل خاص، وهي تشدد على "المستقبل المشرق" الذي ينتظرهم في اسرائيل، فتروي تجارب من سبقوهم، وتفصّل ما يحتاج إليه المرء من سكن ونقل، وما تحويه الجامعات الاسرائيلية من اختصاصات، وسوق العمل، وأساليب الترفيه، وأماكن اللهو، وغيرها من المغريات. وتخصص الوكالة باباً للرد على استفسارات الراغبين بالسفر، لكنها تخصص ابواباً لإيراد معلومات عن التبرعات: كيفية قبولها، وأهميتها، وكيف تصرف. فتخصص 7،12 في المئة منها ل"دعم اسرائيل من خلال برنامج آلياه"، اضافة الى تخصيص 11 في المئة لتنفيذ برامج اجتماعية في اسرائيل، بعضها مخصص لدمج المهاجرين الجدد في المجتمع الاسرائيلي. وثمة موازنة تشكل 22 في المئة من التبرعات تصرف تحت بند ما يسمى ب"الهوية اليهودية"، وهي مخصصة أيضاً للمّ شمل "اليهود في الشتات"، وقد بلغت 12 مليوناً و300 ألف يورو العام 2000، ولم تعلن بعد قيمة التبرعات للعام المنصرم، لكن الوكالة تلفت الى تزايدها. "آلياه" هو إذاً أحد البرامج المتخصصة في هجرة اليهود الى اسرائيل. وتؤكد الوكالة اليهودية عبر الأبواب المخصصة للمّ التبرعات ان هدفه "دعم اسرائىل وتعزيز موقعها من خلال زيادة سكانها اليهود". وقد ساهم هذا البرنامج، وفق ما جاء في موقع الوكالة، في استقدام 430 ألف يهودي في ست سنوات بين عامي 1995 و2000، ثم تروي تجارب "لا تنسى عاشها اربعون ألف مراهق يهودي من دول الاتحاد السوفياتي السابق ومن دول الشمال في اسرائيل، جعلتهم يتعلقون بها ويرفضون مغادرتها، وهم يعيشون مع عائلاتهم في اسرائيل حالياً حيث يتابعون دراساتهم الجامعية، ولا ينسى البرنامج التذكير بالمساعدات المالية التي تقدم للشباب الفقراء كي يكملوا تحصيلهم العلمي". الإغراءات التي تقدم للشباب الأرجنتينيين اليهود عبر هذا البرنامج تصعب مقاومتها في ظل الأحوال الاقتصادية السيئة في هذه البلاد التي تتخبط في أزمة سياسية، يصعب ان يشعر المرء معها بالاستقرار، كما ان حالاً من الضبابية تخيّم على مستقبل الأرجنتين، في الوقت الراهن على الأقل، والردود على محاولات جذب اليهود منها الى اسرائيل لا تذكر. في فرنسا، تبدو الحال مختلفة، فثمة من يعارض الحملات التي تتحدث عن "لا سامية الفرنسيين" وضرورة نقل اليهود منها الى اسرائيل. إيال سيفان المخرج اليهودي المعادي للصهيونية والمقيم في فرنسا انتقد اولاً طريقة تعاطي الحكومة الفرنسية مع هذا الملف، واعتبر انها متساهلة مع اسرائيل، وأكد ان اليهود في فرنسا مواطنون فرنسيون أولاً وأخيراً. وانتقل الى تصاعد الحملة التي تدعي "انها تهاجم تنامي النزعة اللاسامية في فرنسا"، مؤكداً ان هذه البلاد ليست معادية للسامية من جهة، وأن إحصاءات وزارة الداخلية الفرنسية والمؤسسات المتخصصة، تؤكد ان الاعتداءات ضد اليهود في فرنسا ليست كثيرة، وأنها انخفضت العام الماضي بنسبة كبيرة عن العام الذي سبقه، وتساءل لماذا هذه الحملة في هذا التوقيت بالذات، مؤكداً انها جزء من حملة اسرائيلية رسمية لاستقدام اليهود الى اسرائيل من اجل "التوازن الديموغرافي"، أو كي يكون اليهود اكثر عدداً فيها. وشدد سيفان على ان الحديث عن "التوازن الديموغرافي" إنما يخفي نزعة عنصرية تسيطر على مخيلات الاسرائيليين.