تطالب إسرائيل الرئيس ياسر عرفات باعتقال جميع من تسميهم بالإرهابيين، وإسرائيل تعني هنا ناشطي حماس والجهاد الإسلامي على وجه الخصوص وهو امر تريد به إسرائيل قيام حرب فلسطينية اهلية. وجاء أنطوني زيني الى المنطقة يحدوه الأمل في النجاح حيث فشل كل من سبقه، ثم اختفى عن الأنظار منذ بدء الهجوم الإسرائيلي وكأنه يقول لشارون: امض ونفذ ما تريده، وسأحاول لاحقاً إصلاح الأمور. فالمطلوب الآن من الرئيس عرفات ليس مجرد اعتقالات، بل حملة منظمة ومستمرة ضد كل ما تعتبره إسرائيل معادياً لها، وعلى رأس هؤلاء حركة "حماس". قوات الأمن الفلسطيني تجد اليوم نفسها في وضع صعب للغاية: تحاول القبض على المطلوبين من دون ان ينجم عن هذه الاعتقالات اشتباكات مسلحة تؤدي الى حرب فلسطينية، وقد استطاعت قوات الأمن الفلسطينية الى الآن تجنب الوقوع في الفخ الإسرائيلي على رغم الأحداث المؤسفة التي وقعت مع انصار "حماس" و"الجهاد" في غزة. .... دعا الرئيس عرفات الى وقف العمليات العسكرية، وأفرد بالذكر الهجمات الاستشهادية والقصف بمدافع الهاون، ولكنه لم يطالب بإنهاء الانتفاضة، وهاجم الحكومة الإسرائيلية لشنها حرباً على الشعب الفلسطيني والسلطة الفلسطينية، ووصفها بأنها "فظيعة". والرئيس عرفات يعلم تماماً أن ورقته الرابحة هي التمسك بالشعب الفلسطيني، بكل فصائله وقواته. ولكن ضرورات السياسة تفرض عليه هذه الإجراءات. ربما لم يمر على الرئيس عرفات وقت عصيب مثل هذا الوقت. فاتخاذ قرار وقف العمليات الاستشهادية يعبر عن اتساع رؤية الرئيس عرفات والقيادة الفلسطينية، ولو انها بفعل ضغوط دولية شديدة عليه. وسوف تكون بمثابة الاستراحة التي يلتقط الشعب الفلسطيني فيها انفاسه، ويرتب البيت، ويمكن الوحدة الوطنية على اسس شعبية حقيقية استعداداً لمرحلة جديدة في النضال. والمخرج الوحيد المتاح الآن ان تتنادى القوى الفلسطينية لخلق امتن وحدة وطنية ممكنة عبر حوار شامل يذهب الى جذور الأشياء، ويعيد تقويم اتفاقات اوسلو، وعلاقة السلطة بالشعب، وما قامت به السلطة من اجل بناء مؤسسات تصلح قاعدة للدولة المستقلة، حين تنشأ. والإقرار بأن هناك سلطة واحدة على الأرض الفلسطينية. إن التسويات السياسية والمشاريع السلمية بقيت مطروحة، ولم تتوقف على مدى ثلث قرن، خصوصاً، بعدما رافقهاوما تبعها من تداعيات وحوادث عسكرية، وحروب شاملة او محدودة. وتلك الحروب فرضت على العالم القناعة بالجلوس الى طاولة المفاوضات لوضع حد للتدهور الأمني، ومعالجة اسس المشكلة وجذورها والوصول الى حل ما. ان الانتفاضة الفلسطينية بدأت تحقق بعض اهدافها، وأهمها خلخلة المجتمع الصهيوني، وتفكيك وحدته. وقد حدث هذا بعدما نقلت معركة التحرير من الأطراف الى العمق الصهيوني، بوجود القيادة في الداخل بموجب اتفاق اوسلو. والرئيس عرفات ورموز القيادة الفلسطينية، يدركون تماماً ان الانتفاضة الفلسطينية ابتكرها هذا الشعب، وليست مجرد صراع عادي ومحدود بين اصحاب حق مشروع وقوة غاشمة. وهي اصبحت متغيراً دولياً تأخذه القوى العظمى في الحسبان، وتتطلع الى مثله الشعوب المقهورة، وينطلق منه مراجعو التاريخ نحو تحديد جذور الظلم المتفشي فوق رؤوس الضعفاء والمقهورين في العالم. عمّان - محمد الشويكة