تلتقي السلطة الوطنية الفلسطينية مع المقاومة الاسلامية، وتحديداً حماس والجهاد الاسلامي، في ضرورة استمرار الانتفاضة، مع خلاف على سقف العنف، ثم تفترقان في الأسباب، فالسلطة تريد تحسين شروط أوسلو وكامب ديفيد بالتفاوض، والمقاومة تريد تحسين هذه الشروط على الأرض. وكنت في الشهرين الماضيين اعتمدت في هذه الزاوية على مصادري في السلطة الوطنية في غزة ورام الله، غير أنه اتيحت لي قبل أيام فرصة مقابلة الاخوين خالد مشعل وموسى أبو مرزوق، أي الرئيس الحالي والسابق للمكتب السياسي لحماس، والأخ رمضان شلّح، الأمين العام للجهاد الاسلامي، لذلك أعرض اليوم موقف المعارضة الفلسطينية، من دون أن أنسب الكلام الى هذا القائد أو ذاك، فلا يضطر أي منهم الى "تصحيح" المنشور، لأن قائله يمكن أن يكون واحداً من ثلاثة. المقاومة الاسلامية تريد تحريراً واستقلالاً، لا مجرد تحسين شروط التفاوض، وهي ترى ان التفاوض لن يفيد شيئاً، فرئيس وزراء اسرائيل ايهود باراك قدم أقصى ما عنده في كامب ديفيد ولم يكن كافياً. وإذا عادت المفاوضات فرئيس وزراء اسرائيل، سواء أكان باراك أو غيره، لن يستطيع تقديم تنازلات، بل قد لا يستطيع إعادة تقديم ما عرض الاسرائيليون في كامب ديفيد، لأنه سيكون مضطراً الى التشدد لحماية حكومته في الكنيست. المقاومة الاسلامية تقول: "نحن في الواقع أمام وضع مغلق، وصلنا الى لحظة الحقيقة، ولا مخرج سياسياً تفاوضياً. المخرج هو استمرار الانتفاضة الى ان تتراكم نتائجها حتى ترغم الشعب الاسرائيلي على الانسحاب". في مثل هذا الوضع ترى المقاومة ان العنف أصبح الوسيلة الوحيدة لانتزاع الحد الأدنى من المطالب الفلسطينية، والسلطة الوطنية بحاجة الى المحافظة على الاتفاقات التي أتت بها وهكذا يستحيل عليها القيام بعمل عسكري ضد الاسرائيليين لذلك "الطريقة الوحيدة هي الانتفاضة الشعبية لأنها غير ملزمة باتفاق أوسلو أو غيره". المقاومة الاسلامية اليوم في وضع أفضل للقيام بعمليات ضد اسرائيل، وهي تقول ان فلسطين كلها أرض محتلة فالخط الأخضر "خط وهمي"، وقد كان لعملية الخضيرة بالاضافة الى ما أوقعت من اصابات اثر نفسي، فاليهود المضطهدون في العالم وصلوا الى فلسطين ليحفظوا أمنهم الشخصي، لا أمن الدولة، وضربة في العمق تهز أمنهم تضرب أيضاً النظرية الصهيونية. بعد انتفاضة الأقصى أفرج عن الغالبية من 170 سجيناً لحماس في سجون السلطة، غير أن كثيرين أعيد اعتقالهم، وهناك 34 منهم الآن في السجن من جديد. أما الجهاد الاسلامي، فقد خرج من السجن عدد من نشطائها وأعيد اعتقال بعضهم، وهناك الآن حوالى 30 في الخارج، و20 في السجن. غير أن القدرة على العمليات ليست مربوطة بهؤلاء المقاتلين، وانما بسقوط التنسيق الأمني بين أجهزة أمن السلطة والاسرائيليين، فالعمليات الاستشهادية التي نفذت في السنوات 1995 و1996 و1997 كانت ممكنة لأن المقاومة الاسلامية واجهت طرفاً واحداً هو الطرف الاسرائيلي، ولكن تبع ذلك تنسيق بين اسرائيل والسلطة الوطنية ووكالة الاستخبارات المركزية الأميركية والنتيجة ان جهاز الأمن الوقائي في الضفة الغربية احبط لحماس وحدها 126 عملية عسكرية منذ 1996، بما في ذلك خطط عمليات استشهادية. اليوم اختلف الوضع، أو هو عاد الى ما كان عليه سنة 1995، فقد أدت انتفاضة الأقصى الى سقوط التنسيق الأمني الذي استهدف المقاتلين الاسلاميين، وأصبحت هناك مساحة واسعة من الحرية للعمل العسكري. سألت هل تخططون لتنفيذ عمليات انتحارية/ استشهادية؟ جواب أول: عندنا مشكلة، ففي البداية وعندما كانت الانتفاضة بالحجر، لم نشأ ان نعطي اسرائيل توازناً في "المظلومية" اذا قمنا بعمليات عسكرية، ولكن بعد مئة شهيد لم نعد نستطيع التحمل، وحاولنا مهاجمة الوضع العسكري، من دون أن تكون النتائج مهمة في البداية، الا ان قدرتنا تحسنت باطراد. جواب ثان: تنفيذ العمليات الكبيرة يعتمد فقط على القدرة. وقرار العمليات لا يعود إلينا، بل هو قرار الجناح العسكري على الأرض، وهو قرار قائم لم يتغير. جواب مشترك: السلطة نزعت سلاح المقاومة، ووضعت يدها على مصانع المتفجرات، واعتقلت النشطين. والآن نعمل ضمن الامكانات الجديدة، ولا نقص في الرجال أو الارادة، والتنفيذ يعتمد فقط على القدرة الميدانية. نحن الآن في شهر الصوم المبارك، وحماس والجهاد تعانيان من ضغوط مالية، فقد تلقتا تبرعات شعبية وفردية، ولكن لا يوجد أي دعم رسمي، وهما بحاجة الى مساعدة أسر الشهداء والسجناء، إلا أن الامكانات محدودة، والوسائل المتاحة لإيصال المساعدات محدودة. مع ذلك، لا تطلب حماس أو الجهاد الاسلامي مالاً، وانما تطلبان غطاء سياسياً عربياً واسلامياً لاستمرار الانتفاضة، فقادتهما يصرون على ان الاسرائيليين لن يذهبوا على مائدة المفاوضات الى أبعد مما ذهب اليه باراك في كامب ديفيد، بل انهم سيتراجعون عما قدموا، لذلك فالطريقة الوحيدة لتحقيق المطالب الفلسطينية هي استمرار انتفاضة الأقصى.