5 مطارات تتصدر تقارير الأداء لشهر أكتوبر 2024    اتحاد الغرف يعلن تشكيل أول لجنة من نوعها لقطاع الطاقة والبتروكيماويات    ضبط شخص يروج الحشيش عبر مواقع التواصل في عسير    المنتدى السعودي للإعلام يفتح باب التسجيل في جائزته السنوية    وزير الثقافة يلتقي مبتعثي برنامج أسس صناعة المانجا في اليابان    يناير المقبل.. انطلاق أعمال منتدى مستقبل العقار في الرياض    ترمب يرشح سكوت بيسنت وزيراً للخزانة    ضيوف برنامج خادم الحرمين يتجولون في مجمع الملك فهد لطباعة المصحف بالمدينة    التحقيق مع مخرج مصري متهم بسرقة مجوهرات زوجة الفنان خالد يوسف    مصدر أمني يؤكد استهداف قيادي في حزب الله في الغارة الإسرائيلية على بيروت    الفنان المصري وائل عوني يكشف كواليس طرده من مهرجان القاهرة السينمائي    معتمر فيتنامي: أسلمت وحقق برنامج خادم الحرمين حلمي    سعود بن نايف يرعى الأحد ملتقى الممارسات الوقفية 2024    "الجامعة العربية" اجتماع طارئ لبحث التهديدات الإسرائيلية ضد العراق    بريدة: مؤتمر "قيصر" للجراحة يبحث المستجدات في جراحة الأنف والأذن والحنجرة والحوض والتأهيل بعد البتر    ضبط 19696 مخالفاً لأنظمة الإقامة والعمل وأمن الحدود خلال أسبوع    استمرار هطول الأمطار على معظم مناطق المملكة    مشروع العمليات الجراحية خارج أوقات العمل بمستشفى الملك سلمان يحقق إنجازات نوعية    24 نوفمبر.. قصة نجاح إنسانية برعاية سعودية    موديز ترفع تصنيف المملكة الائتماني عند "Aa3" مع نظرة مستقبلية مستقرة    جمعية البر في جدة تنظم زيارة إلى "منشآت" لتعزيز تمكين المستفيدات    وفاة الملحن محمد رحيم عن عمر 45 عاما    مصر.. القبض على «هاكر» اخترق مؤسسات وباع بياناتها !    حائل: دراسة مشاريع سياحية نوعية بمليار ريال    الأمر بالمعروف في عسير تفعِّل المصلى المتنقل بالواجهة البحرية    الاتحاد يتصدر ممتاز الطائرة .. والأهلي وصيفاً    "بتكوين" تصل إلى مستويات قياسية وتقترب من 100 ألف دولار    بريطانيا: نتنياهو سيواجه الاعتقال إذا دخل المملكة المتحدة    النسخة ال 15 من جوائز "مينا إيفي" تحتفي بأبطال فعالية التسويق    القادسية يتغلّب على النصر بثنائية في دوري روشن للمحترفين    (هاتريك) هاري كين يقود بايرن ميونخ للفوز على أوجسبورج    نيمار: فكرت بالاعتزال بعد إصابتي في الرباط الصليبي    وزير الصناعة والثروة المعدنية في لقاء بهيئة الصحفيين السعوديين بمكة    مدرب فيرونا يطالب لاعبيه ببذل قصارى جهدهم للفوز على إنترميلان    الأهلي يتغلّب على الفيحاء بهدف في دوري روشن للمحترفين    القبض على (4) مخالفين في عسير لتهريبهم (80) كجم "قات"    قبضة الخليج تبحث عن زعامة القارة الآسيوية    أمير المنطقة الشرقية يرعى الأحد ملتقى الممارسات الوقفية 2024    بمشاركة 25 دولة و 500 حرفي.. افتتاح الأسبوع السعودي الدولي للحِرف اليدوية بالرياض غدا    مدرب الفيحاء يشتكي من حكم مباراة الأهلي    بحضور وزير الثقافة.. «روائع الأوركسترا السعودية» تتألق في طوكيو    «الأرصاد»: أمطار غزيرة على منطقة مكة    "الجمارك" في منفذ الحديثة تحبط 5 محاولات لتهريب أكثر من 313 ألف حبة "كبتاجون    الملافظ سعد والسعادة كرم    الرياض تختتم ورشتي عمل الترجمة الأدبية    الثقافة البيئية والتنمية المستدامة    عدسة ريم الفيصل تنصت لنا    وزير الدفاع يستعرض علاقات التعاون مع وزير الدولة بمكتب رئيس وزراء السويد    المؤتمر للتوائم الملتصقة    إنعاش الحياة وإنعاش الموت..!    رئيس مجلس أمناء جامعة الأمير سلطان يوجه باعتماد الجامعة إجازة شهر رمضان للطلبة للثلاثة الأعوام القادمة    إطلاق 26 كائنًا مهددًا بالانقراض في متنزه السودة    محمية الأمير محمد بن سلمان الملكية تكتشف نوعاً جديداً من الخفافيش في السعودية    "التعاون الإسلامي" ترحّب باعتماد الجمعية العامة للأمم المتحدة التعاون معها    أمير الرياض يرأس اجتماع المحافظين ومسؤولي الإمارة    أمير الحدود الشمالية يفتتح مركز الدعم والإسناد للدفاع المدني بمحافظة طريف    أمير منطقة تبوك يستقبل سفير جمهورية أوزبكستان لدى المملكة    سموه التقى حاكم ولاية إنديانا الأمريكية.. وزير الدفاع ووزير القوات المسلحة الفرنسية يبحثان آفاق التعاون والمستجدات    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الاسلام والغرب : مداخلة مع فوكوياما في حرب "فاشية القرن الحادي والعشرين"
نشر في الحياة يوم 18 - 01 - 2002

} يحظى العالم الإسلامي اليوم باهتمام المفكر الأميركي فوكوياما الذي يواصل، انطلاقاً من صدمة أحداث 11 أيلول سبتمبر الماضي، تحليل النزعات السياسية والاجتماعية لدى المسلمين، وهنا مداخلة معه تسجل المآخذ وتركز على خصوصية اسلامية موجودة وراسخة منذ قرون. ويعتبر سلمان العودة مداخلته بمثابة خطاب موجه للعقلية الغربية وليس بقصد تقديم رؤية لمشروع داخل العقل الإسلامي ومجتمعه:
تتجه دوائر كثيرة في الغرب بعد احداث الحادي عشر من ايلول سبتمبر الى خلق صورة من الصراع مع العالم الاسلامي، خصوصاً دول الارتكاز، ومن المؤكد ان الغرب يعي هذا الانتقاء ومن وراءه. لقد بدأ الغرب بملاحقة ما يسميه بالارهاب في افغانستان، ثم وسع الدائرة الى رسم مستقبل معاقبة لمجموعة من الدول الاسلامية، ثم بدأت الرؤية الغربية - في شكل كبير - تتجه الى شمولية الصراع وملاحقة الرؤية الاسلامية التي سجلت في احداث الحادي عشر من ايلول رفضها لهذا العمل تحت مفهوم ينطلق من مبدئية ومصلحية الاسلام.
هذا التحضير لشمولية الصراع مع مجموعة القوى الحضارية الاسلامية الثقافية والاقتصادية والاجتماعية، تحاول دوائر في الغرب سياسية واعلامية وثقافية واقتصادية ان تبحث عن مسوغ له يمكن ان يستوعبه عقل الفرد الغربي، وهنا تحاول هذه الدوائر ان تقدم صياغة مناسبة عن المفهوم والفكرة الاسلامية لتعبئة العقلية الفردية في الغرب لتقبُّل هذا الصراع، الذي من المؤكد انه يتجه لغير مصلحة الغرب الذي سيكون مسؤولاً عن مستقبل اكثر مرارة ومفاجأة من تصرف خاص وقع في الحادي عشر من ايلول.
ان استدعاء صراع القوى الحضارية بين العالم الاسلامي والغرب يعني تعقيد المشكلة الغربية التي يصعب عليها ان تستوعب مرارة المواصلة، في مرحلة ربما تكون الخيارات الاسلامية اكثر تأثيراً فيها!!
ومع هذا فإننا ندرك ان هذا الصراع لا يصنع الافضل لكل الاطراف. اننا هنا يجب ان نحترم امانة التاريخ، وان نقرأ الامور بجدية اكثر، وربما كانت مجموعة القوى الغربية المفضلة لهذا الخيار تركض وراء الوهم، او تفضل مشاهدة نشوة الغرور.
إن الغرب حين يتصرف كقوي مستبد، فإنه يقول للآخرين يجب ان تتصرفوا كمستبدين اقوياء وهذه مصادرة لمنطق الفضيلة والعقل.
لقد استعملت دوائر اعلامية وثقافية في الغرب تبرير هذا الخيار في عقلية الفرد الغربي بأن الازمة التي بدأ الغرب يواجهها هي من انتاج وصناعة الثقافية والاقتصادية الاسلامية المتداولة في دول الارتكاز الاسلامي، المهددة لوجود الغرب وحضارته بحسب نظر هذه الرؤية الصاعدة في الغرب.
الحقيقة انه ليست هناك مبادرة اسلامية مهددة بهذا المفهوم، لكن، ربما يكون هذا مستقبلاً يصنع الغرب الآن ادواته وأسبابه التي قد لا يستطيع ان يحتويها ويتعامل معها في ما بعد.
اننا نفضل - اهتداء بهدي سائر انبياء الله - الاّ يكون هذا خيارنا الاول، بل ان تكون هناك حرية لاعطاء الفرد الغربي مساحة من الحياد والهدوء يحاول ان يعرف بها الاسلام.
اننا ندرك ان واقع المسلمين اليوم ليس هو المفهوم الذي رسمه الاسلام تماماً، وان الاسلام رسالة متعالية عن الازدراء، والظلم، وصناعة الشر، وهذا معنى شمولي يفترض ان يسمح لكل فرد في الغرب ان يتعرف عليه.
ومع هذا فإننا نعي ان واقع المسلمين، وان لم يكن تماماً هو الاسلام، فمن المؤكد ان الاسلام مطبق في واقع المسلمين في شريحة لا تحدها دولة او لغة، بل هي معتبرة بمفهوم الاسلام الصحيح الوسطي الخالد.
اننا هنا نمتلك الامانة والعقل حين نعترف بمظاهر كثيرة من الخطأ في الواقع الاسلامي، لكنها بكل تأكيد لا تمثل كل هذا الواقع، وأيضاً فهي قابلة للمعالجة والتصحيح. والغرب حين يتحدث عن مفهوم سيئ في واقع المسلمين يجب ان يدرك انه ربما يتحدث عن انموذج مختار يناسبه، او يمارس نوعاً من التحريف للحقيقة، والمزايدة على الوهم، حين يتحدث عن انموذج فاضل لكنه لا يعترف له بذلك، ومن المهم هنا ان يتأكد الغرب انه لا يصنع شيئاً لمصلحته!
إن مفهوم التعامل الاسلامي مع الغرب يجتمع في آيتين من كتاب الله يدرك حقيقتهما اصحاب العلم والوسطية في العالم الاسلامي، هما قوله تعالى: لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم ان تبروهم وتقسطوا اليهم إن الله يحب المقسطين. إنما ينهاكم الله عن الذين قاتلوكم في الدين وأخرجوكم من دياركم وظاهروا على اخراجكم ان تولوهم ومن يتولهم فأولئك هم الظالمون سورة الممتحنة.
إن هذا المفهوم هو الحقيقة العادلة التي رسمها القرآن الذي يؤمن به جميع المسلمين وان كان بعضهم قد يخطئ في فهمه، لكن من المهم ألا نصنع الجو المناسب لهذا الخطأ. إن منطق العقل يقف ضرورة لاحترام هذا المفهوم العدلي في التعامل. ومن المؤكد ان الغرب على مستوى القرار لا يمتلك ولو مجرد رؤية معتدلة في التعامل مع العالم الاسلامي.
من الافضل ان يعي الغرب ان مظاهر الخطأ التي تقع في العالم الاسلامي، وإن كانت تتمتع بأسباب بيئية خاصة، الا انه من المدرك حتى للفرد العادي أنّ الغرب من صناع هذا الانحراف الذي قد تكون منه أزمة تواجه الغرب نفسه، بل هذه حتمية قادمة في ظل هذه الممارسة الغربية لورقة الصراع، وهنا يجب ان يدرك الغرب ان المجتمعات الاسلامية ستكون متسامحة في شكل عفوي، وربما متعاطفة، مع كل اشكال المواجهة والعداء للغرب من دون امتلاك فرصة كافية لقراءة التصرفات وصوابيتها.
إن الدور البائس الذي لعبه رجال الكنيسة ضد الفرد في المجتمعات الغربية في القرون الوسطى يلعبه اليوم في شكل اكثر سحقاً للفرد الغربي مجموعة من رجال السياسة، وبعض الفصائل الفكرية الغربية، وكثير من مؤسسات المال والاقتصاد والاعلام التي لا تمتلك معرفة كافية بقوانين الوجود وحركة النظام الكوني، بل تتصرف وفق رؤية خيالية اشد وهماً من تلك المواعدات التي رسمها رجال الكنيسة والبابوات. إن الحرية الغربية يشكلها الاقوياء فقط في الغرب، والذين يولدون يتجهون نحو الاقوى في التأثير، ومن المؤكد ان هؤلاء لا يمتلكون خيارات كافية، ومن المؤكد ان الاقوى ليس بالضرورة هو الافضل.
هنا نقرأ حقيقة ولسنا نمارس ردود افعال وتبادلاً للتهم، وإن كنا نمتلك هذا الخيار، لكننا نفضل ان نكون معتدلين ونتمتع بهدوء وتعقل. لكن لنبق في هذا المحتوى:
لقد انتجت الحضارة الغربية المعاصرة ليس للفرد الغربي فحسب بل لقطاع عريض في العالم مجموعةً من الايجابيات في حركة التطور والصناعة والتقنية والتقدم العلمي في علوم الطبيعة والتجربة والتخطيط، وإن كان كثير من دوائر القوة والسيطرة في الغرب يحاول المحافظة على التخلف الذي تعيشه دول العالم الاسلامي في هذه المفاهيم وما شاكلها. ويطلب ثمناً باهظاً لتقديم اليسير لدول العالم الاسلامي. ومع هذا التقدم أبقت الحضارة الغربية فراغاً واسعاً في مفاهيم كثيرة ضرورية لحفظ الفضيلة والعدل حاول الفلاسفة الغربيون في عصر التنوير ان يشككوا في صدقيتها، وجاء الواقع الغربي اليوم نتيجة لهذه الفلسفة التي تعالج هذه الفراغات بتهمة وهميتها، وعدم التأكد من ضرورة وجودها، وكان اخص هذه المفاهيم الثقافة والتفكير ونظام المجتمع التي عالجها الغرب بفلسفة الحرية تحت سلطة العلمانية.
إن العلمانية تستعمل في الغرب كسلطة ولا كمفهوم معالج، وهكذا هي في الرسم الفلسفي لها، لكن مجموعات غربية عدة ولا سيما ثقافية تريد ان تتحدث عن العلمانية كمفهوم راقٍ، مؤهل لحل مشكلات العالم كله، وان على المسلمين ان يستوعبوا هذا الحل ويؤمنوا به كضمان لتطورهم، وصلاحيتهم للبقاء كما يفترض المفكر الغربي فرانسيس فوكوياما، وكأنه نسي ان الغرب حين صدّر العلمانية او فرضها في بعض الدول الاسلامية خلق ازمات من الارتكاس والتخلف، ولم يستنكر الغرب الافادة التي اقتبستها العلمانية في بعض البلاد الاسلامية من العقلية الشيوعية في فرض الذات والاستبداد والديكتاتورية، وربما كان هذا شكلاً من العلاقة معقولاً في فلسفة الغرب!! وإن كنا ندرك ان العالم الاسلامي ليس ارضاً صالحة للعلمانية مهما كانت الظروف لأنه لا يعاني مشكلة مع الدين كما يعاني الغرب.
إن العلمانية في الغرب جاءت سلطة لحماية الفراغ في المفاهيم الثقافية والاجتماعية التي فضّل الغرب ان يتحدث عنها تحت قانون الحرية الذي يقول للفرد: "إن حريتك تنتهي حيث تبدأ حرية الآخرين"، ومفهوم الحرية الذي رسمه فولتير يمكن التحرك به داخل هذا الفراغ الذي كانت تحكمه الكنيسة في القرون الوسطى باستبداد وتخلف.
إن الغرب اليوم يتحدث كثيراً عن مشكلة العالم الاسلامي لتكون هي المسؤولة عن صناعة الازمات التي يواجهها الغرب.
صحيح ان هناك مشكلات نسبية مصدّرة الى الغرب، لكن، بكل تأكيد فإن الغرب يصدر للعالم الاسلامي مشكلات اكثر عمقاً، وأيضاً فإن من السذاجة والوهم الافتراض ان المشكلات الملحة في الغرب مصدّرة من العالم الاسلامي.
واحداث الحادي عشر من ايلول يجب الاّ تتحول الى سلطة تحاصر التفكير والعقلانية في قراءة المشكلة التي تواجه الغرب، احد فلاسفة الغرب يقول: إن كل انسان يمكن ان يكون مفكراً حراً. وربما كان يتحدث عن حقيقة مهمة: ان كل انسان يمكن ان يتعرف على الحقيقة الفاضلة. لقد شاهد الغرب هذه الاحداث وتأثر بها. هذا صحيح، لكن ليس الذين يشاهدون فعلاً ما، هم وحدهم من يقيس اخلاقيته ومصدره. ان كثراً يشاركون في هذا القياس، وحتى الذي يقوم بالفعل فهو يمارس الحركة والقياس في آن واحد. ان الاسباب والنيات نادراً ما تكون بسيطة وواضحة، وربما تبدو المحاولة العقلية تحت درجة من الضغط والارتباك عاجزة عن ادراك المسؤولية وقراءة الاسباب في شكل صحيح.
ان الحرية التي يقوم قانونها على مفهوم: تنتهي حريتك حيث تبدأ حرية الآخرين هي شكل من اشكال الوهم، صنعتها سلطة العلمانية لمعالجة الفراغ في القانون الثقافي والاجتماعي!
دعونا نتمتع بهدوء ونقرأ هذا التصور: إن المشكلة الاساس في رجال الكنيسة في العصور الوسطى انهم يمارسون سلطتهم باستبداد، فجاء مفهوم "الحرية" ليعد الناس بالتعويض في مستقبل قادم يتمتع فيه الفرد بحكم خاص بعيداً من تسلط الكنيسة.
والحقيقة الكامنة ان هذا المفهوم وجد نفسه يصطدم بقوة القانون والنظام حين فُرض عليه ان يعطى شكلاً نظامياً يخلف السلطة البائدة، فجاء هذا القانون حريتك تنتهي حيث تبدأ حرية الآخرين.
إن هذا القانون نوع من تجاوز الحرية والوقوع في سلطة النظام والقانون، ربما يبدو لنا او على اقل تقدير للفرد الغربي ان هذا القانون يريد ان يحترم الآخرين حين يعطيهم مساحة خاصة من الحرية.
هذا تصور ساذج. والحق ان هذا القانون يعني رسم نظام جديد من السلطة للأقوى، الذي بالضرورة سيمتلك مساحة اوسع من قدرات الفرد الذاتية.
هذا الاقوى هو مؤسسات الضغط والتأميم الغربية، السياسية والاقتصادية والثقافية والاعلامية، التي تتمتع بتقاطع في المصالح، خصوصاً في حركتها داخل المجتمع الغربي المستهلك، وربما كانت قادرة على التوحد في الحركة الخارجية الى حد ما.
إن الفرد الغربي هنا يعيش تحت سلطة هذه المجموعة الساحقة لخياراته الخاصة.
صحيح ان الفرد في الغرب يشعر بنوع من التعددية في الاختيار، لكنها خيارات محدودة فرضها تصارع القوى المنتجة داخل المجتمع الغربي، وفي دائرة اللاوعي فإن الفرد الغربي لا يتمتع بحرية خاصة بل يبقى ان الخيارات الثقافية والاجتماعية مفروضة عليه باسم الحرية، والحقيقة انها مجموعة من السلطات المتعددة المستبدة، وربما كانت الكنيسة اكثر هدوء أو عفوية في استهلاكها الفرد.
إن الغرب يعيش مشكلة ملحة في داخله هو عاجز عن قراءتها. وهنا من الافضل ان يصرف جهوده المزعومة لمعالجة مشكلة العالم الاسلامي الى قراءة مشكلته الخاصة التي لم يكن العالم الاسلامي يوماً طرفاً فيها بإقرار الغرب نفسه.
إن الغرب عاجز عن استيعاب ذاته، كما هو عاجز عن استيعاب الآخرين.
حين يفترض الغرب ان شرط صلاحياتك للبقاء ألاّ تكره الغرب ومفاهيمه الخاصة التي تتجه لسحق الآخرين، في حين انه يمارس صناعة الازمة المصعّدة لمفهوم العداء ليس عند المسلمين فقط لأن الظاهرة منتشرة في القوى العالمية القائمة، فهو يطرح معادلة من الصعب على كل قوانين العلم والعقل ان تستوعبها او تحترمها. ان كراهية الغرب، ليست ازمة صنعها المسلمون، بل تمت مؤثرات عدة في هذا الواقع. وكثير من المجتمعات والشعوب في العالم كله تكره الغرب وحتى تلك الدول التي قد تتأثر ببعض الانماط السلوكية الغربية تبقى على تقاطع مع الغرب في مفاصل اكثر اهمية. ومن المهم ان يدرك المفكرون هناك ان شيئاً من مظاهر الاعجاب بالغرب لا يعني الايمان به بكل تأكيد.
إن الشرق بشتى دياناته يشكل ظاهرة عامة من الكراهية للغرب، وحتى التجمعات اللادينية تراهن على هذا الخيار، ومن المفضّل ان نحافظ على تذكر تجربة الغرب مع الاتحاد السوفياتي الذي لم يكن يشكل مفهوماً دينياً.
والغرب يرى لنفسه حق كراهية الآخرين، ووصفهم بالشر، وصناعة مشاريع للصراع معهم، لكنه يعتبر تبادل الشعور بينه وبينهم جريمة من الضروري ان يصدق عليها كل العالم تحت قانون: "إن لم تكن معي فأنت ضدي". إن هذا القانون يفترض ان يؤمن به الغرب نفسه حين يُقدمه له العالم الاسلامي او غيره من القوى الحضارية التي تفضل الى حد الآن ان تتمتع بوجودها وسيادتها فقط، لكن الغرب في صراعه يتحرك تحت مفهوم تعطيل حركة الوجود لهذه القوى اياً كانت آلية الوصول الى هذا الهدف ودرجتها الاخلاقية. ربما من المشكل في العقلية الغربية انها عقلية ذاتية مطالبة، من الصعب ان تستوعب خيارات الآخرين ومطالبهم. وليس سراً ان الغرب يكره القوى الحضارية المنافسة له، وفي مقدمها العالم الاسلامي الذي قد تكون خطواته اكثر سرعة في ممارسة تعويق الاستبداد الغربي. اننا لم نطالب الغرب يوماً ما ألاّ يكرهنا اذا كان يفضل ذلك، ونفضل ان نتركه يمارس خياراته، لكننا نطالب ان يكون هناك قدر من الأدب الأخلاقي.
ان الرؤية الإسلامية التي تقدم ذكرها في آيتين من القرآن الكريم تستوعب وجود الغرب والتعامل معه ضمن أنماط معتدلة تحافظ على الحقوق المتبادلة. لكن مشكلة الرؤية الغربية هنا انها تمتد الى دائرة من الصراع الذي كان في مرحلة ماضية في دائرة اللاإدراك، لكنه بدأ الآن يمارس في دوائر السياسة والإعلام والثقافة الغربية، هذا الصراع يجري بين: خيار الإسلام، وخيار الحرية!!
ان الإسلام يستوعب التعامل مع الغرب، لكن المشكل ان مفهوم الحرية في الغرب لا يستطيع ان يستوعب التعامل مع الإسلام، لأن العلمانية تمارس سلطة يرسمها الأقوياء فقط في الغرب، ويصعدون لها ويحاولون اقناع العقلية الفردية في الغرب بها، تحت مواعدة قادمة في تصفية قوى الشر والارهاب كما يردد الساسة وكثير من رجال الثقافة والفكر والإعلام هناك، لكن من المهم أن نؤكد للغرب في شتى طبقاته ومستوياته أننا قد نبدو بسطاء، لكن من الجيد ان يفهم الغرب اننا لسنا كذلك، وأننا نتمتع بدرجة كافية من الذكاء، وانه قد يصنع للعالم الإسلامي من حيث لا يريد ما عجز عن الوصول اليه.
وإذا كان الغرب يعتقد انه خرج من عصر الظلمات من قرون قريبة، فإننا تجاوزنا عصر الظلمات منذ أكثر من أربعة عشر قرناً، واننا في الوقت نفسه نفضل خيار التعامل بالعدل، والاتجاه للإصلاح البشري، ومعالجة الفساد والشر، بشرط أن يكون لدى الغرب استعداد للاستماع الى الحل الإسلامي المعتدل الذي هو رسالة الخير التي نحبها لكل الناس في العالم، ونبي الإسلام أرسل رحمة للعالمين. ويقول كما في الرواية الواردة عنه في كتب السنّة الصحيحة من قتل معاهداً لم يرح رائحة الجنة. أي ضمان يمكن ان تقدمه رسالة للآخرين أرقى من هذا المفهوم؟ ومن الأفضل هنا ان يراجع الغرب موقفه في أخلاقيات التعامل مع القضايا الإسلامية.
من وجهة نظرنا هذا هو الحل، ويبدو انه حل يتسم بالاعتدال والعقلانية، ومن الأفضل ان نحترمه جميعاً، وأن نتجاوز المزايدة على الإسلام والمجتمعات الإسلامية لصناعة الصراع، لأن الغرب هنا بكل تأكيد يتصرف بغباء.
ان قراء الفلسفة الغربية يدركون ان ثمة مشكلة كامنة في العقلية الغربية وهي سيطرة عقلية الصراع، وفرضها على الفرد الغربي للمشاركة والتفاعل معها، لكن من المهم أن يدرك الغرب ان الصراع يقود الى النهاية والحتمية، وهذا في كل تأكيد لا يستطيع الغرب التعامل معه واستيعابه.
اننا نخاطب الفرد في المجتمع الغربي ليقرأ الأمور كما هي وأن يتخلص من سلطة قوى الصراع الأنانية المستهلكة للمجتع الغربي وأن يبحث عن الخير والأفضل. ورسالةُ الإسلام رسالة ذات امتياز متعالٍ في احترام الآخرين، والمحافظة على حقوقهم وخياراتهم الصحيحة. وأنموذج من الواقع الإسلامي ليس بالضرورة يكون معبراً عن هذه الرسالة، لكن من المهم ان يكون واضحاً ان تفسير الإسلام حق للمسلمين وليس اقتراحاً يزايد عليه بعض رجال السياسة والفكر الذين يفضلون ان يُشاهدوا كمعتدلين ولو في شكل موقت!!
اننا نفضل من منطلق الموقع العلمي الإسلامي الذي ننطلق منه ان تكون لدى الفرد الغربي حرية صادقة يتمتع بها للبحث عن الأفضل، وأن يقرأ المفهوم الصحيح للإسلام الذي سيشاهد فيه حقيقة حتمية تستدعي الاحترام والتقدير، كتصرف ضروري للعقل المعتدل المتجرد من أزمة الصراع والسلطة.
اننا نقدر ان الفرد الغربي مؤهل لحقيقة أفضل، وحرية أكثر ايجابية لصناعة الحياة، بعيداً من الاختزال النفعي الذي ترسمه مجموعة القوى الساحقة لخيار الفرد هناك. ومن المهم ان يدرك الفرد الغربي ان هذه الحقيقة الواعدة هي الرسالة الإسلامية التي تتحدث عن البناء الشمولي للحياة.
من الأفضل كثيراً أن يتجاوز الفرد الغربي الخيال المتخلف الذي رسمه رجال الكنيسة في القرون الوسطى لحياتية الدين، نعم، لقد كان واجباً اذذاك تجاوز رجال الكنيسة من أجل تحقيق الوجود والعيش في شكل صحيح، لكن من الضروري ألاّ يقبل الفرد الغربي تعدية هذا المفهوم الذي رسمه رجال الكنيسة الى الدين الإسلامي، لحقيقة بسيطة: ان الإسلام ليس كذلك بكل تأكيد!!
نحن هنا لا نتحدث عن حب الذات والدفاع عنها على حساب العدل، لأننا حين نكون كذلك نبدو غير مهيئين للاحترام والفضيلة. ان الغرب مفرط في حب الذات والحديث عنها على حساب العدل، ويستخدم للدفاع عن موقفه كل الوسائل الممكنة من دون المراجعة لأخلاقياتها.
ان بعض رجال الفكر في الغرب حين يتحدث عمّا يسميه: الفاشية الإسلامية فهو يعطي فرصة كافية لمشاهدة مجموعة من أشكال الفاشية الغربية التي بدأت مجموعة القوى المتسلطة في الغرب تمارسها ليس فقط مع العالم الإسلامي بل مع العالم كله ان لم تكن معي فأنت ضدي. ربما يكون من حرية الآخرين تجاهل مشكلة الغرب فلا يقدمون موافقة ولا معارضة لأنهم مشغولون بأمور أكثر أهمية!! ان الغرب يراهن على أزمة الحضارة، التي يصور الإسلام عدواً يحاول اسقاطه.
هذه معادلة واهمة، وتتسم بالتزييف للحقائق.
ان من أهم أسس الحضارة السماح للفرد فضلاً عن المجتمع بممارسة الخيارات الثقافية والاجتماعية، لكن الدوائر المتسلطة في الغرب غير مستعدة ان تمنح المسلمين هذا الحق حتى في تفسير الإسلام، فهي تريد ان تملي صياغة خاصة في مفهوم الإسلام، من أهم أسسها المحافظة على سيادة الغرب، وتسخير العالم الإسلامي حتى في مستوى العواطف والولاء. هذه سطحية في قراءة الغرب لمشكلته وأزمته ونمط علاجها، ومن المهم أن يُدرك أنه يفكر ويتصرف بغباء، ويتحرك الى مصير مجهول.
اننا نتطلع من وحي رسالة الإسلام الى ان نساعد الغرب في قراءة مشكلته والبحث معه عن الحل الذي يتسم بالعدل والعقلانية، لكن نبدو غير متشائمين حين يختار الغرب الخيار الثاني الذي لسنا مستعدين لصناعته، كما يمارس الغرب في صناعة الأزمة داخل المجتمعات الإسلامية. لكن هذه المجتمعات حين تضطر الى هذا الخيار ستكون - بحسب تأثير مجموعة من المعطيات - مستعدة للتعامل معه ربما بكفاية أو بتعقيد يفاجئ الغرب.
ان قوانين الفضيلة ونظام الأخلاق تفترض وتحتم ان يكون ثمة مصلحة مشتركة لدى كل الأطراف لاحترامها والتعامل معها بمصداقية، وتقديمها على أنانية الذات وطموحها المفرط، ونحن على إدراك ان الإسلام رسالة هداية وتصحيح للبشرية، ومن الأفضل ان يتفهم الغرب بنفسية هادئة المفهوم الإسلامي وخياراته.
السعودية - القصيم
25/10/1422ه - 9/1/2002م
* أستاذ السنّة وعلوم الحديث النبوي في احدى الجامعات السعودية سابقاً. والمشرف على موقع الإسلام اليوم islamtoday.net الالكتروني.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.