إيه ابن باقر انت ربّ بلاغة وبلاغكم يوحي لنا آياتها او ما كفى ان قد سمت برجالها فعالكم حتى سمت بفتاتها ويكمن سر تكرار الشاعر عبدالقادر الحسني لكلمة بلاغة ومشتقاتها ان محمد الباقر اصدر في 29 حزيران يونيو 1911 صحيفة "البلاغ" السياسية التي ظهرت قبل "الفتاة" بسبع سنوات. ولكن، هل كان صاحب "البلاغ" جاهلاً بوجود اكثر من مجلة نسائية تحمل اسم "الفتاة" فأطلق الاسم نفسه على مجلته الشهرية الصادرة في آذار مارس 1918؟ ويجيب الباقر في افتتاحية العدد الاول بالآتي: "تخيّرت لهذه المجلة النسائية اسم الفتاة لما بين هذا الاسم من الصلة والتناسب في المعنى والمبنى، ولا انكر انني قد سُبقت الى هذا الاسم، فقد صدرت مجلات عدة باسم الفتاة مفرداً او باضافته الى اسم آخر كفتاة لبنان وفتاة الشرق وفتاة النيل، وهلم جراً، وليس ذلك ببدع او عجيب، فمن رأى او تناول شيئاً واسترقه، فقد استحقه". وباعتبار ان جلّ المجلات النسائية التي صدرت قبل العام 1918 كانت مقرونة بأسماء فتيات او سيدات، استدرك صاحب "الفتاة" للقول في سياق الافتتاحية: "كم كنت اود لو ان هذه المجلة اصدرتها سيدة فاضلة ليكون المشروع أتم في معناه ومبناه". تلت الافتتاحية قصيدة لأديب اسحق يقول فيها: انما المرأة مرآة بها كل ما تنظره منك ولك فهي شيطان اذا افسدتها وإذا اصلحتها فهي ملك وتحت عنوان "الشعر الفكاهي" روى الباقر ان المصريين كانوا يعاقبون الخائن من الرجال بسمل العيون والرومان يعاقبون الخائنة بجدع الانوف". ثم علّق الشاعر الساخر طانيوس عبدو على المعلومة التاريخية بهذين البيتين: فلو وصلت شرائعهم الينا على ما نحن فيه من المجون لأصبحت النساء بلا انوف وأصبحت الرجال بلا عيون طبعاً، كان لنصير المرأة جرجي نقولا قرص في عرس "الفتاة"، اذ كتب مقالاً طويلاً ضمنه لائحة بالدوريات النسائية التي سبقت صدور مجلة صديقه محمد الباقر وبلغ عددها 26 مجلة، وصدر سبع منها في الاسكندرية و11 في القاهرة واثنتان في بيروت وواحدة في كل من الجزائر والمنصورة ودمشق ونيويورك وسان باولو. وهنا استدرك باز، بدافع وطني، للقول إن معظم الدوريات المذكورة اصدرها مواطنون ومواطنات "شوام" بدءاً ب"الفتاة" الاولى لهند نوفل وانتهاء بالاخيرة. ولكن وطنية الباقر كانت اقل طموحاً او شمولية من هدف باز في اصدار دورية نسائية او الكتابة من اجل تعليم المرأة وتأمين حقوقها. ففي حين استهدف تأمين حقوق كل نساء بيروت وعموم العالم العربي، صاحب "الفتاة" على حقوق النساء المسلمات وخصوصاً البيروتيات منهن. وهو لم يفعل ذلك لدافع طائفي، ولكن انطلاقاً من نهج واقعي يمكن تلخيصه بأن المرأة المسلمة في بيروت كانت محرومة من معظم الحقوق التي كانت تتمتع بها المرأة المسيحية. وعبّر الباقر عن هدفه المحدد في اكثر من مكان في العدد الاول المؤلف من 32 صفحة. في الصفحة 5، وتحت عنوان "رجال النهضة النسائية" يقول الكاتب: "لا نغرق في القول اذا قلنا ان الرجل الوطني الذي يسعى اليوم جهده في إعلاء شأن المرأة المسلمة وتسهيل سبل نجاحها وتهذيبها على اساس الاخلاق العالية والفضائل السامية هو احمد مختار بيّهم". وفي الصفحتين 14 و15 كتب نور الدين بيّهم حول "الحركة النسائية المباركة" فقال: "كنا قبل بضع سنوات اذا سمعنا بوجود بعض المسلمات المتعلمات نعجب للأمر ونعده من باب الغرابة، اذ لم نتعود ان نسمع بمسلمة متعلمة". اضاف: "جمع صاحب الدولة النشيط عزمي بك افندي - الوالي العثماني - بعض نشيطي وغيوري المسلمين وكاشفهم في الامر وأفصح لهم عن حال المرأة المسلمة الحاضرة وما هي عليه من الانحطاط والفرق بينها وبين رفيقاتها الاديبات المسيحيات في التربية والتعليم، وأراهم ضرورة تأسيس نادٍ يضم عائلات المسلمين ويصبح هذا النادي مجتمعاً لفتياتنا". وقال ان النادي تأسس، وظهرت بسرعة النتائج الواعدة ومنها ظهور "الفتاة" التي "نتمنى لها رواجاً وقبولاً حسناً بين شاباتنا الزاهرات". ماذا عن النادي النسائي وهيئته المسؤولة وبواكير نشاطاته؟ يفيد الخبر المنشور في الصفحة الاخيرة تحت عنوان "حفلة نادي الفتيات الشهرية" ان الآنسة عنبره سلام ترأس النادي، وقدّمت الشيخ احمد عباس الازهري لالقاء محاضرة تاريخية. والرئىسة هي شقيقة الرئىس الراحل صائب سلام وزوجة المربي والسياسي الفلسطيني احمد سامح الخالدي. وبالنسبة للمحاضرة التي ألقاها مؤسس صحيفة "الحقيقة" البيروتية، فقد نشرت بكاملها في العدد ذاته وختمها بالقول: "ان الشريعة الغراء قد جعلت الرجل والمرأة نفساً واحدة، فكيف يفرق الجهلاء بين النفس الواحدة في العلم والأخلاق يحلّون لها العلم والاخلاق اذا كانت رجلاً ويحرمونها عليها اذا كانت امرأة؟". وأسهم ميشال زكور وجوليا طعمة دمشقية في تحرير العدد الاول من "الفتاة". وزكور اصبح بعد ثلاث سنوات صحافياً لامعاً عندما اصدر صحيفة "المعرض" التي باتت، وبسرعة، في طليعة الصحافة اللبنانية. ويذكر ان الباقر تنبأ له بذلك في مقدمة المقال الذي نشره له حين قال: "يميل بفطرته الى الصحافة، وله في عالمها مستقبل جيد". اما جوليا طعمة دمشقية التي كانت تلقي المحاضرات وتنشر المقالات، فقد استجابت لنداء الباقر، وأصدرت مجلة "المرأة الجديدة" بعد عامين من صدور "الفتاة". وجوليا اديبة مسيحية تزوجت من البيروتي المسلم بدر دمشقية الذي كان رئيساً لبلدية بيروت، وهي والدة السفير نديم دمشقية والسيدة سلوى السعيد التي لعبت دوراً ملحوظاً في مهرجانات بعلبك الفنية العالمية في الخمسينات من القرن الماضي. * كاتب لبناني.