"الخدر" مجلة نسائية علمية أدبية صحية، أسّستها عفيفة فندي صعب، صدرت في الشويفات لبنان، مرة في الشهر، بدل اشتراكها في السنة الأولى نصف ليرة مصرية تضاف إليها اجرة البريد للخارج، طبعت في المطبعة اللبنانية، ساحة البرج، بيروت. وفي سنتها الثالثة، بدأت عفيفة بطبعها في المطبة الرشيدية، كفرشيما، وكان بدل اشتراكها السنوي ستين قرشاً مصرياً تضاف إليها اجرة البريد للخارج. صدر العدد الأول في شهر تموز يوليو 1919، واستمرت عفيفة في اصدارها ثماني سنوات متتالية من 1919 الى 1927. اجازة الخدر صدر امر اجازة مجلة "الخدر" من مينيو الفرنسي بموجب قرار رقم 2086، جاء فيه: "نومرو 2086 من وكيل الحاكم الاداري العام لأراضي العدو المحتلة في المنطقة الغربية الى حضرة حاكم لبنان الاداري. جواباً على تحريراتكم نومرو 970 رقم 24 الجاري: اتشرف بإبلاغم بأني اجزت الى الآنسة عفيفة فندي صعب بإصدار مجلة عربية بالشروط التي عينتها في عريضتها المؤرخة في 19 ايار مايو سنة 1335ه. فتفضلوا بابلاغها ذلك ولتتقيد بقانون المراقبة. التوقيع: مينيو". كما صدر تبليغ رقم 1100 عن سيشه الحاكم الاداري العسكري في لبنان، المقيم في بعبدا بتاريخ 2 حزيران يونيو سنة 1919 جاء فيه: "نومرو 1100 صورة طبق الأصل ترسل الى قائمقامية الشوف لابلاغها الى الآنسة عفيفة فندي صعب". كما صدر اشعار قرار عن قائمقام الشوف، الأمير توفيق ارسلان، تحت رقم 182/1100، بتاريخ 4 حزيران سنة 1919 جاء فيه: "الى مديرية الغرب الأقصى لابلاغ هذه التحريرات الى الآنسة عفيفة فندي صعب". العدد الأول جاء في مقدمة العدد الاول بقلم منشئتها عفيفة فندي صعب الآتي: "... علينا ان لا نستسلم لحالتنا الحاضرة بما فيها من خمول وفتور بل ننهض مع طلوع الصبح الجديد في هذه البلاد - صبح الحرية والمعرفة - الى الاستفادة من هذا النور الباهر وليس هذا بالأمر العسير على كل من ارادت وسعت. فقبل اختراع فن الكتابة، كان الأقدمون يعبّرون عن افكارهم ويدوّنون معارفهم برسم صور مختلفة واشكال شتى. فكيف بنا اليوم والمطابع كثيرة والمؤلفات والصحف جمّة غزيرة الفائدة والكهربائية بأسلاك وبدونها تربط اقصى العالم بأقصاه وتخبرنا اليوم ما اكتشفه علماء الكون بالأمس. ان الحالة المتقدم شرحها قد شحذت فينا الغيرة الجنسية فكرّسنا وقتنا حباً بخدمة بنات طائفتنا فأنشأنا مجلتنا هذه". وتختتم عفيفة موضوعها مبينة اهداف مجلتها وأسباب تسميتها ب"الخدر" فتقول: "... وقد أسميناها "الخدر" لأنها ستكون السلك الموصل بين خدور ربات الخدور ورسالة تصدر شهرياً من خدر الى امثاله، ملتزمين فيها كل ما تسرّهن قراءته ويفيدهن الاطلاع عليه من زبدة ما نستطيع جمعه من اقوال افاضل الكتبة وفاضلات الكاتبات في العلم والتربية وتدبير المنزل. وتنتظر مجلتنا هذه معاضدة ذوي الغيرة من كتبة وكاتبات بأقلامهم وتشجيع ذوات الخدور باقبالهن وعلى الله الاتكال". وفي العدود الاول عنوان بارز "المجلات النسائية" بقلم جرجي نقولا باز، ثم عنوان "الكنز المدفون" ثم "العظمة المنسية" ثم حكمة ل"باكون الفيلسوف" ثم "اقوال مأثورة" ثم "اخت البؤساء" معرّبة عن الانكليزية ثم "ديدون مؤسسة قرطاجنة" ثم "عالم المرأة". وفيها طرائف مختارة، نختار منها هذه الحادثة: "أتعس امرأة في ألمانيا. - اتعس امرأة في ألمانيا هي الأميرة سيسيليا زوجة ولي العهد المعزول، وتعاستها غير مسببة عن الانكسار العظيم الذي حلّ بمملكتها، بل عن معاملة زوجها الوحشية لها. فهذا الزوج الجائر بعد ان وضع يده على بائنتها دوطتها البالغة مليون لير، خان عهوده لها وعاملها بقسوة شديدة حتى انه كثيراً ما ضربها وشوّه وجهها بلطماته. وقد حاولت الفرار من ألمانيا عدة مرات هرباً من ظلم زوجها وجوره. فألقي القبض عليها عند الحدود. وأرجعت الى برلين مخفورة كأنها مجرمة. ولولا مداخلة حميها الامبراطور المعزول وعطفها على اولادها لانفصلت عن زوجها من زمن بعيد. وهي الآن ساعية في المحاكم لاصدار حكم - الطلاق - حتى تتخلص من رفيق حياة كان سبب تعاستها وشقائها". وتتكرر العناوين: "اصلاح السجون" و"تدبير المنزل". وينتهي العدد الاول ب32 صفحة قطعاً وسطاً، قياس 17×24 سنتم. المجلات النسائية صدرت مجلة "الخدر" في خضم مجلات كثيرة نشرت في ذلك الحين. نذكر منها: "فتاة الشرق" و"الحسناء" و"فتاة لبنان" و"الفتاة" و"الفجر". وحوى تاريخ آداب اللغة العربية في نهضتها الحديثة باب الصحافة وهو الفن الذي ما عرفه العرب من قبل ومع حداثة عهده بينهم تساوى في الاشتغال به الجنسان وقد جارت المرأة فيه الرجل وتخصص بعضهم للمواضيع النسائية بمجلات خاصة وتعددت هذه المجلات. فبدت في الاسكندرية "الفتاة" لهند نوفل و"أنيس الجليس" لاسكندره افرينو و"شجرة الدر" لسعدية سعدالدين و"السعادة" لروجينا عواد و"الزهر" لمريم مسعد و"المودة" لسليم فرح و"مجلة السيدات" لروزا انطون. وصدرت في مصر "الفردوس" للويزا حبالين، و"مرآة الحسناء" لمريم مزهر و"العائلة" لاستير مويال و"المرأة في الاسلام" لابراهيم رمزي و"المرآة" لأنيسة عطاالله و"فتاة الشرق" للبيبة هاشم و"الريحانة" لجميلة حافظ و"الجنس اللطيف" لملكة سعد و"ترقية المرأة" لفاطمة راشد و"الاعمال اليدوية" للأخوات فاسيلا و"مرشد الاطفال" لانجلينا ابي شعر و"العفاف" لسليمان مهران و"فتاة النيل" لسارة الميهية. وانتشرت في المنصورة "البرنسس" لفطنة هانم، وفي الجزائر "الاحياء" لجان ديريو وفي نيويورك "العالم الجديد" لعفيفة كرم وفي سان باولو "الكرمة" لسلوى سلامة. ونشأت في بيروت "الحسناء" لجرجي نقولا باز و"فتاة لبنان" لسليمة ابي راشد و"منيرفا" لماري ينّي و"الفتاة" لمحمد الباقر و"الفجر" لنجلا ابي اللمع، وفي الشام "العروس" لماري عجمي. وأصدرت ايضاً الكسندرا افرينو في الاسكندرية مجلة "اللوتيس" باللغة الفرنسية وجريدة "الاقدام" بالعربية، وأدارت سليمة ابي راشد في بيروت جريدة "النصير" اليومية. كتّاب المجلة ونذكر عن كتّاب مجلة "الخدر" جرجي نقولا باز، فؤاد صروف، حسين سري الدين، المحامي فندي افندي حمادة، ليندا اسبر نصار، احمد تقي الدين، زهر حمادة، ماري ينّي، سمية سلمان، حليم شاكر نصر، سليم حمدان، امين ناصيف كاملة، علي ناصرالدين البريمي، شاهين ابو علي، فليكس فارس، الشماس انطونيوس بشير، عبدالله حشيمة، يوسف الحاج وغيرهم. عفيفة صعب من تكون الاديبة عفيفة صعب وأين ولادتها وعلومها؟ ولدت في بلدة الشويفات سنة 1900" والدها قاسم فندي صعب، والدتها لطيفة حسن. تلّقت علوم المرحلة الابتدائية في مدرسة الانكليز في بيروت. ثم تخرجت في مدرسة "بروكر" التي تحولت في ما بعد الى "مدرسة الشويفات الوطنية" او مدرسة القسيس طانيوس سعد. أسست كلية الصراط في عاليه العام 1925 مع شقيقتيها فطينة وزباد. راسلت الكثير من الصحف العربية والاجنبية. وألقت محاضرات في مختلف المواضيع في كل من لبنان وسورية، نذكر منها محاضرة نفسية ألقتها في مركز "رابطة العمل الاجتماعي" في بيروت بتاريخ 14 أيار مايو 1961، بعنوان "المرأة المسلمة". وكانت عضواً بارزاً في الجمعيات والهيئات النسائية. نالت وسام الاستحقاق اللبناني برتبطة ضابط في العام 1958. وفي العام 1982 أُقيم لها احتفال تكريمي في بلدة الشويفات. وكتبت في كثير من الصحف منها: "المعارف" و"التهذيب" و"المقتطف" و"صوت المرأة". أقوال في الخدر بعث الدكتور حسين سري الدين برسالة الى عفيفة صعب يقول فيها: "تصفحت العدد الاول من مجلة الخدر فإذا هو مفعم بالفوائد المقصودة، ودليل واضح على نهضة جديدة، ورقيّ جدير بكل احترام. وان الخطوة الاولى التي صدرت من فتاة الخدر في سبيل الصحافة، بل في سبيل رقيّ الفتيات السوريات عموماً واللبنانيات خصوصاً حرية بكل احترام وتسجيل". وتفضل سليم صوايا وكيل "الخدر" في منطقة الشوير، بتقريظ المجلة ببيتين من الشعر: نعم المجلة قد رأيتُ ظريفة عند الجميع جميلة ولطيفة واذا اتيت مقرظاً اوصافها يكفي اذا ما قلت "خدر عفيفة" وأرسل الاديب بشارة افندي البستاني كلمة لطيفة في مجلة "الخدر" جاء فيها: "لم نكن نتوقع ان صرير قلم كاتبات الخدر يسترعي السمع ويستميل الفكر، ولم يدر في خلدنا ان قلمهن ينشط من عقاله ويستيقظ من رقاده. وانه سهم مريش يصمي، وحسام مرهف يفري، يجول في مضمار العلم جولة الابطال، ويخوض بحار المعارف، يلتقط دررها فيجعلها عقداً في نحور النساء، وقرطاً في آذان الاديبات، مما يدلُّ على ان النساء يجارين الرجال في العلم والأدب ويبارينهم في القول والعمل. فمنهن المعلمات والممرضات والطبيبات والكاتبات والتاجرات والمزاولات كل حرفة يزاولها الرجال. ... تصبح والحال هذه جدران الخدر من مادة العلم والمعارف يبنيها التمدن ويصبح ستاره من نسيج التهذيب والاخلاق والآداب تحوكه يد العفيفة الاديبة...". هذا هو العدد الاول من مجلة "الخدر" لصاحبتها عفيفة صعب، احدى العاملات البارزات في دنيا الصحافة في مطلع القرن العشرين الى منتصفه، واحدى المربيات المرشدات في حقل التوجيه التربوي والتثقيف العلمي. قضت ستين عاماً تعمل بصمت، في خدمة مجتمعها وأبناء جنسها، والدفاع عن قضايا المرأة، والمطالبة بحقوقها السياسية والاجتماعية، إن على صعيد المجلة التي انشأتها او على صعيد تأسيس كلية الصراط في عاليه. كانت اديبة معروفة في لبنان والعالم العربي، وتعدُّ بين الرائدات اللواتي عملن على تحقيق النهضة النسائية في الشرق. وكان لمجلتها الخدر صولات وجولات في عالم المرأة وقضاياها ومشكلاتها. توفيت عفيفة صعب في عاليه يوم الاثنين في 17 تموز يوليو سنة 1989.