يرجح ان صاحبة مجلة "الزهرة" النسائية قد شككت بجدارة جرجي نقولا باز في نيله لقب "نصير المرأة" عندما قرأت في العدد الأول من مجلته "الحسناء" لائحة المجلات النسائية ولم تجد اسم مجلّتها في عدادها. ذلك ان عدد المجلات الأنثوية لم يكن تجاوز عدد اصابع اليدين، اضافة الى أن باز كان مرجعاً في كل ما يتعلق بالمرأة العربية، وخصوصاً الدوريات التي أصدرتها. وربما جاء حكمها عليه مخففاً لأن غياب "الزهرة" لم يكن مقصوداً. صدر العدد الأول من "الزهرة" في الاسكندرية في 8 ايار مايو 1902، بحسب ما ورد في الغلاف الداخلي، وما أكده شيخ مؤرخي الصحافة العربية فيليب طرازي. والطريف ان الغلاف الخارجي للعدد الأول يفيد انه صدر في 8 تشرين الأول اكتوبر 1902، وهو بالطبع خطأ مطبعي فاضح. كانت المجلة مصوّرة. ولكن الصور اقتصرت على الشخصيات امثال فليني باشا فهمي مراقب الأموال، وقنصل دولة ألمانيا بالزقازيق رزق الله بك شديد، وصاحبة المجلة ومحررتها حيث نشرت تحت رسمها هذين البيتين: العلم احسن شيء تعملون به يا عالمين بأن السير للحفرِ وخلفوا صالحات تذكرون بها فما يديم سواها الله من اثر وإذا كان جمال مريم مسعد وأناقتها يبرران وضع صورتها في الصفحة الأولى، فإن بيتي الشعر يشكلان تبريراً إضافياً. فالمجلة كانت في ذلك الزمن أداة علم، خصوصاً إذا خُصصت "لنشر الشؤون النسائية على أشكالها كافة" كما ورد في الافتتاحية أو "الكلمة الأولى". والشؤون النسائية الرئيسة في مطلع القرن العشرين كانت تشمل "بحث حقوق المرأة وآدابها وواجباتها واحتياجاتها في خدرها وخارج منزلها". وعندما تتوافر هذه المواضيع، تغدو الزهرة "السمير لكل سيدة في اوقات فراغها، والمرشد لها عند عملها، والأنيس عند حزنها". أما لماذا الزهرة وليس المرأة أو الفتاة أو الحسناء، فلأنه "اسم ذاك الشهاب الثاقب الذي ينير الدياجي، وتلك التي تتراقص على اغصان الأشجار تحت قطرات الندى وتتوج بها هامة الجندي المنتصر ورأس العروس وجثة الميت". "المرأتان القبطية والمسلمة" كان عنوان الموضوع الذي تلا الافتتاحية، وهو غير موقّع، مما يعني انه بقلم صاحبة المجلة. ردّت الكاتبة في موضوعها على ما تضمنه كتاب "حاضر المصريين وسرّ تأخرهم" لمحمد عمر المصري الذي رأى فيه تدنياً لمستوى تربية الفتاة المصرية المسلمة في مقابل التربية الرفيعة للفتاة القبطية. سألت الكاتبة أديباً قبطياً عن رأيه بذلك فأجاب ان "القبطية والمسلمة شقيقتان أو هما واحدة لا يفصلهما عن بعضها غير الدين". وقد بقيتا كذلك الى أن "دخل الى القطر جماعة المرسلين البروتستانت والكاثوليك وغيرهم فلم يجدوا امامهم أقرب من فتيان وفتيات الأقباط فاجتذبوهم إليهم". ونفى ان تكون القبطية متمتعة بقسط وافر من التربية والتعليم بدليل ان "حديث البنات في المدارس القبطية يدور حول المودات والسهرات والاحتفالات". ومن مصر وفتياتها، انتقلت رئيسة التحرير إلى "الشرق وأحداثه" حيث التخلف بالمقارنة مع أوروبا الناهضة. اما سر نهوض الأوروبيين والأميركيين فيكمن في اهتمامهم "بالناشئة من كل الطبقات وإيصال العلم إليها على السواء، لا فرق بين الغني والفقير وتحبيب العمل إليها". وفي المقابل نرى الرجل عندنا الذي يدعي التمدن ممتنعاً "عن الحركة خشية من تجعيد ياقته وذهاب رونق كيّها، بينما يكون اولاده حفاة عراة وهم يطوفون الشوارع القذرة". وختمت مؤكدة ان الشرق "لن يخطو في ميدان المدنية الحقة خطوة طالما تكون الأزقّة غاصة بأولادنا". بل ان الشرق "لن يضاهي الممالك الأوروبية إلا متى امّحت من بيننا تلك الكتاتيب التي تجعل عقل الولد آلة ميكانيكية يعيد ألفاظاً ولا يدرك معناها". الشاعر الدمياطي عبدالرحمن هندي ثنى على رأي الكاتبة ولكن بلغة الشعر، فقال تحت عنوان "هم ونحن": يقدمنا الى العليا ذهابُ ويحجمنا عن الحسنى إيابُ ويعرو بدرُ مسعانا أفولٌ وليس لشمس مسعاهم حجابُ ويشقينا عن الوفق ابتعادٌ ويسعدهم من الودّ اقترابُ وفينا من يخال الهين صعبا وفيهم من تهون له الصعابُ فكل فعالنا خطأ مبينٌ وكل فعالهم أبداً صوابُ فهلاّ بالذي سلف اكتفينا وهلاّ اليوم داعينا يجابُ ولكن هل شمل الصواب "اسطبلات الملكة فيكتوريا" حيث "يوجد كتّاب وعمّال يقيّدون يومياً ما عمله الحصان في الأربع وعشرين ساعة ومن الذي جهزه وقاده وأدخله الى مكان نومه حتى إذا طبع لهذه الخيول تاريخ لماثل تاريخ اشهر القواد والعظماء"؟ لم تنتقد مريم مسعد في موضوعها المنشور على ثلاث صفحات ما فعلته الملكة البريطانية الشهيرة بالنسبة الى جياد الخيل التي "سحرت كل من رآها لجمال لونها اللامع وشعر ذيولها المترامي وعيونها الدعجاء وأكفالها العريضة". ولكنها غمزت من قناة ابنها الملك إدوارد السابع الذي قرر نفض الاسطبلات لميله المفرض الى البذخ "فتمتلئ جيوب اصحاب الورش الكبيرة ومقتني الجياد بالألوف من الأصفر الرنان". يبقى ان العدد الأول خلا من الإعلانات باستثناء واحد نشر على الغلاف الأخير حول "عيادة الدكتور بشارة زلزل في منزله الكائن في وكالة منشى في المنشية الكبرى تجاه الحقانية بشارع السبع بنات، للأمراض الباطنة والظاهرة وخصوصاً أمراض النساء". والدكتور زلزل تخرّج في الجامعة الأميركية في بيروت اوائل السبعينات من القرن التاسع عشر، واشترك مع الدكتور خليل سعادة واللغوي ابراهيم اليازجي في تحرير مجلة "الطبيب" البيروتية في العام 1884، ثم أصدر مع اليازجي مجلة "البيان" في العام 1897 في القاهرة التي تراوحت موضوعاتها بين الطب وسائر العلوم التي كان يحرر معظمها زلزل، وبين صرف اللغة العربية ونحوها وفلسفتها حيث كان يجول اليازجي ويصول في عالمها، بأبرع ما فعله استاذه ووالده الشيخ ناصيف، ناهيك بأحمد فارس الشدياق والمعلم بطرس البستاني. * كاتب لبناني.