يا ربّة العلم بل يا ربّة الكرم غضّي لحاظك عمّا خطّه قلمي تصفّحيه بحسن الودّ منعمة هذي فتاتك بين العرب كالعلم بهذين البيتين صدّرت اللبنانية هند نوفل العدد الأول من مجلتها "الفتاة" التي أصدرتها في الاسكندرية بدءاً من 20 تشرين الثاني نوفمبر 1892، مفتتحة بها سلسلة الدوريات النسائية في العالم العربي. ولكن ابنة الجنوب اللبناني زينب فواز التي كانت مقيمة في القاهرة، لم تغضّ لحاظها عمّا خطّه قلم ابنة الشمال اللبنانيطرابلس، خصوصاً انها لم تكتف بنشر مقالة في صحيفة "رجالية" كما كان حالها هي، بل طمحت الى اصدار مجلة شهرية نسائية اسماً ومسمّى. وباعتبار ان الشعر كان موضة العصر، علّقت الأديبة الرائدة فواز على البيتين بثلاثة ابيات قالت فيها: جاءت لنا هند تزفّ فتاتها حور المعاني المسفرات ولا عجب للّه درّ فتاتنا وفنونها فلقد حوت من كل معنى منتخب فليهنأ الجنس اللطيف بنشأة ما كان يبلغها الزمان ولو طلب هل كانت زينب مبالغة في الشطر الأخير؟ كلا. ذلك ان نسيب هند، سليم نوفل اسهم في تحرير اول صحيفة في بلاد الشام "حديقة الأخبار" التي صدرت في غرة 1858، وكان يمكن ان يكون هو صاحب الجريدة، التي بدورها كان يمكن ان تصدر في مطلع العام 1850، لو تجاوب معه مَنْ ساعدوا لاحقاً صهره خليل الخوري صاحب الحديقة ورئىس تحريرها. وعلى ذكر الدوريات "الرجالية"، فإن نتاج المرأة وحتى اسمها، كانا غائبين عنها في السنوات الأولى من تاريخ صدور الدوريات العربية في مصر وبلاد الشام وتحديداً في القاهرةوالاسكندريةوبيروت وحلب. ويعود الفضل في اختراق الجدار البرليني الى بعض اصحاب الدوريات، وفي طليعتهم صاحب "لسان الحال" البيروتية خليل سركيس، الذين شجعوا زوجاتهم وبناتهم على الكتابة والنشر. ومن المؤكد ان اسم نسيم نوفل يحتل رأس لائحة الصحافيين الذين لعبوا أدواراً رئيسة في الدوريات النسائية، إذ لولاه لما تمكنت ابنته هند من اصدار مجلتها. وفي المناسبة، كان عرّاب "الفتاة" شبه مغمور حتى شهر حزيران يونيو 1893. لكن افتتاحية العدد السابع المعنونة "إعلان" هي الوحيدة التي كتبها ابو هند وبرّر فيها تأخر توزيع المجلة. وبما أن التأخير حصل في الاسبوع التي تمت فيه خطبة هند، فانطلقت بسرعة إشاعات تفيد ان العروس خُيّرت إما العريس أو المجلة، فاختارت الأول. والحقيقة التي أعلنها نسيم نوفل، ان ابنته اختارت الاثنين معاً، حين ردّ على "اصحاب الغايات": "ان "الفتاة" ستصدر تباعاً واطراداً في غرة كل شهر". بل انه اضاف ان "فتاة" فتاته ستصدر في مطلع عامها الثاني مرتين في الشهر بحجمها "الحالي" او تبقى شهرية، لكن بعد زيادة صفحاتها. طبعاً، كان فرح الكاتبات المتطوعات كبيراً، ليس لخطوبة هند، بل لاستمرارية "الفتاة"، ذلك ان صدور مجلة نسائية يعطي الأمل بأن حقوق المرأة سجلت الخطوة الأولى في رحلة الألف ميل ... في حين ان توقّف "الفتاة" بعد اشهر من صدورها، قد يكون له نتائج سلبية بالغة، لعل أسوأها تأجيل صدور دوريات نسائية لفترة لاحقة غير قصيرة. لذلك تضاعف إسهام الأديبات، خصوصاً اللبنانيات والمقيمات في مصر ولبنان. عفيفة أظن تكتب عن "العلم والعمل" في عدد اول شباط فبراير 1893، معتبرة ان من اهم الواجبات "هو تعليم الفتيات، لا سيما اللغة الوطنية". وكانت توّجت مقالها ببيتين من الشعر: العلم زين بالعمل لا بالثواني والكسل فمن أتى في علمه بالقول والفعل اكتمل ولم تكتفِ زينب فواز بالتقريظ، بل كتبت المجلة في شكل دوري. وكانت "الحرية" عنوان مقالها المنشور في اول آذار مارس 1892. استعرضت الكاتبة بعض المفاهيم المتداولة للحرية، ثم تبنّت المفهوم القائل ان "الحرية لا وجود لها البتّة، بل هي اسم من دون مسمّى" مبررة ذلك بأن الانسان يبقى في "ربقة الأسر من حين نشأته الى وفاته". فيكون منذ ولادته "أسير أمه او مربّيته، ثم تأسره الأمراض والأكدار والأوهام". وكتبت مريم خالد عن "الكهربائية" في العدد الصادر في اول نيسان ابريل 1893، مرددة قول احد العلماء بأنه "لو لم يكن قد سبق فسمّي هذا العصر بالحديدي، لكان حرياً بأن يسمّى بالعصر الكهربائي"، وكالعادة، توّجت الكاتبة المقيمة في دير القمر الشوف - لبنان مقالها بأبيات قالت فيها: وبدت طلائع حسنها فتبدّدت جند الظلام وكم بها من جحفل ورقت ذرى الأفلاك تطلب منزلاً رحباً، فلاقت فيه أبهج منزل وبدأت هنا كوراني تراسل المجلة وهي في لبنان، إذ نشرت في العدد نفسه الحلقة الاولى من سلسلة "إنهاض الغيرة الوطنية لترقية البضائع الشرقية". وحين هاجرت الى الولاياتالمتحدة، بعثت برسالة الى هند نوفل ضمّنتها معلومات عن معرض شيكاغو الذي يدل على ما بذله "الأميركان من النفس والنفيس في جعل معرفتهم آية القرن التاسع عشر وأعجوبة التقدم والارتقاء". ثم انتقلت الى مشاريعها الخاصة فنوّهت بعزمها "على إنشاء مجلة علمية أدبية تصدر اول كل شهر في اللغة الانكليزية ... وسيكون القصد الأكبر منها رفع الشرق وآله في أعين الغربيين لعلهم يرجعون عن احتقارهم واستخفافهم بشأنه". ومن بيروت بعثت استير أزهري بخطبها الى "الفتاة" التي كانت تلقيها في "جمعية باكورة سورية" البيروتية، ومنها خطاب "التنديد بالغير وأضراره" المنشور في عدد تموز يوليو 1893. ودعت استير صاحبة المجلة وصديقتها سارة الياس للانضمام الى الجمعية. وكانت الموافقة مرفقة بالافتخار "تعزيزاً للفضيلة وسعياً وراء ما يستلزمه تقدم المرأة الشرقية". ويذكر ان "جمعية باكورة سورية" هي اول جمعية نسائية تأسست في العالم العربي عام 1879. ومن حلب ردّت مروم الانطاكي في 16 آذار 1894 تحت عنوان "الحق أحق ان يتبع" على فلسفة، أو بالحريّ سفسفة، الدكتور أمين خوري الذي قال: "ان النساء والرياح والزمان ليس لهم أمان". ونشرت مهجة بولس سوقي من طنطا مقالاً في اول أيار 1893 عن "حقوق المرأة"، وانضمت في مقالها الى "اهل النظر والنقد في الشرق والغرب" الذين يطلبون مساواتها مع الرجل. وألقت صاحبة المجلة الضوء على ثلاث رائدات لبنانيات: راحيل زوجة المعلم بطرس البستاني، والشاعرة وردة ابنة ناصيف اليازجي، والسيدة الارستقراطية الجميلة آميلي سرسق. يبقى ان مجلة "الفتاة"، التي تصرّ صاحبتها على اعتبارها جريدة، التزمت بما تعهّدت به صاحبتها ورئيسة تحريرها في افتتاحية العدد الأول، فخَلَتْ صفحاتها من "الأمور السياسية والمشاحنات الدينية". * كاتب لبناني.