تحت عنوان "حان الوقت لدفن اتفاق أوسلو للسلام" كتب نورمان سبيكتور* سفير كندا السابق في اسرائيل وأول ممثل لها لدى السلطة الوطنية الفلسطينية في غزة، ومدير سابق لصحيفة "جيروزاليم بوست" مقالة نشرها في صحيفة "لو دوفوار" المونتريالية في عددها الصادر في 16 آب اغسطس الماضي. وفيها يلقي الضوء على بعض الجزئيات الضائعة في غمرة الصراع الفلسطيني - الإسرائيلي وامتداداته الإقليمية والدولية، كاشفاً تردد الإدارة الأميركية وخشيتها من انعكاسات اي تدخل حاسم، ومؤكداً انها الدولة الوحيدة في العالم القادرة على حل مشكلة الشرق الأوسط بطريقة أو بأخرى. يطرح سبيكتور مشروعاً يتكئ على قرار التقسيم في العام 1947 الذي يبدو انه يعطي للفلسطينيين اكثر مما حصلوا عليه في مجمل اتفاقات السلام ويحيطه بهالة من المظاهر الاحتفالية على خلفية تاريخية دينية ميثولوجية. وهنا ترجمة للمقال: "كأنما الحال اشبه بالطقوس التراجيدية: مذيعون يقطعون برامجهم الاعتيادية ليعلنوا آخر انباء العنف في الشرق الأوسط، ومواقع "الإنترنت" تحصي عدد الضحايا وأسماءهم وأعمارهم، والناطقون بلسان الطرفين يدينون كل منهما الآخر بعبارات يائسة بغية تحريك الرأي العام العالمي. وتتوالى اعمال الثأر والانتقام، والديبلوماسيون يسعون حثيثاً لإيقافها. ومن وقت لآخر يعلن وقف لإطلاق النار ما يلبث ان يتجدد ويقع المزيد من الضحايا ليستنتج الجميع ان العنف لم يتوقف. وفي غمرة ذلك كله يعاود الطرفان دعوة الولاياتالمتحدة لعمل شيء ما وأحياناً فرنسا التي تبدو حذرة في موقع كلمة الفصل فيه للتدخل الأميركي في اللحظات الحرجة. وهذه النداءات تبقى غالباً من دون جدوى. فهناك من يدين الرئيس جورج بوش لذاته وغيره يرى ان سياسته تأكيد للعزلة الأميركية التقليدية. والحقيقة ان الولاياتالمتحدة هي القوة العظمى الوحيدة في العالم التي تجري وراء مصالحها بصرف النظر عن شخصية الرئيس او مغانمه السياسية. وتشتد دائرة العنف، وهناك اكثر من سبب للاعتقاد بأن الحال الراهنة آيلة الى الأسوأ اكثر منها نحو الأفضل. فآخر "عملية استشهادية" في حيفا التي نفذها احد اعضاء المنظمات الإسلامية، كانت بمثابة عيد، علماً انه بعد مرور ستة اسابيع تبين ان الذي قام بها كان من الأفراد الموكلين حماية عرفات وأمنه. ومن جانبهم وجد الإسرائيليون انفسهم في حال عزلة خطيرة من جراء احتلالهم بيت الشرق في القدس. ولئن جاء هذا الاحتلال من دون اراقة دماء، إلا انه يؤشر بقوة الى اتساع دائرة الصراع في المنطقة ويؤجج مشاعر العداء عند اليهود المتشددين ازاء العرب والمسلمين. وبعد أليس من المدهش ألا يتجرأ بوش على اتخاذ مبادرة ينجح فيها حيث اخفق سلفه بيل كلينتون؟ الواقع ان الذين يحثونه على التدخل لا يملكون رؤية واضحة حول طبيعة هذا التدخل ومداه وما يترتب عليه من نتائج. وعلى رغم ان اسم جورج ميتشل يتردد على كل لسان وشفة إلا ان تكراره اصبح امراً تافهاً. فسواء ادعى آرييل شارون تطبيق اتفاقه بكامله وأعلن سبعة ايام للهدوء على امل ان يحذو ياسر عرفات حذوه ويستوعب ادارته وعناصره، إلا ان عرفات لم يكن مستعداً لأن يضع رجله في الحائط إدراكاً منه انه لن يحصل على شيء يقربه مما كان معروضاً في بازار "كامب ديفيد" في الصيف الماضي. وفي النتيجة ما يزال يبحث يائساً عن تدخل عالمي للخروج من المأزق. آن الأوان لدفن "اتفاق اوسلو". وهل هناك احد غير وزير الخارجية الإسرائيلية شمعون بيريز "الحالم المدمن" يمكنه ان يتصور حلاً شجاعاً تلتزم فيه اسرائيل وتتخلى للفلسطينيين عن المزيد من الأراضي المحتلة؟ إن مظاهر الفرح بين الفلسطينيين وتوزيع الحلوى، التي انفجرت بعيد عملية مطعم البيتزا في القدس، ينبغي ان تبدد كل شك حول هذه النقطة. اما ما يقال ان اوسلو برنامج متقدم واختبار للنيات في ظل استمرار عدم الثقة بين الجانبين، فإنه يبقى وسيلة للتمويه يتجاذبها الفلسطينيون والإسرائيليون، كل من وجهة نظره ومصالحه. إذاً من البديهي ان ينظر الى أوسلو على انه اصبح بحكم الساقط نهائياً. فمنذ ان طرح الرئيس كلينتون مسألة القدس، اكثر المسائل تعقيداً لدى الجانبين، في كامب ديفيد الصيف الماضي، واقترح تقسيماً عمودياً للسلطة في القدس على اساس ان يتولى الفلسطينيون مسؤولية المساجد المبنية على انقاض المعبد اليهودي الذي هدمه الرومان عام 70م، ويبقي الإسرائيليون تحت سلطتهم حائط المبكى الذي بناه هيرودس مع ما يوجد حوله وتحته من مساجد. حينها ابدى عرفات عناداً قوياً نافياً اي اثر لوجود المعبد اليهودي. وعلى التو انفجر كلينتون من على كرسيه قائلاً له: سأشرح لك: سيد عرفات منذ ألفي سنة وحين وطئ السيد المسيح هذه الأراضي شاهد معبداً يهودياً قائماً على تلال القدس ولم يشاهد مسجداً. وهكذا كأسلافه السابقين منذ هاري ترومان، فإن بوش سيتدخل عاجلاً أو آجلاً، وإذا كان فطيناً فإنه سيطلب ثمناً باهظاً قبل ان يتبلل، ويبقى عليه ان يمارس ضغطاً خاصاً على الإسرائيليين والفلسطينيين ومن ثم يكشف صراحة ويكتب خطياً الحقيقة الكاملة الكامنة وراء صراعهم. وبما ان الشعبين هما من السكان الأصليين في هذه الأراضي يبقى على الفلسطينيين والإسرائيليين ان يعترفوا بهذا التجاور التاريخي. فالحل الوحيد اذاً هو مشابه لحل عام 1947 حين صوتت الأممالمتحدة على مشروع تقسيم فلسطين الى دولتين واحدة يهودية وأخرى فلسطينية. فإذا كان الطرفان مستعدين لدفع الثمن، فعلى الرئيس بوش ان يدعو عرفات وشارون ويصحبهما الى حائط المبكى حيث يصلون جميعاً ومن ثم يعودون الى المسجد الأقصى لأداء صلاة مماثلة، والاحتفال بهذا الحدث ينبغي ان يغطى تلفزيونياً وباللغتين العبرية والعربية. ويقوم الرئيسان الفلسطيني والإسرائيلي في الحال بالتوقيع على إعلان مبادئ يعترف بالعلاقات التاريخية بين اليهود والفلسطينيين ويكون جواباً لا نكران فيه ولا انتقاص من حق احد، ثم يسافر الرؤساء الثلاثة الى شمال البلاد، الى تزيبوري في الجليل غاليليه. ففي هذا المكان كان السنهادرين الجسم السياسي والديني والقضائي الأعلى في فلسطين ابان العهد الروماني تمركزوا فيه لسنوات عدة بعد انهيار الهيكل وكان يسمى حينه سيبهوريس وأصبح في نهاية القرن السادس عشر قرية عربية تعرف باسم صفاريه. ويمكن الزائرين اليوم ان يروا فسيفساء تلك القرى، فمن بين الأشجار يمكنكم ان تشاهدوا الآثار الحديثة العائدة الى مجموعة من الناس كان عددهم حوالى 4000 نسمة عام 1948. وعلى الهضبة المجاورة ترون بيوت الإسمنت البيضاء تزيبوري وموشاف الإسرائيلي حيث يسكن الكثر من المهاجرين الأميركيين الذين عادوا الى موطن الأجداد. وفي هذا المكان المثالي يمكن لبوش وعرفات وشارون ان يوقعوا على إعلان مشترك يعترف بقيام دولتين واحدة لليهود وأخرى للفلسطينيين حتى يتمكن كل من الشعبين ان يمارس حقه في الاستقلال وتقرير المصير". * ترجمة: علي حويلي ** نورمان سبيكتور: دكتوراه في العلوم السياسية، عمل محرراً في صحيفة "غلوب اند ميل"، وكان نائباً لرئيس الوزراء في كولومبيا بريتانيك بيل بينت من عام 1982الى 1986 والمنسق الاتحادي بين المقاطعات الكندية، ومديراً لمكتب رئيس الوزراء الكندي السابق بريان مالروني.