خفضت المؤسسة الاستثمارية الأميركية "مورغان ستانلي" توقعاتها في شأن نمو الناتج الدولي الاجمالي للمرة الثانية في أقل من اسبوعين، ولم تستبعد انزلاق الاقتصاد الدولي الى أسوأ ركود منذ الحرب العالمية الثانية لتعكس بذلك المخاوف المتعاظمة ازاء الآثار الاقتصادية المحتملة للاعتداءات المدمرة التي تعرضت لها أهداف حيوية في الولاياتالمتحدة في وقت سابق من الشهر الجاري. وجددت المؤسسة اعتقادها أن الاقتصاد الأميركي دخل كلياً في الركود ،لكن تقريرها الذي نشرته في موقعها على الانترنت أول من أمس صدر قبل اقفال أسعار صفقات تشرين الثاني نوفمبر للخام الأميركي عند 22.10 دولار للبرميل منخفضاً أربعة دولارات دفعة واحدة، وفي المقابل انتعاش أسواق المال الأميركية لتعويض نحو 25 في المئة من الخسائر التي تكبدتها الاسبوع الماضي. واعترفت "مورغان ستانلي" أن أحداث الحادي عشر من أيلول سبتمبر رفعت درجة عدم اليقين الى أعلى المستويات الا أنها أكدت أن النتائج النهائية أصبحت واضحة على رغم واقعها المؤلم، وقالت: "بالنسبة لعالم رأيناه وقع في ركود متوافق حتى قبل حدوث الهجمات الارهابية على أميركا فان الانزلاق يبدو الآن أعمق أثرا وأطول مدى مما كنا نتوقع في أي وقت من الأوقات". وخفضت المؤسسة توقعاتها في شأن نمو الناتج الدولي السنة الجارية من 2.1 الى 1.8 في المئة، وحذرت من مخاطر قد تخفض هذه النسبة الى 1.5 في المئة، وأكدت في الوقت نفسه أن أداء السنة المقبلة سيكون أسوأ بكثير مما كان متوقعاً في السابق اذ لم تخفض توقعات النمو للعام المذكور من 3.4 الى 2.1 في المئة فقط، بل لم تستبعد أيضا احتمال ألا يزيد النمو الفعلي عن 1.25 في المئة. ولفتت "مورغان ستانلي" الى حقيقة أن التوقعات الجديدة التي تعطي الناتج الدولي متوسط نمو سنوي بنسبة 1.9 في المئة في الفترة من 2001 الى 2002، تعني أن الاقتصاد الدولي يعاني ركوداً عميقاً مشيرة الى أن الحد الأدنى من النمو المطلوب لتجنيب الاقتصاد الدولي مخاطر الركود يحدد عادة بنسبة 2.5 في المئة. لكن المؤسسة أوضحت أن تحقق المخاطر المحتملة وانخفاض نسبتي نمو الناتج الدولي الاجمالي الى الحدين الأدنيين المشار اليهما سيعني أن الركود الذي يهدد الاقتصاد الدولي في الفترة من 2001 الى 2002 سيكون الأسوأ في حقبة ما بعد الحرب العالمية الثانية، وسيكون أعمق أثرا وأطول مدى من انكماشي منتصف السبعينات وأوائل الثمانينات. ركود شامل وأعرب اقتصادي المؤسسة المذكورة ستيفن روتش الذي أعد التقرير عن اعتقاده أن هذا الركود لن يستثني أي منطقة من مناطق الاقتصاد الدولي، ما يعطيه صفته التوافقية، وجدد اعتقاده أن الاقتصادين الأميركي والياباني انزلقا كلياً في الركود وقال: "ان فريق المؤسسة المعني بدرس منطقة اليورو يتوقع نتيجة مماثلة في دول الاتحاد الأوروبي قريباً". لكن روتش ألمح الى أن أداء منطقة اليورو سيأتي أفضل قليلاً من أداء الاقتصاد الأميركي حتى بعد خفض التوقعات السابقة للمنطقتي،. مشيراً الى أن متوسط النمو السنوي المتوقع للاقتصاد الأميركي في الفترة من 2001 الى 2002 سينتهي الى واحد في المئة جراء خفضه بنسبة 1.1 في المئة، وفي المقابل يتوقع أن يبلغ متوسط النمو في الاتحاد الأوروبي 1.5 في المئة بعد خفضة بنسبة 0.7 في المئة فقط. وحسب "مورغان ستانلي" ستزداد متاعب اليابان بسبب الهجمات اذ توقعت المؤسسة أن ترتفع نسبة الانكماش المتوقع أن يتعرض لها الاقتصاد الياباني في الفترة المذكورة بمقدار نصف نقطة مئوية لتصل الى 0.8 في المئة سنوياً، كما توقعت ألا تزيد نسبة نمو الناتج المحلي السنوية في مجموعة الدول الصناعية على واحد في المئة مقارنة بمتوسط سنوي يناهز 3 في المئة منذ عام 1982. وأبدى روتش بعض التشاؤم ازاء احتمالات العودة الى معدلات النمو العالية التي ميزت العقد الأخير ورأى أن الاقتصاد الدولي، والأميركي خصوصاً، لن يحقق الانتعاش القوي الذي عادة ما يتبع الركود الحاد وقال: "ان الانتعاش سيكون نشطاً بعد زوال الصدمات لكن الاقتصاد الدولي سينتقل بسرعة الى معدلات نمو أكثر اعتدالاً". وأشار المحلل الى أن سيناريو النمو المعتدل سينطبق بشكل خاص على أميركا التي "لا يزال اقتصادها يواجه عقبات هيكلية كأداء تتمثل في طاقات انتاجية فائضة ومستهلك ذي ديون عالية وعجز ضخم في الحساب الجاري". كما توقع فشل الاقتصاد الأميركي في العودة الى الانتاجية العالية التي ميزت الأعوام الأخيرة بسبب ليس فقط انتهاء موجة الانفاق المسرف على تقنيات المعلومات بل أيضا تحويل الناتج القومي الى قنوات غير منتجة مثل الدفاع والأمن الداخلي ومعدلات التأمين المرتفعة. وتعرض روتش للمخاطر التي تواجهها الأسهم الأميركية وقال: "ما لم تحدث معجزة تتيح لاقتصاد دولي تقوده أميركا محركاً جديداً للنمو فان الاقتصاد الدولي سيسير في اتجاه يتميز بمعدلات نمو أقل من السابق، ومن شأن نتيجة من هذا القبيل أن تكون لها تداعيات مهمة على مستقبل توقعات الأرباح المضمنة في أسواق الأسهم". وكانت مخاوف المستثمرين من تفاقم الأوضاع الصعبة للشركات الأميركية في مجال الأرباح أحد العوامل التي أدت الى انهيار مؤشرات أسواق المال الأميركية طوال الاسبوع الماضي، وتوقعت مؤسسة "فيرست كول" المتخصصة في هذا المجال تراجع أرباح الشركات الأميركية بنسبة قد تصل الى 22 في المئة في الفصل الثالث وبنسبة تراوح بين 15 و20 في المئة في الفصل الرابع من السنة الجارية. واستبعدت "مورغان ستانلي" أن تؤدي أحداث الحادي عشر من أيلول وتداعياتها المستقبلية الى ارتفاع معدلات التضخم في الدول الصناعية ورأى أن السيناريو الأكثر احتمالا سيتمثل في تراجع الطلب وانخفاض الأسعار. وقالت أن الرد العسكري قد يدفع بأسعار النفط الخام برنت الى مستوى 30 دولاراً في الشهور المقبلة قبل أن تتراجع الى 20 دولاراً للبرميل بحلول نهاية سنة 2002 . وأوضح روتش أن توقعاته لم تأخذ في الاعتبار وقوع هجمات ارهابية جديدة أو رد عسكري واسع النطاق، كما افترضت استمرار الحكومات، لا سيما الحكومة الأميركية، في تقديم الحوافز لاقتصاداتها وخفض مكتب الاحتياط الفيديرالي سعر الفائدة الأساسي بمقدار 0.75 نقطة اضافية بحلول نهاية العام الجاري. لكن "مورغان ستانلي" علىرغم تشاؤمها الشديد توقعت حدوث تحسن معتدل في أداء الاقتصادات النامية في آسيا وأميركا الجنوبية العام المقبل.